hit counter script
شريط الأحداث

هكذا دخلت "داعش" إلى الفيحاء فمن يُخرجها

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:28

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

منذ حوالى شهر أعادت جريدة "التمدن" الطرابلسية نشر ملف صحافي قديم عن طرابلس قبل الحرب الاهلية تحت عنوان: "دولة المطلوبين" في طرابلس سنة 1974"، في اشارة تذكيرية الى ما سمي آنذاك بـ"دولة المطلوبين" التي نشأت داخل الاسواق القديمة بزعامة أحمد خالد المحمد المعروف بـ"القدور" ومعه مجموعة كبيرة من الشباب المتواري عن أنظار الدولة والمطلوب بمذكرات توقيف عدة. وكتبت "التمدن" في مقدمة الموضوع: انها طرابلس وعلاقتها الملتبسة بالدولة، منذ نشوء الجمهورية اللبنانية عندما صار العصيان جزءاً من هويتها وصارت المدينة بدورها صندوق بريد سياسياً او أمنياً يستخدمه من يستغلون مشاعر الرفض والحرمان"، واضافت: "وما اشبه ما حدث في منتصف سبعينيات القرن الماضي بما حدث في السنوات الثلاث الماضية في هذه المدينة الصابرة والمظلومة".
فالمشهد القدوري يتكرر اليوم وان بأساليب واسماء وآليات مختلفة في الشكل متوافقة في المضمون، حتى ان شعار المرحلتين واحد: "أليس في لبنان مطلوبين من غير طرابلس؟ نريد المساواة"، وهو الشعار الذي رفعه القدور سنة 1974، ونحن اليوم في أواخر عام 2014 نقرأ هذه الشعارات واللافتات في كل شوارع المدينة وأزقتها الداخلية، حيث يعتبر الأهالي ان هناك ظلماً عليهم، وان الدولة تكيل بمكيالين.
وان كانت "دولة المطلوبين" لم تكن تعرف بعد تطرفا دينيا ولا فكريا الى حد كبير وواضح، بل ممارسات غير قانونية وجرائم قتل بهدف السرقة والخطف، فإن "دولة المطلوبين في القرن الحادي والعشرين في طرابلس" حملت ايضا العناوين نفسها مع اضافات بسيطة تمثلت بالتشبيح وفرض الخوات والاهم من هذا كله: التطرف الديني المتمثل بمبايعات لتنظيم "داعش" واستهداف للجيش على أيدي اشخاص معروفين بالاسماء والانتماءات من الدولة واجهزتها.

