hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - ميشيل كيلو

ماذا علينا فعله؟

الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

بقيام التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، تدخل منطقتنا في مرحلة جديدة، وتطرح نفسها علينا أسئلة متنوعة، تتصل بالمنحى الذي ستتخذه الأحداث، والنتائج التي يمكن أن تترتب عليها بالنسبة لنا في سورية والعراق، كما في بلدان المنطقة المجاورة لنا، كالأردن ولبنان، والبعيدة نسبيا عنا في الخليج العربي.
بداية، لا بد من التوقف عند بعض ما يجب علينا فعله، لملاقاة تطورات الموقف الدولي، الذي ينتقل، اليوم، من سياسة قامت على التنصل السلبي والمتحفظ من صراعات منطقتنا إلى سياسة الانخراط الإيجابي والمباشر المحدود فيها، الذي قد يتسع، بمرور الوقت وتطور المعركة، ويشهد استخداماً متزايداً للقوة الدولية، سواء بالسلاح أم بالعسكر، ويحتمل أن يصل بعد نيف وعام، مع مغادرة باراك أوباما البيت الأبيض، إلى دور مباشر تلعبه الجيوش البرية.
ثمة نقطة مهمة لا بد من التوقف عندها، لعبت دوراً مهماً في وقوع التغيير الذي نلاحظه في السياسة الأميركية تجاه منطقتنا، تتلخص في اقتناع البيت الأبيض بأن انهيار الجيش العراقي أمام "داعش" أكد أن أي نظام غير ديمقراطي، في بلد تعرض، فترة طويلة، للاستبداد، لا بد أن ينتج الإرهاب بالضرورة. ويبدو أن واشنطن فهمت، بحكم التجربة، أن البديل الديمقراطي يستطيع، وحده، حماية بلدانه، وحمايتها من خطر الإرهاب. هذا ما أظن أنهم أدركوه بعد معركة الموصل، واستخلصوه من فشل حكم نوري المالكي الذي قام على فئويةٍ أقصت قطاعات عراقية واسعة جداً من أية مشاركة سياسية، أو عامة. لذلك، لم تنتج غير نقيضها الذي يشبهها. عنيت التنظيم الإرهابي الفئوي المسمى "داعش"، ولم يسبق للعالم أن واجه ما يماثله، أو يشبهه في العنف وسرعة الانتشار. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل فهم الأميركيون أن الفوضى ليست بديل الاستبداد، خلاقةً أم هدامة، وأن هذا البديل لا بد أن يكون نظاماً ديمقراطياً، وإلا كان عليهم تحمل ارتدادات الإرهاب بديلاً حتمياً، ولا مهرب منه على بلادهم، في ظل إرهاب عالمي الطابع والأبعاد، يرجح أن ينخرط قطاع كبير من مواطنيهم فيه، بما يجعله جزءاً من عالمهم الخاص، الداخلي، ويجعل من الصعب عليهم احتواءه أو القضاء عليه، على الرغم من أنه سينشر قدراً كبيراً من العنف داخل مجتمعهم، وسيكون في وسعه تخريب سلامهم وأمنهم الداخلي؟
بنت أميركا خطتها العراقية على هذا الفهم، وطالبت بتشكيل حكومة وحدة وطنية، لا يستبعد أحدٌ منها، تعبر عن مختلف قطاعات العراق الشعبي والحزبي، على أن تستند وحدة التمثيل الحكومي إلى وحدة وطنية وشعبية، هي وحدة القاع المجتمعي. وقد نجحت في تحقيق شكل أولي منها، عبرت عنه وحدة مواقف المرجعية الشيعية وهيئة علماء المسلمين والكرد والجيش وكتل البرلمان الحزبية، ما أتاح تغيير موقف إيران من المالكي، وتأمين غطاء وطني عام، لتدخل عسكري بالخبراء والطائرات والمعونات، مع ما سيترتب عليه من غلبة تحققها واشنطن على طهران في بغداد، فضلاً عن لي ذراع إيران في الصراع الناشب بينهما بالواسطة، وتهميش دور روسيا التي بادرت إلى إمداد جيش بغداد بالطائرات، من دون أن تلعب، حتى الآن، أي دور سياسي ملحوظ، أو مؤثر في الأزمة.
هل ستنتهج أميركا في سورية السياسة التي تنتهجها اليوم في العراق الشقيق؟ أعتقد أن هناك نقطتين مهمتين تحولان بين الوضع السوري وجعل أميركا والغرب ينفذان عندنا أعمالاً تشبه
"
ليس لدينا وحدة بين قوى المقاومة المسلحة والمعارضة السياسية والحزبية، يمكنها جني عائد المعركة ضد "داعش"، ووضعه في خدمة الثورة، واستخدامه ضد نظام الأسد
"
التي تتم في بلاد الرافدين. أولاً، ليس لدينا وحدة سياسية أو شعبية أو عسكرية، في وسعها تقديم غطاء مناسب لدور الخارج في قضيتنا. لذلك، علينا إعطاء أولوية مطلقة لوحدة كهذه، سيحتاج العالم إليها، لكي يدعمنا بصورة يومية وملموسة، وسنحتاج نحن إليها كي نعزل "داعش" عن الجمهور المسلم، ونحول بينها وبين تقديم نفسها طرفاً يعبر عنه. ثانياً، ليس لدينا وحدة بين قوى المقاومة المسلحة والمعارضة السياسية والحزبية، يمكنها جني عائد المعركة ضد "داعش"، ووضعه في خدمة الثورة، واستخدامه ضد نظام الأسد.
تقوم أميركا، اليوم، بنقلة سياسية، تتطلب مصالحها القيام بها، وهي ستحجم أغلب الظن عن توسيع هذه السياسة في اتجاه يخدم مصالحنا نحن أيضاً، ما لم يمكنها وضعنا الذاتي والوطني من الاكتفاء ببذل قدر محدود من الجهد العسكري من جهة، مع تحقيق أكبر عائد سياسي من جهة أخرى، سيجسدها نجاح حل سياسي، هو، في نظرها، مآل أي عمل ستقوم به في بلادنا، من جهة أخرى.
ماذا يعني هذا الفرق بين العراق وبيننا؟ إنه يعني، بكل بساطة، أنه سيكون هناك تطبيقان مختلفان لسياسة واشنطن في العراق وعندنا، وأن تصعيد مواقفها في بلادنا سيتوقف على سد الثغرتين السابق ذكرهما، خصوصاً وأن قراءتها لهما ليست في صالحنا، بما أنها ترى في "داعش" حقيقة شعبية محتملة، وفي النظام طرفاً قد يفيد من ضرب الإرهاب، الأمر الذي قد يدفعها إلى الإحجام عن الذهاب في الشوط ضد " داعش سورية" إلى أقصى مداه. لن يكون في مقدورنا، بعد الآن، تجاهل ما علينا فعله، ويتوقف عليه مصيرنا. فهل نبادر إلى إنجاز مهامنا أم نواصل التلاعب بقضيتنا، وإضاعة وقت شعبنا، والتمتع بالتفرّج على دمائه المسفوكة؟
 

  • شارك الخبر