hit counter script

مقالات مختارة - إياد الدليمي

من يموّل داعش؟

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 06:32

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

يسيل حبر كثير، مذ ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على خارطة الأخبار التي كانت متخمة أصلاً، فبات هذا التنظيم مالئ الدنيا وشاغلها، خصوصاً بعد ما نجحت وسائل الإعلام الغربية، ومعها العربية، في شيطنة كل ما يحيط بهذا التنظيم، واختلط حابل الأمور بنابلها، فلم يعد ممكناً معرفة ما هو داعش؟ ومن جاء به وزرعه وسط كياننا العربي والإسلامي، ليجعل منه بعبعاً يقتل ويسفك الدماء، تحت مسميات شتى.
ربما كان من بين أبرز ما تناولته الأقلام بشأن داعش، موضوع التمويل، بشقيه البشري والمادي، فمن أين يأتي بهذه الموارد؟ وكيف نجح وينجح في توظيفها، خصوصاً الموارد البشرية، لخدمة أهدافه؟
في خلفية المشهد الدموي الذي يغطي ساحتنا العربية، هناك حقائق لا ينبغي أن تغيب عن بال أي متابع أو محلل لظاهرة داعش، فليس هذا التطرف الإسلامي الذي يتبناه التنظيم وليد اللحظة، وإنما هو تراكمات سياسات طويلة ومعقدة، عاشتها المنطقة العربية عقوداً، سياسات أضاعت بوصلة الإنسان العربي، وضيعت عليه دينه وقوميته، وكل انتماء لديه، حتى ولد مشوهاً وغائباً عن واقعه، لا يعرف من هو، وإلى من ينتمي، فلا هو إسلامي ولا علماني ولا رأسمالي ولا شيوعي، وإنما هجين من كل شيء في اللاشيء.
ساهمت السياسات التي مارستها الأنظمة العربية عقوداً في ولادة هذا الإنسان، اللاشيء، الجاهل هويته. فمن منا ينسى سيل الأكاذيب التي كان يعيش فيها مواطننا العربي، في ظل زعامة القائد الأوحد الذي لا يخطئ؟ ومن منا ينسى أيام كانت مسيرات الاحتفال بميلاد قادتنا الضرورة، تملأ الشوارع؟ ومن منا ينسى الإعلام الذي كان لا هم له سوى ترديد أكاذيب قائده؟
عاش الإنسان العربي مظلوماً، ظلماً مزدوجاً على مستويين: محلي داخلي، مارسته عليه الأنظمة القمعية، وظلماً دولياً مارسته عليه ما تعرف بالقوى العظمى. فعقود طويلة من التآمر على هذا الانسان، تارة بتوافق الظلم الداخلي والخارجي وتارة بانفصالها، ولّدت إنساناً يشعر بظلم، قابل للانفجار، سعياً منه إلى استرداد كرامة مسلوبة، أو حقوق منقوصة.
الظلم كان الممول الأكبر لداعش، هل وجدت هذا التنظيم يكبر وينتشر في بلاد يعيش فيها المواطن بلا ظلم؟ أبداً، فحتى المتشددون، أو من يوصفون هكذا من الإسلاميين، ممن يعيشون في بلاد الغرب، ينتقدون تصرفات هذا التنظيم.
من الأسباب التي مولت هذا التنظيم وتموله، التضييق على الإسلام السياسي المعتدل، القادر على أن يفتح العالم معه كل أبواب التواصل بلا خوف أو وجل، الإسلام السياسي الذي كان يمكن أن يكون متنفساً لشبابٍ كثيرين انخرطوا في تنظيم الدولة.
"الدول التي تشترك في المؤامرة على التنظيمات الإسلامية، تدفع بالشباب دفعاً، ليتحولوا إلى قنابل بشرية موقوتة، تتلاعب بها أهواء الدولة الإسلامية وتشريعاتها.
"
عانت الدول العربية عموماً، من التضييق على الإسلام السياسي، وبات كل تنظيم إسلامي، يدخل معترك السياسة، مشبوهاً ومطارداً، فحتى بعد أن فتحت الثورات العربية التي انطلقت شرارتها من تونس عام 2011 الباب واسعاً أمام بروز هذه التنظيمات الإسلامية، عادت خيوط المؤامرة لتنسج حولها شبهات حولتها بالتدرّج إلى تنظيمات إرهابية، يقتضي محاربتها، من دون أن تدري، أو ربما تدري، تلك الدول التي تشترك في هذه المؤامرة على التنظيمات الإسلامية، إنها تدفع الشباب دفعاً، ليتحولوا إلى قنابل بشرية موقوتة، تتلاعب بها أهواء الدولة الإسلامية وتشريعاتها.
لا يجب أن نسأل عن سبب تطرف المتطرف، وإنما عن أسبابٍ دفعته إلى ذلك، وجعلت شباباً بعمر الورود يلبسون أحزمة الموت لتنفجر بهم، وسط من يعتقدون أنهم أعداء الله.
الظلم كان كبيراً، وكبيراً جداً، لا يمكن بأي حال أن ننسى ما عانته تلك الشعوب، بدءاً من نكبة فلسطين التي ساهمت بها تلك القوى الدولية، وبعض القوى العربية، وصولاً إلى جريمة احتلال العراق، وبعد ذلك مجازر الأسد في الشام، وظلم قذافي ليبيا، وتالياً جرائم نظام العسكر في مصر الذي قد يودي بالبلاد إلى كارثة.
الظلم يولّد التطرف، اسألوا العراقيين، كيف كانوا وسطيين، اسألوهم، كان أغلبهم يتوه في عدد ركعات الصلاة الواحدة، حتى تحولوا بسبب ظلم الولايات المتحدة وميلشيات إيران إلى قنابل موت ملغومة تبحث عن فريستها.
اسألوا السوريين، أهل الشام وحلب وحمص، ما الذي دفع بشبابهم إلى أحضان داعش؟ كيف تحول الشباب الصغير إلى دراويش موت وقتل، لا يشفي غليلهم سوى قطع رؤوس شبيحة الأسد وعناصر حزب الله اللبناني ومجرمي الحرس الثوري؟
طبعاً، لا يمكن بأي حال أن نطالب العالم بأن يزيل أسباب التطرف، وفي مقدمتها الظلم، فنظام كهذا قائم على مبدأ الظلم. ولكن، نقول إن قتالكم داعش سيبقى قتال كر وفر، تنتصرون يوماً وينتصرون آخر، تتغلب لغة المنطق يوم، وتعود لغة اللاعقل أياماً، ما دام عالمنا اليوم قائماً على الظلم.
تتذكرون قاعدة العراق، الأب الأصلي لداعش، سيطرت على جزءٍ كبير من مدن العراق، غير أنها ظلمت، فحاربتها حاضنتها الشعبية، واليوم عادت، تحت اسم جديد. عادت لأن من حاربها، أمس، وجد ما وعود الأميركان وحكومة نوري المالكي زائفة وجوفاء، عادت لأن جزءاً من العراقيين صار يرى في ظلمها عدلا،ً مقارنة بآلة القتل التي مارستها بحقه حكومة نوري المالكي.
 

  • شارك الخبر