الجنهورية

سلِّموا أمركم لله وصلّوا، فقد صلّى الله على الدولة اللبنانية وسلّم، فهي مصابة بالإعاقة والمرض السريري، عاجزة عن معالجة أي أمر مهما كان تافهاً، بالرغم من أن مارغريت دي نافاري إبنة القصور الملكية ورائدة النهضة في فـرنسا، قد اعتبرت أن الله يساعد دائماً المجانين والسكارى.
سلموا أمركم لله وصلّوا، وإن شئتم ان تفرّجوا عن بعض الهمّ النفسي... فسبُّوا.

يكفي مثلاً يا شعب لبنان العظيم أن تقود سيارتك من بيروت الى جونيه أو من جونيه الى بيروت، عند الصباح وفي المساء أو عند منتصف الليل وصياح الديك، حتى يصيبك عارض من نوع الإنهيار العصبي فتتحوّل قسراً الى شتّام ينشر الأعراض على صنوبر بيروت، مستخدماً كل مفردات القاموس الزحلاوي ضد كلِّ المسؤولين وكلِّ أهل القصور باستثناء القصر الجمهوري بسبب الشغور.

وعلى طول الطريق من بيروت الى جونيه وما بعد بعد جونيه، وتحت وطأة الكابوس النفسي الخانق والضغط الجسدي المرهق، تكاد لا تلمح مَنْ يسهّل لك المرور عند التعثر، وإنْ وقعت عينك على رجل أمن فتراه مسمَّراً يؤدي واجبه الوظيفي أمام حانوت لبيع الفلافل والمرطبات، أو أمام سوبر ماركت لتنظيم وقوف سيارات الزبائن.

وإنْ صدَفَ وتوقَّفَتْ سيارتك في موازة خرطوم الزوق الكهربائي، فبدل «أنْ تبتسم وأنت في الزوق»، فقد تتلقّى شحنات من تنشّق الدخان المسموم تضاف الى ما ينبعث من عشرات مئات السيارات، فكأنما دولتك تساهم في تعميم داء السرطان، وتنفّذ فيك عقوبة الأشغال الشاقة من دون أن ترتكب جرماً، اللهمّ إلّا جريمة قيادة سيارتك من بيروت الى جونيه وبالعكس.

يا سادة: عند نشوء الدول يكون من أولويات قيامها إنشاء الطرق والماء والكهرباء، ومنذ نشوء دولة لبنان الكبير كانت ولا تزال الطرق فيه والمياه والكهرباء مشكلة وجودية على مدى سبعين عاماً من عهود دولة الإستقلال.

الدول: تخطو متطورة في التاريخ الى الأمام، ونحن بفضل الذين حكموا ويحكمون، وشرّعوا ويشرّعون، نتراجع القهقرى الى ما هو تخلّف في التاريخ.

قيل لنا: إنّ إحدى الإمارات العربية تحاول أن تخلق على الرمل بلداً يشبه لبنان، فهي تنمّق البناء وتطور الإنماء والإنشاء في كل حقل ومجال وهي ترفع قمماً يتساقط عليها الثلج، وتنشيء بيئة على شاكلة البيئة اللبنانية يتغلب فيها اعتدال المناخ على ما في الصحراء من رمضاء.

وعندنا لا تزال الإمارات الإقطاعية والسياسية تجهد النفس لتجعل من معالم لبنان المدنية والجمالية والإنمائية أطلالاً على الرمل، وتجعل من مآثر الوطن الحضاري أنموذجاً من جاهلية الصحراء وقبائل البدو والعرب الرحّل.

لقد جعل الأمراء الجدد من لبنان التاريخي، خرافة تاريخية، ويقال: إن أفضل أرض لزرع الخرافات، هي مجتمع يكون فيه مستوى الرجال أدنى من استحقاق الشعب.