hit counter script

مقالات مختارة - جورج علم

مؤتمر مكافحة الإرهاب: روسيا وإيران حاضرتان رغمَ الغياب

السبت ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 05:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

كان الروسي والإيراني الى الطاولة من دون أن يحضرا. الخلوات الثنائيّة والثلاثيّة كانت أهم من الإجتماع الموسّع. حوار «الحمام الزاجل» كان حاضراً، والهواتف «الذكيّة» إستُخدِمت بكثافة لرصد «النشاز» المتصاعد من كواليس الكرملين وطهران، والذي نغَّص على المحتفلين فرحَتهم بولادة التحالف الدولي بقيادة الرئيس باراك أوباما.

حاول وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري أن يُظهر حنكته في إدارة أعمال «المؤتمر الإقليمي لمكافحة الإرهاب» الذي إستضافته جدّة، ونجَح في التوصل الى إقرار بيان ختامي، لكنّ المشكلة تكمن في التنفيذ. كانت هناك إشارات تُوحي بالموافقة، وأخرى تُوحي بانعدام الثقة في شأن الأبعاد والخلفيات والمرامي.

كانت الصورة جامعة، لكنّ القلوب كانت متنافرة متباعدة، لأنّ ما يُفرّق أكثر ممّا يجمع، والذي يجمع هو المصيبة «الداعشيّة»، وسرعة انتشارها وتمكّنها، وحاجة الذين اجتمعوا كانت حماية أنفسهم، وأنظمتهم، ومصالحهم من «داعش»، ومطالبة كيري بأن تتكفّل بلاده إنجازَ هذه المهمة، فيما جاءهم هو ليُملي شروطه ويوّزع المهمات، وما يتوجّب على كلّ منهم القيام به للقضاء على الإرهاب «الداعشي؟!».

سألت ديبلوماسياً عراقياً صديقاً، وهو يخرج من القاعة: ماذا يجري في الداخل؟ فربّت على كتفي ضاحكاً: جاء كيري ليقول لنا، «عليكم بالشحم واللحم، وعلينا (الأميركيون) بالنار والحطب؟!».

أضاف: «يريدنا ان نستأصل السرطان الذي تفشّى خدمة لمصالح الغرب، وتحت أنظاره. ويريدنا أن نُنفّذ أجندات مُحدثة تحت شعار مكافحة الإرهاب، وما يجري في الداخل من إجتماعات وكَوْلسات أشبه بـ «برج بابل». خلوات في الغرف السريّة، وهواتف شغالة مع المرجعيات قبل العودة الى الصالة العامة؟!».

يتابع: «جون كيري يقلّب الأوراق أمامه، ويوزّع النظرات على الوفود المشاركة، وتنهال من حوله الوشوشات، وقصاصات الورق من مساعديه في شأن «حرفيّة» التحذير الروسي، والتحفّظ الإيراني، وما يُنسب للنظام السوري من مواقف مبطّنة ضدّ أيّ تحرّك غير منسّق؟!».

أدى إجتماع جدّة وظيفته، لقد صحَّح «الأخطاء الشائعة». لم يعد التحالف دوليّاً بل أصبح أميركيّاً، يقابله تحالف روسي - صيني - إيراني - سوري، يريد مكافحة الإرهاب أيضاً، ولكن ليس على حساب مصالحه. النزاع حول أوكرانيا، وعليها إنتقل الى الشرق الأوسط.

إعترف كيري بهذه الحقيقة علناً عندما قال: «لا أدري ما حاجتهم (الروس) الى نقل الأزمة من أوكرانيا الى المنطقة، وما الفائدة». محاربة الإرهاب «الداعشي» يتحوَّل سريعاً عنواناً جديداً في النزاع المحتدم ما بين روسيا والولايات المتحدة على «الشرق الأوسط الجديد»، على أن تُسدِّد شعوب المنطقة الفواتير من دمائها واقتصادها وبأبهظ الأثمان.

