hit counter script

العنصرية الضاربة: اسألوا الدولة

الخميس ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:48

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

53 اعتداءً على السوريين على طريق المطار. حواجز طيارة في مناطق أخرى وبيانات «أعذر من أنذر» في القرى دعت إلى ترحيل السوريين... هذه حصيلة يومٍ «عنصري» واحد مرّ عابراً. يوم واحد فقط، قامت فيه الدنيا ولم تقعد واشتعلت صدور الغيورين على «اللاجئين»، شاتمين الشعب العنصري. لكن، أحداً لم يلتفت إلى القصة الكاملة. قصة تُسأل عنها الدولة وحدها التي وقفت متفرجة على الصورة «المطيشرة» في كل مكان ولم تبذل أدنى جهد، ولو في الاتفاق على خطة واضحة لمعالجة أزمة اللاجئين والمضيفين معاً


شيئاً فشيئاً، تخرج الأنفاس متقطعة من الجسد المستلقي فوق دمه. تتباعد. وفي لحظة ما، تسكن، فيعلو من حولها تصفيق أيدٍ مبتهجة بساديتها. لم يكن مشهداً سوريالياً كل هذا. كان مقطعاً من فيلم واقعي حدث قبل أيامٍ قليلة في برج الشمالي، عندما انهالت مجموعة من «شباب المنطقة» بالضرب على عامل سوري، انتقاماً لذبح عباس مدلج، الجندي الذي كان مخطوفاً، على أيدي مسلحين اسلاميين متطرفين.

