hit counter script

مقالات مختارة - ميشيل كيلو - العربي الجديد

هل ستقوم منطقة عازلة في سورية؟

الأحد ١٥ آب ٢٠١٤ - 09:25

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في اليوم التالي لسقوطه في الانتخابات التي اختارت مرشح الكتلة الديمقراطية لرئاسة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، أعلم هادي البحرة أعضاء الكتلة بوجود خطة متّفق عليها مع الأميركيين والأتراك والفرنسيين.. إلخ. لإقامة منطقة حظر جوي، أو منطقة عازلة، بعرض عشرين كيلومتراً على امتداد الحدود الشمالية لسورية، وأضاف أن هذه المهمة كانت ستُنجز في الأشهر الستة المقبلة، في تلميح صريح إلى أننا أحبطنا، بعدم ترشيحه للرئاسة، هذا الإنجاز الحاسم بالنسبة لسورية وثورتها.

سألتُ البحرة إن كان التوافق الدولي على منطقة حظر جوي هو التزام دولي تجاهه شخصياً وليس تجاه الائتلاف ومؤسساته، وأن فشله في الترشّح لرئاسة الائتلاف يمنع تنفيذه، فصمت. وعندما أضفت أن هناك استراتيجية مختلفة، كل الاختلاف، يجري تنفيذها على الأرض اليوم، وافق على قولي.

على ماذا تقوم حكاية الحظر الجوي؟ في الظاهر، تقوم الخطة على الرغبة في نقل الائتلاف والحكومة المؤقتة إلى الداخل السوري، فهل هذا هو حقاً السبب الحقيقي لاختلاق هذه القصة؟ وهل يكفي لقيامها فرض حظر جوي على امتداد حدود سورية الشمالية التي تقع بكاملها تقريباً بين أيدي تنظيم داعش وجبهة النصرة؟ ومَن الذي سيمنع النظام من استخدام مدافعه البعيدة المدى، وطائراته، المزوّدة بصواريخ وقنابل روسية ذكية، من قصف مقرات الائتلاف، الشجاع، من مسافات بعيدة عن منطقة الحظر؟ وما هي القوة التي ستحول دون تقدّم قواته البرية إلى منطقته؟ وهل تفاهم الأميركيون والبحرة مع داعش والنصرة على السماح للائتلاف بالعمل ضدهما والقضاء عليهما، انطلاقاً من المنطقة التي يحتلان معظمها؟
إن أي حديث عن منطقة حظر جوي، يعني الحديث عن تدخلٍّ خارجي، واسع المدى، يغطي مطارات وقواعد صواريخ ورادارات النظام، ومعسكرات جيشه ومناطق انتشاره، فهل العالم عامة، وأميركا خاصة، قررا القيام بتدخل كهذا، لطالما أكّدا أنهما لن يقدما عليه تحت أي ظرف، لأن جيش أميركا ومجتمعها لا يريدان حروباً جديدة، بعدما تعبا من الحروب، وليس في نيتهما الانخراط في حربٍ جديدةٍ، لأسبابٍ كثيرةٍ، منها أنهما يعطيان الأولوية في خططهما لمشكلات الداخل الأميركي، الكثيرة والصعبة، كما قال لنا باراك أوباما، بلسانه، خلال استقباله في البيت الأبيض وفد الائتلاف الذي كان البحرة من أعضائه؟

أخيراً، هل يملك البحرة قوات تمكّنه من الانتقال إلى الداخل وتحميه، في حال تمسك الأميركيون بموقفهم، وبقي الأوروبيون على ضعفهم وتردّدهم؟ وهل يجوز بناء خطة وطنية على خيار خارجي صرف، خصوصاً إن كان أميركياً، يدير أزمة سورية، ولا يرى لها حلاً قريباً؟
"
هل تفاهم الأميركيون والبحرة مع داعش والنصرة على السماح للائتلاف بالعمل ضدهما والقضاء عليهما، انطلاقاً من المنطقة التي يحتلان معظمها؟

"
رسمت أميركا استراتيجية جديدة لدورها السوري، تقوم على تأهيل وتدريب وتسليح وحدات موثوقة سياسياً وأيديولوجياً، تتكفّل زيادة عديدها وعتادها وارتفاع مستواها القتالي وقدراتها القيادية بتغيير موازين القوى على الأرض، لصالح قوة جديدة، تتحدّر ممّا كان يسمى الجيش الحر.

هذه الاستراتيجية، القائمة على تدخل مباشر تخطيطاً وقيادة، وغير مباشر، في ما يتعلق بالمقاتلين الميدانيين الذين سينفذون الاستراتيجية، هي بديل التدخل المباشر الشامل الذي لا بدّ أن يتم بقوى جوية وبرية وبحرية أميركية وأوروبية، من أجل كسر موازين القوى القائمة على الأرض، وتعويض الضعف الذي أصاب الجيش الحر.
هل ستضع واشنطن حداً لتعبها من الحروب، وستتخلى عن استراتيجيةٍ اعتمدتها بنجاح، حتى الآن، رسمت دورها في سورية، تقوم على نصف تدخل، أو على تدخل محدود وعن بُعد؟ وهل ستتدخل بسلاحها الجوي أولاً، ثم بسائر أسلحتها بعد حينٍ، قد يطول أو يقصر، لأن هادي البحرة لا يملك خطةً لإخراج الائتلاف والعمل الوطني من أزماتٍ قاتلة، أوصلته إليها سياسات كان أحد الضالعين فيها؟

لذلك، ابتكر تقسيماً جديداً للعمل بينه وبين العالم، دوره فيه الحديث عن نقل الائتلاف والحكومة إلى الداخل، ودور العالم فرض منطقة حظر جوي، يدخل من خلالها في حربٍ تُبدّل دوره وحساباته وخياراته، تلبية لرغبة شخص اسمه هادي البحرة، يريد الانتقال إلى مكانٍ لا يمون فيه على دجاجة، دخوله إليه يستدعي تدخلات جوية متكررة، لا يضمن أحد أن تنتهي بقيام منطقة الحظر المطلوبة، وبامتناع مَن تستهدفهم عن القيام بردود فعالة على الغارات.

