hit counter script

لا حل إلا بالفرار: عاملات المنازل ضحايا سوق بيع الأحلام

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 07:05

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تبيّن دراسة «بيع الأحلام» التي أطلقتها أمس جمعية «كفى عنفاً واستغلالاً»، بالتعاون مع «المفكرة القانونية»، حول «الآليات والممارسات المتعلّقة باستقدام عاملات المنازل المهاجرات من نيبال وبنغلادش الى لبنان»، أن 83% من العاملات المشاركات في المسح لم يكنّ ليتخذن قرار الهجرة الى لبنان لو علمن بشروط توظيفهن وهجرتهن. ذلك أن نتائج الدراسة تؤكد أن معظم العاملات المشاركات في الدراسة وقعن «ضحية ممارسات شبيهة بالاتجار بالبشر والعمل القسري»


«هل مكتوب على جوازات سفرنا أنهم قادرون على ضربنا؟ لا يسمح لهم بإساءة معاملتنا. إنهم يستغلون حقيقة أننا فقراء». هذا ما تقوله إحدى العاملات النيباليات العائدة الى بلادها. الأخيرة ليست وحدها من اشتكت من سوء المعاملة في لبنان، إذ توثّق دراسة «بيع الأحلام» شهادات الكثيرات من العاملات المهاجرات اللواتي عانين من ممارسات «شبيهة بالاتجار بالبشر والعمل القسري».

83% من العاملات اللواتي شاركن في المسح قلن إنهن لم يكنّ ليتخذن قرار الهجرة الى لبنان لو علمن بشروط توظيفهن وهجرتهن. «لو» هذه، تتحمّل مسؤوليتها أولاً وكالات الاستقدام في بلاد الأصل (نيبال وبنغلادش)، التي كانت تُمعن في إعطاء وعود كاذبة وفي إخفاء معلومات مهمة عنهن. تلفت الدراسة الى أساليب الخداع التي تتعرض لها العاملة بغية استقطابها، وتتجلّى هذه الأساليب في إعطاء العاملة معلومات ضئيلة ومغلوطة عن العمل، إذ يبيّن المسح أنه لم يكن لدى عاملات المنازل المهاجرات المعلومات الكافية أو الصحيحة عن عملهم المرتقب. «حيث خُدعن حول واحد أو أكثر من هذه الشروط: طبيعة العمل وعقد العمل، ظروف الأسرة التي سيعملن عندها، ساعات العمل والعطل، قيمة الراتب وانتظام دفعه، مكان السكن ومجمل ظروف العيش». الغش المتعلّق بالعقود والتفاوت بين الأجور الموعودة تم توثيقهما في الدراسة التي خلصت الى أن «الوسطاء عمدوا الى بيع النساء المهاجرات الأحلام المبنية على الوعود الكاذبة».
فقد أخبرت أنيتا (عاملة مهاجرة نيبالية) أنها ستعمل كسكرتيرة «مع مدام في شركة في المطار»، لتفاجأ بأن أياً من «الوعود المغدقة» لم تكن حقيقية، «لم أنل الراتب الموعود، وعملت معظم الليل والنهار في البيت، وطبعاً لم يمنحوني عطلة أسبوعية». 53% من اللواتي وعدن بقيمة رواتب معينة لم تتطابق الوعود التي تلقينها مع رواتبهن الفعلية. كذلك، لم تمنح 61% من العاملات أي معلومات عن إمكانية تواصلهن مع عائلاتهن، فضلاً عن أن 10% من اللواتي وعدن بإجراء اتصال هاتفي مع أهلهن لم يتمكنّ من تحقيق ما وعدن به، فيما منعت بعض العاملات كلياً من الاتصال.

مخالفة إجراءات المغادرة

تندرج ضمن القوانين التي تنظم «العمل في الخارج»، في بلاد هؤلاء، بعض الإجراءات التي يجب اعتمادها، وتشمل التسجيل لدى صناديق الرعاية الاجتماعية، الفحوصات الطبية والتدريب ما قبل المغادرة وإجازة العمل من دائرة الهجرة وغيرها. إلا أن الواقع «المؤسف» هو أنه غالباً ما لا تخضع العاملة لهذه الإجراءات، إذ تثبت إفادات معظم المشاركات في المقابلات أنه لم يجر تسجيلهن في صندوق الضمان أو صندوق الرعاية الاجتماعية، كذلك أشرن الى عدم معرفتهن بضرورة إنجاز هذا الإجراء وإمكانية الاستفادة منه أو وعيهن لأهميته.