في مكانٍ آخر، كان ساديون آخرون يمارسون انتقامهم أيضاً. يضربون. لا همّ إن قتلوا فقراء مثلهم. هم يوقنون بأن لا محاسبة ولا من يحاسبون. والدليل؟ «الحواجز الطيارة» التي اصطادت العمال السوريين في مناطق عدّة؛ ليس آخرها عند تقاطع كنيسة مار مخايل من دون أن يسأل أحد عنها. إنت سوري؟ كأنوا يسألونهم. ومن ثم يضربون. حدث ذلك في أمكنة كثيرة. على طريق الأربعة كيلومترات الفاصلة بين مطار بيروت الدولي ومدخل الضاحية، حصل 53 اعتداء على السوريين في يومٍ واحد، بحسب أحد التقارير الأمنية. وعلى الأطراف، «تهيّج» شباب المنطقة على السوريين، فمنهم من أصدر البيانات المطالبة برحيلهم تحت عنوان «وقد أعذر من أنذر» ومنهم من قام بضربهم. اسألوا شباب منطقة حاصبيا والقليعة وبرج الشمالي والشرقية وحمانا وتولين والدكوانة وزقاق البلاط وطريق الجديدة. اسألوا النائب في البرلمان اللبناني زياد أسود الذي خرج قبل أسبوع مشرفاً، بالسلاح، على عملية منع دخول 2000 نازح سوري إلى إحدى مدارس منطقة لبعا، والذي اعتبر فعلته يومها، في حديث تلفزيوني، بمثابة «رسالة لكل اللي بيفتكروا بيقدروا علينا». وهنا، لا فرق بين بيئة حاضنة وأخرى معادية. الكل سيّان، ألم ينل السوريون قسطهم من الضرب والإهانات على طريق الجديدة، يوم استشهد العقيد في الجيش اللبناني نور الدين الجمل؟
إنت سوري؟ هي التهمة الجديدة ليشحذ الكل حقده وعنصريته. وجديدة، لأنه سبقها قبل سنوات ليست ببعيدة تهمة أخرى: الفلسطيني وما بينهما العراقي والعمال الأجانب. بتعبير آخر، «كل شيء «غريب»، والهدف هذه الأيام سوري»، يقول أحدهم. لكن، مهلاً، هل ولدت تلك العنصرية لتوّها؟ وهل يمكن وضع كامل المسؤولية على أفراد مستعدين لممارسة العنف على أي آخر لأي سبب كان ـ على حد قول الوزير السابق شربل نحاس؟ مسؤولية من الوصول إلى هنا؟ ومسؤولية من حصول الانفجار في ما بعد؟
ليس كل ما حدث قبل أيام على خلفية «الانتقام» للجنود المخطوفين أو مساندة الجيش اللبناني عبر الاقتصاص من السوريين «الدواعش» ـ كما يحلو للبعض تبرير عنصريته ـ وليد اللحظة. ليست عبثية ولا طارئة، هذه اللحظة بالذات هي جزء من «تراكمات» بسياق طويل، منذ ما قبل الأزمة لتكبر في ما بعد في رحمها وتتشظى منها كل تلك الأشياء.
في المقام الأول، ثمة ما لا بد منه، وهي الحاجة إلى توضيح بسيط قد لا يعوّل عليه ولكنه أساسي. توضيح قد يشفع للأفراد، هؤلاء المتمرسون اجمالاً على «ارتكاب العنف لأي سبب كان في لحظة الخوف، وقد يكون الخوف بهوية سورية أو فلسطينية كما كان سابقاً أو عراقية أو هم «اللبنانيون»، يقول الوزير السابق شربل نحاس.
أما في ما يخص الأزمة السورية والمسؤول عن تلك الارتدادات التي يمارسها المواطنون اليوم بحق السوريين، فهذا حديث آخر. وإن كان الكثيرون لا ينفون مسؤولية الفرد، إلا أن مسؤوليته هنا «بقدر»، يقول نحاس. ويستطرد متهكماً «طول عمرو السوري موجود هنا ويعمل هنا»، لكن ثمة مسؤولية أكبر إذاً، وهي مسؤولية «النظام». وبالتعبير اللبناني «السيستام».
ليست الأزمة اقتصادية ولا اجتماعية ولا سياسية. هي «كل هذا»، يردف نحاس. كل هذا الذي بدأ بسياسة النأي بالنفس «فعندما بدأت الأزمة كان الكل، بغض النظر عن آرائهم السياسية، مقتنعين بأن الأزمة شهران وبتقطع». هذه القناعة كان لها دور كبير جداً «يذكّر بالحدث الفلسطيني، وإن كانت الصورة هنا أوضح». وهي نفسها التي «جعلت من قصة بهذا الحجم العددي تفرض هذا الواقع». انطلاقاً من هنا، تبدأ خيوط القصة. دخل النازحون بطرق شرعية وأخرى غير شرعية. سكنوا مناطق كثيرة. مارسوا حياتهم الطبيعية. أشهر وبدأ التململ، والدولة لم تكن قد اتفقت بعد «على أي صيغة ستستقر: لاجئ أم نازح؟»، يتابع نحاس. بدأت الشرارات. اقتصادياً، «كانت حصة السوريين من العمل في قطاعات مهمة كالبناء والزراعة وغيرها تقارب نسبة التسعين بالمئة، وخصوصاً مع جشع أصحاب العمل عبر تشغيل اليد العاملة الأقل كلفة، وكانت كلفة النزوح قد بلغت خلال عامين 7,5 مليارات دولار بحسب تقديرات البنك الدولي». اجتماعياً «تغيرت الهوية» وديموغرافياً أيضاً. شكلت هذه نقطة اصطدام أولى، أضيف إليها «حكاية المساعدات والمساعدين التي عززت العدد والتي بدأت «تتطحّل» بشكل كبير». خلطة من ثلاثة مكونات لم يبحث بها، بقيت الدولة بمنأى عنها إلى أن أتى «الخوف الأكبر». ويسترجع نحاس الصورة الأولى لهذا الخوف «لحظة تهافت السوريين على الانتخابات، هنا رأوا الصورة الواضحة، التي ترافقت في ما بعد مع الأخبار الأمنية، والمثال عرسال مثلاً والخطف في سوريا». يضاف إلى كل ذلك، استرجاع الكثيرين «اخبار الناس مع السوريين في تاريخ سابق على أيام المخابرات السورية».

الأزمة ليست
اقتصادية ولا اجتماعية ولا سياسية. هي
«كل هذا»

