hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - دافيد عيسى

بطاركة الشرق قرعوا ناقوس الخطر والباب الأميركي... فهل من جواب؟

الإثنين ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 08:23

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

حسناً فعل بطاركة الشرق عندما قرروا تحريك قضية المسيحيين المهددين في الشرق العربي ونقلها إلى عواصم القرار وإلى أعلى المستويات. وعندما قرروا عدم الاستكانة وعدم السكوت إزاء ما يتعرض له المسيحيون من خطر الغاء وشطب من الوجود والمعادلة. وحيال خطر وجودي يواجهه المسيحيون وهجمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في همجيتها ووحشيتها تهدف إلى اقتلاع الوجود المسيحي من جذوره وانتمائه وسط صمت دولي مريب يرقى إلى رتبة التواطوء، فكان لا بد من تحرك في مستوى الاحداث وخطورتها تقوده الكنيسة الجامعة المسؤولة عن جماعة المؤمنين وحياتهم ومستقبلهم وعن رسالة المسسيحية في هذا الشرق، الذي بزغ فجرها ومنه انطلقت وأشعّت في ارجاء العالم.
أدرك بطاركة الشرق يتقدمهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، خطورة الوضع وحجم التهديد وهم لطالما حذروا من عواقب الثورات والتحولات الجارفة التي حوّلت الربيع العربي إلى "شتاء إسلامي" ونشرت التطرف والعنف والارهاب... ولم يتردد البطاركة في التحرك السريع والهادف إلى انقاذ ما يمكن انقاذه ووضع حد للانهيار الحاصل في معنويات المسيحيين ولكن ليس في ايمانهم بربهم وكنيستهم وقضيتهم وقدرهم في هذا الشرق المعذّب. فكانت زيارة البطاركة التاريخية إلى كردستان العراق والتي لاقت اصداء طيّبة عند المسيحيين النازحين قسراً وعنوة من أرضهم وقراهم. فهذه الزيارة شكلت عند مسيحيي العراق بارقة أمل وساهمت في بلسمة جراحهم والتخفيف من معاناتهم، وفي خلالها اعطى البطاركة وعوداً وتطمينات بأنهم لن يسكتوا ولن يستكينوا ولن يقفوا متفرجين مكتوفي الأيدي إزاء ما يحصل وانما سيبادرون إلى طرق ابواب عواصم القرار وحضّ المنظمات الدولية والأمم المتحدة على القيام بواجباتها ومسؤولياتها، وتنفيذ المواثيق والاتفاقات الدولية التي ترعى حقوق الانسان والجماعات وإلى فعل كل ما هو ممكن ومستطاع لطرح قضية المسيحيين في الشرق وإيجاد معالجات وحلول لها ودق ناقوس الخطر وتسليط الضوء على وضع خطير تجاوز الخطوط الحمراء ولم يعد يحتمل تسويفاً وتأجيلاً واهمالاً. فما يواجهه المسيحيون في العراق وسوريا ولبنان والاردن ومصر وفلسطين وكل دول المنطقة ليس مجرد أزمة عابرة وتهديد ظرفي وانما هو أزمة وجودية وخطر فعلي حقيقي لا يُواجه ببيانات استنكار ومواقف مستنسخة وانما يتطلب خطوات عملية ومبادرات استثنائية في حجمها ومستواها.
وفي هذا الاطار ومن ضمن هذا السياق العام لحركة الكنيسة الشرقية يأتي انعقاد مؤتمر
"الدفاع عن مسيحيي الشرق " في واشنطن بمشاركة بطاركة الشرق الذين قرروا أخذ زمام المبادرة ونقل صورة الشرق المعذّب والملتزم إلى الغرب " المرفّه " واللامبالي... وهذا المؤتمر نظمته مجموعة من الشخصيات اللبنانية النخبوية الناشطة في لبنان ودول الانتشار اللبناني والمنضوية تحت راية " الوطن الرسالة" والقضية المسيحية في الشرق. من بين هؤلاء رجل الأعمال جيلبير شاغوري والجندي المجهول العامل بصمت شارل الحاج.