ديون العاملة
توازي سنة من العمل تقريباً في بلدها

«سألت وكيلي عن المهارات التي يجدر بي التمتع بها وما إذا كان عليّ تعلّم أي شيء فأجابني: هل أنت متوجهة الى هناك للعمل كطبيبة؟ لمَ عليك تعلّم أي شيء؟ لن تقومي بأي شيء لا تعرفينه في الأصل. غير أنني عرفت لاحقاً أن عاملة المنزل في الخارج ليست كما في نيبال، الأمر مختلف».
المفارقة أن العاملة تتكلّف دفع رسوم التسجيل لدى صندوق الرعاية الاجتماعية وصندوق الضمان (بالرغم من عدم الاستفادة منهما)، فضلاً عن تكبّدها تكاليف باهظة لمقدمي خدمات الاستخدام، إضافة إلى ضريبة المطار وغيرها. وبالتالي، فإن معظمهن يلجأن الى الاستدانة كي يتمكنّ من تسديد هذه التكاليف. وهو ما يجعلها مثقلة بالدين، الأمر الذي يؤدي الى زيادة هشاشة وضعها، وبالتالي اضطرارها الى تقبّل ظروف العمل، مهما بلغت صعوبتها.
تتراوح المبالغ المستدانة، حسب ما يظهره المسح، بين 100 و1000$، «وإذا ما تمت مقارنة هذه المبالغ مع المؤشرات الاقتصادية البنيوبة كمتوسط الدخل السنوي للفرد مثلاً، فهي توازي سنة من العمل تقريباً في البلد الأصل». لذلك تقضي المرأة المهاجرة نسبة مهمة من فترة عملها في سداد ديونها. وتلفت الدراسة الى أن البعض يبقين أربع سنوات في فترة السداد (11%).
مؤشرات العمل القسري في لبنان

لا تفاجأ العاملة إثر وصولها الى لبنان بطبيعة العمل أو بحجم الراتب فحسب، بل تجد نفسها متفاجئة بظروف عمل تخضع لها بشكل قسري. ولعل أبرز تلك المؤشرات هو الاقتطاع من رواتبهن بحجة (وفق شهادات العاملات) تسديد أصحاب العمل رسوم لوكالات الاستخدام، أو نتيجة عدم امتلاك العاملة الخبرة الكافية في العمل. وفيما لم تعلم 23% منهن السبب الحقيقي لاقتطاع مبالغ من رواتبهن، صرّحت أخريات بتبريرات مثل إتلاف بعض الأغراض في المنزل أو بسبب إجازة من العمل أو نفقات علاجها في حال المرض. «مبررات» تدل على أن صاحب العمل «وكّل نفسه» أن يقوم بإجراءات تصبّ في مصالحه ولا تقع ضمن صلاحياته. إلا أن نظام الكفالة «الاستعبادي» من شأنه أن يخلق هذا «الشعور بالمسؤولية» ويحفزه. هذا النظام نفسه من «يحمي» فرض ساعات عمل طويلة ويحرم العاملة من الراحة الأسبوعية، ويحجز حرية العاملة ويعزلها عن العالم الخارجي ويحرمها من الخصوصية، وغيرها من الممارسات التي تجعل صاحب العمل يتعامل مع العاملة على أنها «ملكه» ولا يحق لها «التذمّر» حتى.
من هنا، تكثر أشكال العنف المستخدمة ضد العاملة، معنوياً وجسدياً. ففيما تلفت الدراسة الى الأحكام المسبقة والعنصرية التي يبديها أصحاب العمل تجاه العاملة، «عانت غالبية العاملات من عنصرية واضحة ترجمها التمييز السلبي ضدهن والاستعلاء في معاملتهن». (منعت بعض العاملات من غسل ثيابهن مع ملابس أصحاب العمل، ومنعن من الجلوس على أثاث المنزل أيضاً). تشير الدراسة أيضاً الى أن 67% منهن تعرضن لعنف جسدي وجنسي، و82% هدّدن بتسليمهن الى الشرطة.

صعوبة آليات الشكوى

في ظل استمرار نظام الكفالة وصعوبة ملاحقة أصحاب العمل المنتهكين لحقوق العاملات، تعمد وكالات الاستقدام الى التدخل لحل الخلافات بين العاملات وأصحاب العمل (علماً بأن دورها محصور بالوساطة بينهما). تشير الدراسة في هذا الصدد إلى أن تدخلها (وكالات الاستقدام) يأتي غالباً لمصلحة صاحب العمل لإرغام العاملة على الخضوع لشروطه، خاصة بسبب الخسارة المادية التي قد تتكبّدها الوكالات في حال مغادرة العاملة منزل صاحب العمل. فتقوم العديد من المكاتب باستعمال أساليب متعددة للـ«تأديب». «لقد هددني صاحب المكتب بتشغيلي بـ«النوم» (الدعارة) مع رجال في فندق فهربت»، تقول روبا (عاملة بنغلادشية). تكثر روايات «التأديب»، إذ تروي أخريات كيف تم التحرّش بهن وتحدث البعض منهن عن «سماعهن صراخ عاملات يتعرّضن للضرب خلال وجودهن في الوكالة». «طلب مني أن أخلع ملابسي وتركني عارية لمدة عشر دقائق. لم يلمسني، فقط جلس ينظر إليّ، وعند سؤالي لماذا تفعل بي هكذا، كان يقول سكري تمك»، تقول إحدى العاملات النيباليات في لبنان.

«لا حل سوى الفرار»

تلفت الدراسة الى أنه «في ظل اختلال توازن القوة بين صاحب العمل وعاملة المنزل المهاجرة، وعدم قدرة الأخيرة على إيجاد حلول لمشكلاتها في العمل عبر التفاوض مع صاحب العمل لتغيير شروط العمل وظروفها المعيشية، لم ترى 21% من المشاركات في المسح إلا طريق الهروب لتفادي العنف الممارس عليهن أو اختلاف شروط العقد عمّا وعدن به، خصوصاً في ظل غياب آليات شكوى رسمية». المفارقة أن الاعتداءات الجنسية التي تتسبّب، كثيراً، بترك العاملة لمنزل صاحب العمل، ما يؤدي الى خطر اعتقالها لمخالفة نظام الكفالة! وتسمى محاولة نجاتها «فراراً»!

هديل فرفور- الاخبار
 

  • شارك الخبر