اشتعلت. الناس ليسوا قديسين. هم فقراء مدفوعون للعنف لأي سبب، للقمة العيش أو أي شيء آخر. والدولة هنا لم تفعل ما يردع. ربما، عززت بعض هذه النعرات الكامنة من خلال موقف بعض سياسييها، من رأس هرمها إلى الأسفل. وقد تكفي استعادة سريعة لبعض الخطابات «العنصرية» لفهم ما فعله أفراد الدولة. بغض النظر عن موقفها السياسي، نأت الدولة بنفسها على المستويات الأخرى. ليس ترفاً، وإنما «عجزاً»، يقول وائل أبو فاعور، الذي كان وزيراً للشؤون الاجتماعية في حينها، مشيراً إلى أنه «منذ بداية الأزمة كان التعامل مع ملف نزوح السوريين إلى لبنان هزلياً، وكان هناك أيضاً إنكار كامل للأزمة، حتى وصل الأمر بأحد الوزراء ـ في إحدى جلسات مجلس الوزراء للبحث في الأزمة ـ إلى القول ليش مكبرينها خليهن يروحوا النازحين لعند السفير السوري». تضخم العدد وبقيت «الدولة فاقدة لدورها، فلم تتخذ قراراً واحداً بحل الأزمة»، يتذكر أبو فاعور أنه خلال ولايته كوزير للشؤون الاجتماعية «اقترحت إخلاء عرسال من النازحين بناء على اقتراح من فرع المعلومات أننا نفقد السيطرة عليها، ووضعت خطة بتوزيعهم على 3 أماكن في البقاعين الأوسط والغربي، ولكنها رفضت لعدم وجود اجماع سياسي». والحال أيضاً يسير مع وزير الشؤون الاجتماعية الحالي رشيد درباس الذي اقترح خطة من سلسلة بنود؛ منها إنشاء مخيمات للنازحين، غير أنها «تحتاج إلى قرار سياسي». لا شيء يضيفه درباس على حديث سلفه إلا القول بأن «علينا أن نعترف بانعدام حسن التقدير وحسن التوقع منذ البداية».
هنا، تكمن المسؤولية الأساس. الدولة لم تسع إلى حل الأزمة باختصار. فمنذ ثلاث سنوات «لم تضع خطة واضحة للمعالجة الجدية، وعندما كانت تطالب الدول المانحة بالمال كانت «تشلف» المبلغ الذي تريده بلا استناد إلى شيء»، يقول أحدهم. وهي أمور سارية المفعول منذ عام 1992. فمنذ ذلك التاريخ، لا وجود لخطة متكاملة، وإن وجدت «فهي مرفوضة». ويسترجع الرجل الخطة التي وضعها مجلس الإنماء والإعمار في التسعينيات لإعادة إعمار ما دمرته الحرب والتي رفضتها طبقة المصارف والتي «لا تزال الطبقة الحاكمة إلى اليوم، وهي السبب في عدم وجود خطة لمعالجة أزمة النزوح». في مقابل الرفض، سرى «سيستام» معين لا يزال منتهجاً منذ ذلك الحين، وهو «نظام التعمية». يرجع الأخير إلى خطة الإعمار في التسعينيات، فيشير إلى أنه «بعد الرفض، زارنا موفد من الأمم المتحدة، جال على البلد 3 أيام، وقال إن كلفة الإعمار تبلغ 22 مليار دولار، بلا دراسة». كبروا الصورة في حينها «إنو لازم الدولة تتدين كي تبني، وبدأ تراكم الدين العام لتستفيد المصارف». بعد عشر سنوات «كان قد صرف على الإعمار مبلغ 4,7 مليارات دولار، فيما بلغ الدين العام 25 مليار دولار». وكان هذا مطلوباً من أجل سياسة التعمية «التي تقتضي أن نقول إن الدين العام كان ضرورياً ومرتبطاً بالاعمار، وهذا سائد في الأنظمة الرأسمالية لتغطية السرقات». ولبنان، «ككل نظام رأسمالي لازم ما يعرفوا فيه مين عم يسرق الدولة، وهناك طبقة معينة بالبلد تستعمل الدولة للسرقة ولها علاقة بالنظام، وهي اليوم تسمى المصارف». وفي أزمة النزوح، «لم تبادر الدولة إلى وضع خطة، خوفاً من الطبقة الحاكمة». هذا أولاً. أما ثانياً، فثمة ما هو أبسط من ذلك بكثير «وهم الطبقة السياسية الموجودة، 8 و14 آذار، فالطرفان يقاتلان في سوريا والطرفان أنتجا مشكلة اللجوء، ولا أحد منهما يريد أن يجد الحل، يضاف إليها العجز البنيوي في النظام المفرغ من سلطة القرار». نقطة أخيرة يعول عليها في «المأزق» اللبناني «كل ما هو أمر واقع هو معطى من الذات المتسامية وهذا كافٍ للنأي»، يختم.
راجانا حمية- الاخبار

  • شارك الخبر