من الطبيعيّ ان يكون لبنان كما هو دائماً على مرّ التاريخ رائداًَ وطليعاً في حمل هذه القضية وان يلعب دور رأس الحربة في الدفاع عن قضايا المسيحيين ووجودهم في هذه المنطقة... من الطبيعي ان يبقى لبنان " قبلة " مسيحيي المنطقة وملجأهم وملاذهم، إليه يلجأون في الأوقات العصيبة ومنه يستمدون القوة والثبات. لأنه إذا كان مسيحييو لبنان بخير فان مسيحيي الشرق سيكونون بخير، وإذا ضعف الوجود المسيحي في لبنان وخسر دوره ورسالته ومبرر وجوده، فالسلام على مسيحيي الشرق الذي لا يعرف طعم السلام ولم يتذوقه رغم كل التجارب والمحن.
يضج عالم الانتشار اللبناني بطاقات اغترابية وشخصيات ناشطة وعاملة في حقل الدفاع عن قضية المسيحيين ورسالتهم في هذا الشرق وانطلاقاً من لبنان. ولكن الدور الأبرز والفضل الأساسي في بلورة وتأخير وتحريك واستثمار هذه الطاقات يعود للكنيسة المارونية والمؤسسات المرتبطة بها وتحظى ببركتها ورعايتها وأهمها على الاطلاق "المؤسسة المارونية للانتشار" برئاسة الوزير ميشال أده التي عرفت كيف تتعاطى وتتفاعل مع الانتشار اللبناني وتجنّده في خدمة لبنان ورسالته المسيحية ونجحت في إقامة روابط وجسور بين لبنان المقيم ولبنان المغترب والذي تمثلت في المؤتمر بنائب رئيس المؤسسة المهندس نعمت فرام والسادة جيلبير شاغوري، شارل الحاج، هيام بستاني، طوني أزعور، بشارة نمور، فادي رومانوس ومشاركة النائب جوزف المعلوف ممثلاً رئيس حزب القوات اللبنانية والنائبين عاطف مجدلاني وجان اوغاسبيان ممثلين عن تيار المستقبل وشخصيات مستقلة ابرزهم السيد انطوان الصحناوي رئيس مجلس إدارة سوسيتيه جنرال وريشار جريصاتي وغيرهم من الشخصيات اللبنانية.
ميشال أده هذا الرجل الاستثنائي في ثقافته وتواضعه، في انسانيته وروحانيته، قاد المؤسسة المارونية للانتشار في فترة زمنية وجيزة إلى النجاح وإلى تحقيق أولى الاهداف التي وجدت من اجلها مع مجموعة من الجنود المجهولين في الداخل والخارج اللبناني والذين يعملون بصمت وبعيداً عن الأضواء.
وضع ميشال أده مع هذا الفريق المتطوع والمقتدر والمحترف والمتجانس، خريطة طريق للوصول بـ " المؤسسة المارونية للانتشار" إلى ضفة النجاح وعبر منهجية علمية وعملية توخت لغة الارقام والوقائع ومخاطبة العقول والقناعات بعدما ظل التعاطي والتخاطب مع المغتربين يغلب عليه الأسلوب الوجداني والعزف على وتر العواطف والعصبيات والذكريات و ( التبولة والعتابا)...
ميشال أده هو انسان قبل ان يكون سياسياً، وهو وطني قبل ان يكون مارونياً يصعب اختصاره في كلمات وسطور، وانها لمهمة صعبة الاحاطة بكل جوانب وأبعاد هذه الشخصية الغنية المليئة بالتناقضات الجميلة: عمق وبساطة، عنفوان وتواضع، صفاء ذهن يضج بالافكار الواسعة، نقاوة قلب لا تجاريها إلا عفوية صادقة وخفة دم، إيمان بالله يشده إلى العلى ويقربه من الفقراء والمساكين، وإيمان بلبنان يشده إلى الارض والجذور والقيم والتراث... حس انساني وتعاطف مع كل محتاج ومظلوم. كل ما يمكن قوله عن هذا الرجل الاستثنائي يبقى قليلاً كونه ثروة مارونية ولبنانية، يستحق كل تقدير وتكريم، ندين له بالكثير وندعو له بالصحة وطول العمر .