إقليميّاً

«إشتغلها» كيري جيّداً مع الأمير سعود الفيصل منذ تحرير الدعوة الأميريّة الخطيّة التي وجهّت الى الدول الأعضاء للمشاركة في إجتماع جدّة. حصرت الرسالة - الدعوة هدف المؤتمر «بمكافحة إرهاب «داعش»، و«جبهة النصرة».

وزير خارجيّة مصر سامح شكري سأل عن إرهاب «الإخوان المسلمين». حاول أن يضمّه الى المحفظة «الداعشيّة» - «جبهة النصرة» لتشمله الإجراءات الميدانيّة، إلّا أنّ كيري لم يُبدِ حماساً. الوزير العراقي إبراهيم الجعفري، كان «النجم المتألق». ليس سهلاً أن ترى وزيراً عراقيّاً متنفّذاً وقريباً من نوري المالكي في جدّة، وجنباً الى جنب مع الأمير سعود الفيصل!

لقد تعب كيري كثيراً في إقناع الفيصل بتوجيه الدعوة الى الجعفري، وحصل ذلك قبل ايام قليلة من موعد الإجتماع. أراد كيري أن يستثمر التغيير الذي حصل في بغداد، ليفتح صفحة جديدة ما بين حكومة حيدر العبادي والرياض، على رغم الهمسات والوشوشات الكثيرة المنتشرة خارج قاعة الإجتماعات: «حكومة العبادي نسخة منقّحة عن حكومة المالكي «برتوش» أميركي».

حرص الوزير «الخبير» المسؤول عن الشؤون الخارجيّة في سلطنة عمان يوسف بن علوي بن عبدالله على الجلوس الى يمين كيري في القاعة العامة، الرأس الى الرأس، والوشوشات والأحاديث الجانبيّة لم تنقطع.

المهمّة شاقة، دور السلطنة لا يقتصر على كسح الألغام المزروعة على طول الطريق الممتد ما بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، بل هناك مهمّة جديدة ودور جديد: العلاقات ما بين السعوديّة، ودولة الإمارات، والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى ليست «صافي يا لبن؟!»، بل هناك كثير من «الخوازيق» التي ينشط كلّ طرف «لتنجيرها» ضد الطرف الآخر.

في الكَوْلسات الخليجيّة أنّ مصرفاً دوليّاً - إقليميّاً قد فتح، إسمه «مكافحة الإرهاب»، وكل طرف يحاول المساهمة في رصيده، وفق ما تُملي مصالحه. جاء كيري ليرسم خريطة طريق تنفيذيّة لاستراتيجيّة رئيسه أوباما.

بدأ بتوزيع الأدوار، تركيّا تدرّب المعارضة السوريّة المعتدلة والجيش السوري الحر، وتُقدّم خدمات لوجستية على هذا الصعيد. السعوديّة تموّل، ومعها دولة الإمارات، والكويت. قطر مطالَبة بتجفيف ينابيعها الدفّاقة والتي تصبّ في مجرى «داعش»، و«جبهة النصرة»، وما يتفرَّع عنهما. أما مصر فدورها مخابراتي، تقني.

ويبقى العراق أرض الإختبار، ومَهد تنفيذ الإستراتيجيّة ومنطلقها، «الرؤوس الداعشيّة قد أينعت في هذا البلد وحان قطافها؟!»، ومن العراق تنتقل العدوى الى سوريا. كيف سيتمّ التعامل معها؟ هنا بيت القصيد.

إنها خطّ التماس الجديد القائم ما بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الأزمة الأوكرانيّة. وخط التماس الجديد بين التحالف الأميركي لمكافحة الإرهاب، والمحور الروسي - الصيني - الإيراني - السوري، والحسابات والمصالح المتضاربة لكليهما.

لبنانيّاً

كان وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل في الموقع الصعب، والموقف الأصعب. إجتماع جدّة لم ينعقد تحت يافطة «التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب»، بل «التحالف الأميركي - الغربي - الإقليمي». رفض جرّ لبنان الى سياسة المحاور «ما عندنا، بكفينا؟!»، قالها صراحة داخل المؤتمر وبالفم الملآن: «لا يجب إبعاد أيّ فريق، أو دولة ترغب بمحاربة الإرهاب».

