hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - فراس الشوفي

مسيحيو البقاع الشمالي: رقبتنا في رقبة حزب الله

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

تمرّ الدقائق قبيل انتصاف الشمس، وبلدة القاع، شرق مدينة الهرمل في أقصى البقاع الشمالي، مقفرة من حياة القرى. السكان يختبئون في المنازل من شدّة القيظ، وتمثال مار الياس الحجري وسيفه الكبير وسط الساحة، يخسران ظلّيهما مع مرور الوقت. وحدها رشقات رشاشات الجيش اللبناني المتقطعة في الجبال الشرقية القريبة وآلياته على الطريق، تكسر السكينة بين حين وآخر.

لم تنتظر القاع معارك عرسال الأخيرة وتطورات الأيام الماضية، حتى تختبر نيران الحرب السورية عن قرب. يوم كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وباقي منظّري 14 آذار يتغنّون بسلمية «الثورة السورية»، كانت القاع شاهداً صامتاً على تهريب السلاح والمسلحين من لبنان إلى مدينة القصير القريبة، والمازوت والمواد الغذائية والأعلاف والماشية المسروقة إلى لبنان. وقد حظي المهرّبون بغطاء كامل من تيار المستقبل ونوّابه، في عزّ موضة «النأي بالنفس». في العامين الماضيين، لم توفّر صواريخ المسلحين المعارضين محيط القاع، ومرت عبرها إحدى سياراتهم المفخخة لتنفجر في البقاع. الساتر الترابي العالي الذي رفعه الجيش السوري على امتداد حدود القاع الطويلة مع سوريا، بالتزامن مع معركة تحرير القصير وقرى ريفها قبل نحو عام ونصف عام، حصر هموم الأهالي بالإرهابيين القابضين على سلسلة الجرود الشرقية القريبة. أمّا «مشاريع القاع»، فحكاية أخرى.
يبدو رئيس البلدية ميلاد رزق مطمئناً إلى أوضاع بلدته، على الرغم من المخاطر اليومية المحدقة، منذ اشتعلت المعارك بين الجيش وإرهابيي المعارضة السورية في جرود عرسال والجرود المحيطة شرقي القاع وجنوبها. الحديث يبدأ مع «الرّيس» عن واقع القاع، كبلدة حدودية «تقليدية» يطاولها الحرمان والنسيان على أطراف بلاد الأرز، ولا ينتهي مع «ركوة» القهوة في صالون البيت البارد في حي راس الكروم. يكاد الرجل يشكر الحرب، بحسرة، لأنها سلطت الضوء على هذه البقعة المنفية من البلاد.

 