وعلى هذا الأساس ساهمت المؤسسة المارونية للانتشار في التحضير لهذا المؤتمر بقوة ووضعت امكاناتها لإنجاح هذا الحدث وقد شكّل مؤتمر الدفاع عن مسيحيي الشرق في واشنطن خطوة عملية ومتقدمة في هذا المجال واختراقاً نوعياً في جدار الأزمة التي تحاصر المسيحيين وتدفع بهم إلى خيارات صعبة ومرّة، وإذا كان هذا المؤتمر انعقد في الوقت المناسب وفي عزّ احتدام الخطر على المسيحيين الأقليات وفي خضم السعي الأميركي إلى بناء تحالف دولي – اقليمي لمحاربة الارهاب والجهل والتطرف الدموي الأعمى الذي تمثله " داعش " بأبشع اشكاله وصوره، فان ما يبعث على التفاؤل بنتائج هذا المؤتمر ومفاعيله وتأثيره الايجابي على قضية المسيحيين ومعاناته وما يجدر التنويه به هو المنحى الذي ذهبت باتجاهه المناقشات والمداولات والطروحات بحيث انها تميزت بالصراحة والواقعية والعملية. فالبطاركة ذهبوا إلى واشنطن ليضعوا الأصبع على الجرح والنقاط على الحروف وليدعوا إلى معالجة جذرية وعملية للوضع المسيحي المتدهور في الشرق وبدأ يلامس عتبة الانهيار. ولما كان الأميركيون والغرب عموماً يتذرع دائماً بان المسيحيين لا يحددون ولا يعرفون ماذا يريدون، وإذا عرفوا وحددوا فعلوا ذلك بأساليب ملتوية وغير مباشرة، فانه لم يعد لدى واشنطن وحلفائها من عذر أو ذريعة للتهرب والتنصل والتلكوء، بعدما قال البطاركة كلمتهم واطلقوا صرختهم وجاهروا بموقفهم من دون مواربة ومسايرة وحددوا ماذا يريدون من خطوات وخطط عملية تساعد المسيحيين على الصمود والبقاء في ارضهم التاريخية...
البطاركة في كل مواقفهم واتصالاتهم في واشنطن وفي لقائهم " الحدث" مع الرئيس الأميركي شددوا على الأمور التالية:
- أهمية الوجود المسيحي في الشرق الأوسط، معتبرين بانه أي خسارة أو انتقاص في دور المسيحيين ووجودهم هو خسارة للغرب وللانسانية جمعاء.
- أهمية الحفاظ على التنوع الطائفي والعرقي والديني في الشرق. والمسيحيّون هم في أساس هذا التنوع وهذا الغنى الحضاري والثقافي والانساني.
- تثبيت المسيحيين في أرضهم وتقديم مستلزمات الصمود والبقاء لهم بدل تشجيعهم على المغادرة والهجرة وتقديم الاغراءات والحوافز الجاذبة للهجرة...
مصدر مشارك في اللقاء بين بطاركة الشرق والرئيس الأميركي ذكر ان البطاركة اعتبروا ان اللقاء بأوباما هو فرصة تاريخية لشرح معاناة المسيحيين في هذه المنطقة فوضعوا النقاط على الحروف مع رئيس الدولة المعنية بما يحصل في منطقتنا وكان كلاماً جريئاً ومباشراً مطالبين أميركا والدول الغربية العمل على تأمين عودة المهجرين المسيحيين إلى مناطقهم وقراهم في العراق وفي سوريا كخطوة أولى وفي اطار حل سياسي عادل ودائم للازمتين المتفاقمتين في هذين البلدين، والعمل الجاد لتحضير خطة دولية متكاملة لضرب الارهاب واجتثاثه من جذوره حتى لا يعود يقوى على اكمال خطة ضرب الوجود المسيحي وغيره من الأقليات المتواجدة في المنطقة واجتثاثه من جذوره.
وكذلك تأمين حماية دولية للأقليات المسيحية في العراق وسوريا على المدى القريب وحتى عودة الاستقرار إلى هذين البلدين على غرار الحماية الدولية للأقلية الكردية التي تأمنت في التسعينات وتتجدد هذه الأيام عبر طرق المساعدة المباشرة عسكرياً وسياسياً ومادياً ومعنوياً.
وذكر المصدر ان البطريرك الماروني طالب بضمانات وتعهدات أميركية ودولية بعدم السماح بتهجير مسيحيي الشرق وتفريغه من وجودهم، وبألا تكون المشاريع والتسويات وأي شرق أوسط جديد على حسابهم وعدم السماح بأن يتحولوا إلى ضحايا ووقود للصراعات الدولية والأقليمية.
بطاركة الشرق فعلوا ما عليهم وقاموا بما تمليه عليهم مسؤولياتهم التاريخية والدينية... ويبقى على الغرب ان يفعل ما عليه لانه معني بالوجود المسيحي في الشرق وسيكون المتضرر والخاسر الأكبر إذا تعرّض هذا الوجود للالغاء الممنهج...
بطاركة الشرق قرعوا باب واشنطن... فهل من جواب مقنع ومفيد ؟
 

  • شارك الخبر