فنّد «الأوجاع» اللبنانيّة، وسأل عن الضمانات والمساعدات، ومكانة لبنان في هذا التحالف، وكيف يمكن أن يستفيد منه لدَحر الإرهاب الذي يحاصره من الخارج، ويتهدّده من الداخل.

رفع البرقع عن وجوه «الدول المانحة والواعدة»، هناك حديث عن مليارات مخصّصة لتسليح الجيش لم تنفّذ، وحجة «تسريب» السلاح الى أيدٍ أخرى ساقطة، «الجيش أثبت وطنيّة ومهنيّة، ولم يتخلَّ عن سلاحه يوماً لعدو، او صديق، او حليف».

هناك أقليات تقتلع من جذورها، ولا يُحرّك أحد ساكناً، ومن ينطق، ينصح بالترحيل. «تهجير أقليات المنطقة الى الغرب، مؤذٍ تماماً كاستيراد المقاتلين الأجانب الى الشرق؟!». دافع بقوة عن لبنان التنوّع، وقال: «إنّ الحفاظ على النموذج اللبناني هو أفضل وسيلة لإلغاء النموذج المعاكس له، «داعش؟!».

كانت القاعة مؤاتية ليجتمع بجميع المشاركين من الوزراء، هاجسه ألّا يكون الإستثمار في مصرف «محاربة الإرهاب الداعشي»، منطلقاً لمزيد من الإصطفافات، والحروب، والمآسي إنطلاقاً من موقع حرص كل دولة على مصالحها، ومن منطلق تسديد الحسابات المفتوحة بين العديد من الدول التي يضمها التحالف الجديد، مشدداً على «وجوب وقف التمويل الخفي لـ«داعش»، ووقف الدعم السياسي والمعنوي، «فنقول في العلن شيئاً، ونأتي على نقيضه من تحت الطاولة، ومن خلال الممارسات البعيدة من الأضواء».

بعد أربع ساعات من الإجتماعات الماراتونيّة، غادر الوزراء المشاركون، وبقي في جدّة وعد أعلنه الأمير سعود الفيصل: «أنه، وفي سياق الجهود المطلوبة لمكافحة الإرهاب، تمّ تأكيد أهميّة الحفاظ على وحدة الدول، وسيادتها، وإستقلالها، وسلامتها الإقليميّة»... ويبقى السؤال: كيف؟ والوقائع على الأرض مقلقة.

لقطات

• أعيا الجوع وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري، فخرج من قاعة الإجتماعات، وتوجّه الى المكان الذي اصطفّت فيه أطباق المعجّنات، واختار تشكيلة لا بأس بها بهدوء وتمهّل، وكان يتذوّق كلَّ صنف قبل أن يختار، وعاد بصحن «حرزان» الى قاعة الإجتماعات، ولما حاول البعض التقاط الصوّر «نهرتهم» المرأة الشقراء الفولاذية المسؤولة عن أمنه الشخصي، فامتثل الجميع لإرادتها».

• تأخر بدء الإجتماع الرسمي من الثانية عشرة ظهراً حتى الثانية بعد الظهر، وعندما سُئِل أحدّ المنظّمين عن الأسباب، أجاب: «لم يكتمل النصاب بعد».

- ومَن الغائب؟
- وزير الخارجية القطري... لقد قيل إنه في الجوّ!

• اغتنم الوزير العراقي إبراهيم الجعفري فرصة مشاركته، وكان يخرج باستمرار من قاعة الإجتماع الى الفناء الخارجي ليلتقي «صديقاً سعوديّاً، او خليجيّاً» ويتهامس معه «عالواقف» تحت عدسات المصوّرين.

• عندما دخل وزير الخارجية التركي الجديد مولود جاويش أوغلو الى قاعة الإجتماع، علّق أحد الديبلوماسيين الخليجيين قائلاً: «غريب، لا يشبه داود أوغلو بشيء (رئيس الوزراء حالياً) إلّا بـ»أوغلو» فقط.

  • شارك الخبر