كأن أميركا لا تعرف أن قيام الائتلاف بمهامه، كمؤسسة عمل وطني، ممكن تماماً من خارج منطقةٍ يحتلها أعداء له ولها، وأن الأخطاء الكارثية التي ارتُكبت، خلال العام الماضي، لا تعود إلى موقع الائتلاف الجغرافي، بل إلى خيارات قيادته وممارساتها. أو كأن البيت الابيض سيسارع إلى تلبية ما يُطلب منه، لأنه يجهل كم ستكون صعبة مهمته في تقسيم العمل المقترح من البحرة الذي توكل إليه مهمة سهلة، هي خوض حربٍ قال دوماً إنها لن تغيّر شيئاً على الأرض، ولن تسهم في إيجاد حل، كي يتجنّب البحرة حرج خلوّ جعبته من أية حلولٍ لأية مشكلات سورية. وأخيراً، كأن واشنطن لا تعرف حجم التغيير الهائل الذي سيصيب استراتيجيتها العامة حيال المشرق، وما وراءه من إقليم ودول كبيرة ومتوسطة القوة، في حال قررت إقامة منطقة حظر جوي، ستكون، بالتأكيد، صعبة التطبيق إلى أبعد الحدود، من دون تغيير جدي في مواقف إسرائيل وروسيا وإيران، وفي حال تمسكت بخططها الهادفة إلى تقويض دور الأخيرة على محور طهران/ بيروت، هذا إذا ما صرفنا النظر عن تكاليف منطقة الحظر المالية والبشرية.

ولعلم مَن ادّعى أمام الكتلة الديمقراطية أن هناك توافقاً أميركياً/ أوروبياً/ تركياً/ خليجياً على إقامة المنطقة العازلة، فقد أبلغ الاميركيون وبعض الاوروبيين أكثر من جهة في الائتلاف أن ما سمّوها "خطة البحرة" غير واقعية وغير قابلة للتطبيق، وأكدوا أن ما تضمنته من تشكيل فرق شرطة وقوات أمنية أخرى، لا يتطلّب منطقة عازلة، فالشرطة موجودة، وتعمل في حلب وإدلب ومناطق أخرى، وليس عملها بحاجة إلى تدخل عسكري جوي أو بري، بل إلى أموال وتجهيزات حديثة ووسائط نقل وتدريب.

أما دور البحرة في إقامة المنطقة، فسيكون قريباً من الصفر، ليس فقط لأنه لن يجد في نفسه الجرأة على الدخول إليها، بما أنها محتلة من قوى مقاتلة معادية، بل كذلك لأن بعض هذه القوى قد يتعاون مع النظام ضد العدو المشترك، ليورط الأميركيين في حرب مفتوحة على جميع الاحتمالات، في ظل تقدم إرهاب عابر للحدود، لا يبدو أنه سيستسلم للبحرة، أو لأميركا، بعد أول غارة جوية يتعرّض لها، مع أن لدى الأخيرة خيارات أفضل بكثير من الخيار الذي ستطبّقه إكراماً للبحرة.

عندما أبلغنا البحرة بوجود الاتفاق على إقامة المنطقة العازلة، سئل: إذا كان الكلام صحيحاً، وكانت تركيا موافقة على إقامتها، كما تقول، لماذا انسحب مقاتلو المعارضة من منطقة كسب والكيلومترات العشرة إلى غربها وجنوبها من دون قتال؟ هل ستقوم المنطقة خارج الرقعة التي احتلها هؤلاء، أم أن تركيا ليست على اطلاع على الاتفاق المزعوم، أو لم توافق عليه؟ بانتظار الجواب الذي لم ياتِ آنذاك، من المحتّم القول إن الحكاية وما فيها ستنتهي إلى تحميل العالم المسؤولية عن فشل البحرة في الداخل السوري بالذات: حيث يتطلّب خروجه من حال تراجعيةٍ عصيبةٍ ومكلفةٍ، وضع وتطوير خطط عملية وناجعة ترتّب علاقاته وأوضاعه بطرق تمكّنه من وقف تدهوره، وتحقيق غلبة مناطقية، ثم عامة، على النظام والإرهابيين، تشجع العالم، أو تجبره، على دعمه بكل ما هو ضروري لإسقاط نظامه وانتزاع حريته، بدل التلهّي بخطة هَمَيونية وملتبسة، لا قدرة لدى البحرة والائتلاف، في حاله الراهنة، على تنفيذها، أو جعل من يطالبهم بتحقيقها ينفذونها، كلياً أو جزئياً، تصلح للحكي، وتمضية الوقت، ولا تصلح إطلاقاً لإخراج بلادنا من مأزقها المرعب
 

  • شارك الخبر