كيف دخلت "داعش" طرابلس؟
تفيد المعلومات التي حصلت عليها "النهار" من مصدر اسلامي مطلع ان أسامة منصور كان يمتلك محلاً لبيع الهواتف الخليوية في التبانة، ويتردد الى المساجد، وقد تعرف الى الداعية الموقوف عمر بكري فستق في مسجد "حربا" في التبانة بعدما عاد بكري الى طرابلس من بريطانيا وفتح له البعض بضغوط رسمية مساجده ليدرس فيها. تقرب منصور من بكري، وفضّله بكري عن كل طلابه وقرّبه اليه، وبدأت معها رحلة منصور في التمويل والتسليح وجذب الشباب. ترك منصور ادارة محل الهواتف لأخيه وتفرغ لعمله الجديد، وبدأ يصعد نجمه شيئا فشيئا، ويقوم بممارسات فيها كثير من الاستقواء والتهوّر والتسلّط، والأخطر انه بدأ يحرض ضد الجيش اللبناني تمهيدا لاستهدافه، عند ذلك اجتمع عدد من المشايخ وشخصيات المنطقة واتفقوا على ان يلتقوا عمر بكري ليطلبوا منه ان يقنع منصور بتغيير سلوكه وعدم استهداف الجيش، وخصوصاً انه لا يصغي إليهم ويعاملهم بطريقة تنم عن قلة احترام واللامبالاة. وبسبب الاحداث الامنية المتسارعة آنذاك لم يتمكن الوفد من لقاء بكري الذي كان كثير التنقل، الى ان وُضعت الخطة الامنية وتم اعتقاله.
وكان القريبون من منصور يؤكدون انه لا يأتي بأي حركة او او موقف الا بعد استشارة بكري الذي كان "أميره"، الذي مده بالمال والسلاح وهيأه ليكون "أميرا" ميدانيا يتولى الاعمال العسكرية التي تطلب منه، فصار لمنصور مجموعة مسلحة قوامها 50 مسلحا مدججين بالسلاح والعتاد من ضمنه قناصات متطوّرة وحديثة ومناظير ليلية، حتى ان كلفة تسليح كل شاب من مجموعته بلغت ما يفوق 15 الف دولار اميركي.
في الاثناء اي منذ حوالى سنتين أرسل تنظيم "الدولة الاسلامية" بالتنسيق مع عمر بكري "أميرا" الى طرابلس، يعتقد انه يمني الجنسية يكنى بـ"ابو عمر المهاجر"، استقبله منصور وقدم اليه كل سبل المساعدة، وكان الهدف الرئيسي لمجيئه الى طرابلس، تجنيد الشباب لضمهم الى "داعش" ومن ثم ارسالهم الى جبهات القتال، وبعد مضي عام تقريبا على وجوده في طرابلس، خرج شريط فيديو للمدعو "ابو سياف الانصاري" يبايع فيه "داعش" من طرابلس ويعلن تعيين "ابو عمر المهاجر" متحدثا باسم التنظيم في المدينة. عمل المهاجر بسرية تامة واستطاع تجنيد عدد لا بأس به من الشباب المتحمس، وظهر نجاحه بتنفيذ اكثر من خمسة طرابلسيين عمليات تفجير في سوريا والعراق، ونجح ايضا بانشاء مجموعات شبابية في مناطق البحصة وباب الحديد وباب الرمل، والدفتردار والقبة بالاضافة الى مجموعة التبانة. وكان المدعو محمد ايعالي يتولى التنسيق بين هذه المجموعات وايصال الأموال إليها، حتى بلغ عدد هؤلاء جميعا حوالى 300 عنصر مدججين بسلاحهم الكامل، ويبايعون أميراً لم تعرف هويته بعد، ويعود الفضل الأساس في اقامة هذه المجموعات وتسليحها وتمويلها الى عمر بكري الذي يعتبر اول من ادخل الفكر الداعشي الى طرابلس والشمال.
ماذا عن الجو البشري المحيط بأماكن وجود هؤلاء؟ تقول شخصية من التبانة ممن عاشوا مرحلة الزعيم التاريخي للمنطقة "أبو عربي" بان هؤلاء "يتبعون تقية واضحة في كلامهم، فهم يعلمون ان الجو السني العام لا يقبل بالفكر الداعشي التكفيري الذي يستسهل الذبح والقتل، لذلك يشيعون بينهم وبين من يلتقونه انهم مع "جبهة النصرة"، التي تلقى قبولا عند كثير من أهل السنة لانها لم تمارس الذبح والقتل وترفض ممارسات "داعش" وأفعالها، لكن الاهالي والمشايخ يعلمون انهم يكذبون"، ويضيف: "ما يثنيا عن مواجهتهم انهم يشكلون خطراً حقيقياً على المنطقة التي يتمركزون فيها، لما يمتلكون من مال وسلاح، والصدام معهم يؤدي الى مجازر حقيقية بينهم وبين الأهالي"، وتضيف الشخصية ان "علامات استفهام كثيرة تدور حول هؤلاء، من سمح لهم بأن يتسلحوا؟ ألم تعلم الأجهزة الأمنية بذلك؟ لماذا لم تبادر الى مطاردتهم واعتقالهم؟ ومن أظهرهم في هذا التوقيت بالذات على الساحة ولأي اغراض؟" ليختم بخلاصة: "نحن شركاء في تحمل المسؤولية لاننا سمحنا لهم بأن يكبروا امام اعيننا ولم نتصد لهم في بداية تشكلهم، واليوم باتت ضريبة التصدي لهم مرتفعة جدا لا بل كارثية".
فهل يتكرر مشهد "دولة المطلوبين" وما رافقه من دخول للقوى الامنية إلى الاسواق الداخلية وخوض معارك حقيقية مع المطلوبين، فتكون التكلفة دماء وفوضى وخراباً، أم ان السياسة قد تدخل على الخط وتجري تسوية معينة تسحب فتيل التفجير؟ وفي الحالتين من يجرؤ على ذلك؟
 

مصطفى العويك- النهار

  • شارك الخبر