تجاوز عدد أهالي القاع 13000 نسمة، على ما يخلص إليه النقاش بين رزق والياس التوم ابن البلدة، المنفّذ العام للحزب السوري القومي الاجتماعي في البقاع الشمالي. غير أن أفضل نهايات الأسابيع الصيفية لا تحشد في البلدة أكثر من 4 آلاف من أهلها ممن يسكنون ضواحي بيروت والمغتربات، يضافون إلى ما بين ألفين و3 آلاف، هم سكانها شتاءً. مرّ هذا الصيف قاسياً على القاع، فانخفض عدد القادمين الى حدود النصف، منذ غزوة إرهابيي «داعش» و«جبهة النصرة» لعرسال وحواجز الجيش في محيطها. ولولا «وجع الرأس» الأخير، لبقيت القاع مطمئنة وهانئة نسبياً بعد سيطرة الجيش السوري وحزب الله على القصير، تماماً كقرى الريف وجوسيه، وبلدة ربلة المسيحية، مباشرةً خلف الحدود الوهمية.
«عيون للجيش»
ليس سهلاً أن ينعم المرء بالنوم في «برودات» ليل القاع في دار بيتٍ كذاك الذي يسكنه المختار منصور سعد، مع علمه بأن آلافاً من المهووسين بالذبح يجوبون التلال المطلة على قريته، على بعد كيلومترات قليلة. القلق والخوف في القاع «طبيعي وعادي نظراً إلى الوضع» يقول رزق، ويضيف التوم: «القلق هنا هو نفسه في راس بعلبك واللبوة والفاكهة والعين والنبي عثمان».
المختار سعد أمضى 23 سنة خدمة في الجيش، وهو الآن مسؤول التيار الوطني الحر في البلدة. البنطال العسكري الأسود لا يفارق جسمه هذه الأيام، كيف المعنويات؟ «سياسة داعش ومن وراءها في قطع الرؤوس وباقي حركات الترهيب لا تخيفنا، هيدا الراس ما بيشيلو إلّا اللي حطّو»، يقول سعد. يحمل الرجل، وكثر غيره من قدامى العسكريين من أبناء البلدة، وقوميين وعونيين وقواتيين و«لاحزبيين» السلاح ليلاً لمعاونة شرطة البلدية في حراسة شوارع البلدة. يشدد سعد على «عيون للجيش». لا يغيب عن بال المحدثين ذكر حادثة التسلل قبل أسابيع من وادي رافق القريب. يومها، اشتبك الجيش مع مجموعة مسلحين حاولوا التسلل من الجرود. «القاع كأي بلدة، البعض ابتعد عن البلدة وقت تسلل وادي رافق، والبعض أتى من بيروت للدفاع عنها»، يقول رزق. من منزل رئيس البلدية، إلى منزل المختار والمهندس مطانوس وهبة وضيفه نقولا نعمة، ثمّ القومي جورج سعد، وهو عسكري متقاعد من الجيش أيضاً، لا أحد يسمي حمل السلاح ضمن فريق البلدية بـ«الأمن الذاتي»: «اتهمونا بأننا جماعات مسلحة (يقول رئيس البلدية). بسبب الخوف، البلدية تحمي المدنيين وتساعد الجيش، علماً بأن أغلبية الشبان هنا تريد حمل السلاح. لا أحد يريد الرحيل». إلا أن الانتشار الجديد والكثيف للجيش ترك جواً من الطمأنينة في القرى. لا تحبّذ المراجع الرسمية حمل السلاح، لأن «الأمن من مسؤولية الجيش الذي صار موجوداً بقوة الآن. لا يمكن المسلحين التسلّل إلى أي بلدة... بات لدى الجيش ما يعادل فرقة في المحيط». لكن تبدو القوى الأمنية في حالة استيعاب لحالة القلق، فيما تحكم قبضتها على منع أي مظاهر مسلحة خارج إطار البلديات.

