hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جمانة حداد

رجاءً رجاءً

الإثنين ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 08:43

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

فلنتحدث عن الطقس. لنقل إن اليوم مشمسٌ يميل الى غائم، أو خريفيٌ ينذر بسقوط أمطار. هل ستذهبون الى البحر في عطلة نهاية الأسبوع؟ أنا أيضاً!
فلنتحدث عن هزّة خصر دينا، أو غنج هيفا وهبي، أو عرس أنجيلينا جولي وبراد بيت. أقبلُ حتى أن نتحدث عن مسلسل "حريم السلطان": هُيام تلك لا تطاق. أليس كذلك؟
فلنتحدث عن المونة، بما ان الشتاء يقترب: ما رأيكم؟ هل حوّشتم الصعتر وكبستم الزيتون وأعددتم المربّيات؟ أنا لا أفهم في الطبخ والنفخ، لكني مستعدة للإصغاء والتعلّم.
ثمّ، فلنتحدّث عن آخر صيحات الموضة. هل عرفتم أن الدانتيل يكتسح كل شيء هذا الموسم؟ أما البناطيل فواسعة وضيقة: "كلّو ماشي". أما جاكيتات الجلد فقد خفّ وهجها؛ أما إيلي صعب، فلا يُعلى عليه.
فلنتحدّث عن الريجيم أيضاً. عما قد يجعلنا نفقد خمسة كيلوغرامات في شهر. هل تدركون أن كوباً من الماء الفاتر صباحاً يفعل العجائب؟ مستعدة أيضاً لسماع أخبار عمليات التجميل والنفخ والشفط ورفع النهدين وتدوير المؤخرة. هيّا، أتحفوني.
ماذا عن مستجدات الماكياج؟ يبدو أن أحمر الشفاه سيكون زهرياً، والماسكارا مائلة الى الزرقة. آه، نسيت: هل تمارسون اليوغا؟ هل علمتُم أن حمّى الزومبا قد انتشرت في العالم أجمع؟ من جهتي، قررتُ أن أتعلم "السالسا".
هناك أيضاً أخبار العائلة والجيران: ما أحلاها! سكّان الطابق الثالث يفكرون في إنجاب ولد، وفي الرابع سيدة تعشق الخناقات عند السادسة صباحاً. ابنة عمتي ستتزوج قريباً، وستمضي شهر العسل في تايلاند.
في اختصار، يا أصدقائي، فلنتحدث عن كلّ شيء، عن أيّ شيء، ما عدا محسوبكم "داعش". أو فاتورة محرّكات الكهرباء. أو غلاء الأقساط المدرسية. أو الفراغ الرئاسي. إذا كنتم لا تتذوّقون الفن أو لا تحبون المطالعة، فلا بأس: لن أتعالى ولن أحكم. لتنغمس ألسنتنا في السخافات والأحاديث السطحية. لنثرثر، لنبربر، لنستهبل. كلّ شيء، أي شيء، ما عدا القتل والحرق والرجم، رجاءً. كلّ شيء، أي شيء، ما عدا قطع الرؤوس واليأس والفساد.
لم نعد نتحمل نشرات الأخبار. لم نعد نتحمل الـ"توك شوز". لم نعد نتحمل كلّ هذه الوحشية، كلّ هذا الكذب، كلّ هذه اللامبالاة المحلية والإقليمية والعالمية. لم نعد نتحمل قلوبنا وضمائرنا وعيوننا وأمزجتنا. شيء من الخفة لكي نتحمل؛ شيءٌ من النكران لكي نواصل. بربّكم.
تبّاً لـ"داعش" وسيرته. تبّاً للبلد وأزماته. تبّاً لي ولهذا المقال الذي ينفي نفسه بنفسه.
نريد، فقط، أن نصدّق أننا سوف نعيش. رجاءً، رجاءً!

  • شارك الخبر