حزب الله ومنع تهجير المسيحيين

يقتنع المعنيون هنا بأنه لم يعد باستطاعة الإرهابيين القيام باجتياح للقرى كالذي جرى الحديث عنه في بداية المعارك للوصول إلى عكار وطرابلس. في نظر الأهالي، لدى القاع تهديدان الآن: سيارة مفخخة تتسلل إلى البلدة، أو مجموعة مسلحة تختطف سكاناً أو ترتكب مجزرة. أما الهجوم الشامل، فهذا «كان زمان»، يقول جورج سعد. أما المختار، فيؤكّد أن «الجيش لا يتركهم، والمقاومة لا تتركهم». في المرحلة الأخيرة، عقد اجتماعان عامان في البلدة، وجرى تقويم المخاطر، واتُّفق على أن الثقل على الدولة والجيش، وأن على البلدية والأهالي دعم الجيش في الرصد والمراقبة.
لا يخفي المختار والقومي انتقاداتهما للقواتيين كتنظيم، وغياب المسؤول بشير مطر عن البلدة لمدة طويلة، بينما يستثنيان عدداً لا بأس به من الأفراد القواتيين، الذين باتوا يشاطرون القوميين والعونيين الرأي، «كانوا يعتبرون العلاقة مع حزب الله مذلّة، هلق بعدهم مع الثورة قال، بس بيعترفوا إنو لولا حزب الله قاتل بسوريا، لَإِجِتلهم داعش من زمان»، يقول المختار. أما القواتي العتيق مطانيوس نعمة، فيقول إن «داعش لن يستثني أحداً، لا قومي ولا قواتي ولا مسلم ولا مسيحي، وهذه الضيعة ضيعتنا وسنموت وندفن هنا في البقاع الشمالي، ولن نتخلى عنها لداعش وماعش».
وفي السياسة، يقول التوم: «إن أكاذيب الغرب لم تعد تنطلي على المسيحيين. يريدون تهجيرهم من الشرق عبر داعش، وتفتيت بنية المجتمع في سوريا ولبنان والعراق»، فيما يقول المختار إن «المسيحيين باتوا يفهمون المخطط الصهيوني ــــ الأميركي. لا نريد الذهاب إلى فرنسا. ضمانة المسيحيين للبقاء في الشرق هو محور المقاومة والجيش اللبناني».
السؤال عن علاقة القاع بعرسال يعني أن تسمع جواباً مشابهاً على لسان الجميع، عن «الحياة الواحدة في البقاع الشمالي حتى في عزّ الحرب الأهلية». يمزح التوم والمختار بأن «العلاقة مع عرسال أفضل من العلاقة مع راس بعلبك». وما ليس خافياً أن العلاقة مع عرسال توتّرت في السبعينيات بسبب خلافات على الأراضي والمشاعات، في ما يشبه الخلاف بين المتين وبتغرين في المتن الشمالي. «لكنها علاقة جيرة طيبة»، بينما «العلاقة مع راس بعلبك علاقة غيرة ومناكفات ضيعوية بين القرى، عمر القاع 500 سنة وعمر الراس 2000»، يضحك التوم والمختار.

راس بعلبك

بين صور تشي غيفارا والراحل جورج حاوي، يقضي الكهلان الشيوعيان مطاوع مراد وبطرس رزق معظم وقتهما في مكتب للحزب الشيوعي، أشبه بملتقى لأصحابهما القوميين والعونيين وبعض القواتيين. يسأل مراد: «لماذا لا يأتي جعجع إلى هنا؟ ولّا بدو ينظّر علينا لنعادي حزب الله وهو بمعراب؟ علاقاتنا بحزب الله ممتازة، ومخيم الإرهابيين على مقربة من هنا في «خورخونة». الحال في البلدة لا يختلف عن القاع، غير أن أصوات الاشتباكات والقصف السوري على المسلحين يسمع من هنا بصورة أوضح. القلق موجود، وكذلك الأعراس والأفراح، والشبان الذين يحملون السلاح ضمن شرطة البلدية للمساعدة في الحراسة والمراقبة. مسؤول القومي في البلدة المدرس توفيق منصور ورفيقه سلمان سمعان يقولان إن «الجيش بات يشرف على كل الممرات ولم يعد باستطاعة الإرهابيين التسلل باتجاه الراس، لكن البعض خائف مما قيل عن مخطط لارتكاب مجازر في القرى، وهذا مفهوم». من جهته، يشير مسؤول سرايا المقاومة في البلدة رفعت نصرالله، إلى أن «أهالي الراس لن يتركوا بلدتهم لداعش». يقطن راس بعلبك ما لا يزيد على ألفي نسمة خلال الشتاء، فيما يصل السكان الى حدود أربعة آلاف في الصيف. لا تنظيم للقوات في راس بعلبك، «الضيعة محسوبة على الحركة الوطنية من زمان»، يقول رزق، و«الجو العام الآن بعد الأحداث اتجه أكثر نحو المقاومة». وقبل الرحيل، يستعجل مراد نتيجة الجولة في القاع وراس بعلبك، «بالمختصر يا أستاذ، المسيحيي بالموصل ما عملو شي، بدهم يهجروهم بس، ونحن بهالمنطقة بعمرو ما صار ضربة كفّ، طبعاً الجيش والدولة مهمّين، بس نحن هلق رقبتنا برقبة حزب الله، إذا بيربح حزب الله منربح معو، وإذا بيندبح منندبح معو».
 

  • شارك الخبر