hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - ميشال نصر - الديار

الجيش ينفذ قرار السلطة السياسيّة وقضية الاسرى في بداياتها

الأحد ١٥ آب ٢٠١٤ - 08:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

سط عواصف المنطقة ورياح التغيير في المعادلات المتحكمة ببعض دولها، لا يخلو الهدوء النسبي المخيم على الساحة الداخلية من غبار زوابع بعضها سياسي وبعضها الآخر اجتماعي، تجهد «الحكومة الرئاسية» على معالجتها واجتراح المعجزات بشأنها إن وجدت، فيما يبقى القسم الاكبر منها رهن التجاذبات والتوظيفات السياسية لا سيما ملف سلسلة الرتب والرواتب والتمديد للمجلس النيابي والانتخابات الرئاسية وصولا الى ملف العسكريين الاسرى عقب احداث عرسال، والذي اتخذ منحى دراماتيكيا مع سحب هيئة العلماء لوساطتها، دون وضوح اي افق للحل، على وقع انتقال الحملة على قائد الجيش والتي اصابت بسهامها الجيش الى العلن.
فمن اخطر ما استجد خلال الايام القليلة الماضية، خروج الحملات التي بدأت تستهدف قائد الجيش لتطال المؤسسة ككل، من اطراف سياسية معينة الى العلن، على خلفية احداث عرسال وملف المخطوفين، وسط حملة اشاعات تستهدف ضرب هيبة المؤسسة العسكرية وصورتها، ما دفع بقائد الجيش للرد على المنتقدين والتوجه الى الشعب اللبناني اولا عبر مقابلاته الاعلامية، والى العسكريين من خلال الاجتماع الذي عقد في قاعة العماد نجيم في الوزارة رد فيه القائد على تساؤلات الضباط شارحا افق الازمة وتطوراتها وتداعياتها.
وفي هذا الاطار، دعت مصادر مقربة من المؤسسة العسكرية الغيارى على الجيش، والذين يوصفون ما حدث في عرسال «بالفضيحة»، الى اعتماد السبل القانونية في المحاسبة والذهاب الى لجنة الدفاع النيابية، والتحقيق بكل الادعاءات،كما حصل بعد معركة عبرا، كذلك في الحملة على الجيش التي فجرتها قضية العسكريين المخطوفين، التي عمد البعض الى تسييسها واستغلالها في الاعلام للنيل من قائد الجيش بالتحديد على خلفية باتت معروفة للقاصي والداني، خاتمة بان الجيش ينفذ قرار السلطة السياسية الممثلة بمجلس الوزراء الذي يضم كل الاطياف السياسية بالبلد .
مصادر سياسية متابعة قرأت في التطورات استحسانا من قبل البعض بلعبة الفراغ وضرب المؤسسات الفاعلة، بعد تفريغ رئاسة الجمهورية، وتعطيل مجلس النواب وتقييد حركة مجلس الوزراء بالتوافق، حيث يبدو ان اداء الجيش اللبناني المميز خلال احداث عرسال وتصرفه بروح مسؤولية عالية ازعج اصحاب مشروع نقل النار السورية الى الداخل اللبناني سعيا لتحقيق مكاسب فئوية رخيصة معروفة التوجه، فانبرت الاصوات الشاذة في الهجوم على الجيش والتشكيك بانجازاته،تماما كما فعلت يوم نجح فرع المعلومات وقوى الامن الداخلي في انقاذ لبنان من المخطط الارهابي المعد له وقتها، مضيفة ان التشكيك بالجيش وبدوره في هذا التوقيت بالذات مرفوض .
في غضون ذلك، سحبت جبهة «النصرة» شريطا مسجلا نشر على مواقع التواصل الاجتماعي المقربة منها لساعات، قبل ان يعاد سحبه، وتتمكن احدى وسائل الاعلام المرئية من الحصول عليه، حيث يظهر العسكريون المحتجزون وهم يطالبون بانسحاب «حزب الله» من سوريا مناشدين اهلهم اطلاق حركات احتجاجية ضد قتال الحزب في سوريا. يشار الى ان المفاوضين من «هيئة العلماء» تلقوا معلومات بموازاة ذلك بأن المسلحين أعدوا شريط فيديو وربما يكونون قد سلموه الى احدى الفضائيات، فيه تهديد بالمباشرة بقتل العسكريين اللبنانيين إذا لم يستجب الى طلباتهم، وهذا السبب الاساسي الذي دفع بالهيئة الى تعليق وساطتها.
غير ان تعقيدات جديدة أضيفت الى ملف العسكريين تمثلت بطي هيئة العلماء المسلمين ومن السراي الحكومي صفحة وساطتها على خلفية دخول أطراف آخرين على الخط وانتقال القضية لتعالج على نطاق أوسع، وان ابقت على الباب «مردودا» لعودتها، بعد توافر معلومات باتت شبه مؤكدة عن دخول تركيا وقطر على خط الازمة، حيث اشارت المعلومات الى اتجاه لبناني لتشكيل لجنة تضم ضباطا من مخابرات الجيش وفرع المعلومات تتسلم ملف التفاوض مع الخاطفين بالواسطة، عبر الوسيطين القطري والتركي، طرح كان سبق ان رفض لبنانيا، على ان تتم المعالجة بتكتم وبعيدا من الاضواء، وسط توقع ان تطول المفاوضات نظرا الى رفع الخاطفين سقف مطالبهم، ورفض الحكومة مبدأ «المقايضة» الذي يتمسكون به.فالهيئة التي لعبت دور الوسيط وناقل الرسائل بين الحكومة اللبنانية والجهات الخاطفة، وجدت نفسها عاجزة عن الاحاطة بكل تعقيدات المسألة، فالخاطفون يوزعون الأدوار فيما بينهم طارحين شروطا «تعجيزية»، بدءا من الإفراج عن إرهابيين خطيرين ومحكومين، من عيار نعيم عباس وجمال الدفتردار وجومانة حميد، وصولا الى اشتراط انسحاب مقاتلي حزب الله من سورية، فيما قيادة الجيش ترفض التفاوض والمساومة. امر دفع برئيس الحكومة تمام سلام الى ارسال مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الى تركيا الذي تلقى اتصالات ومناشدات من أهالي العسكريين المخطوفين لتولي الملف بحكم خبرته وتجربته الناجحة في هذا المجال والثقة المطلقة به.
وبحسب مصادر متابعة فان محادثات هيئة العلماء المسلمين مع الخاطفين من داعش والنصرة ازدادت تعقيدا، وسط غياب الثقة بين الطرفين، خاصة مع استلام ابو طلال قيادة لواء فجر الاسلام خلفا لعماد جمعة المعتقل لدى السلطات اللبنانية، حيث يعمد الاخير الى تغيير مطالبه بين الحين والآخر، مبديا الكثير من التشدد خلال التفاوض،لجهة عدد الموقوفين الذين يطالب بالافراج عنهم،كما بالنسبة للمبالغ المالية التي يطلبها مقابل هذه العملية، متهما السلطات اللبنانية بالاستخفاف بالمطالب التي يعرضها رغم الايجابيات التي ابداها وقوبلت بتوقيفات جديدة وتوجيه اتهامات من قبل الاجهزة الامنية والقضائية الرسمية.
مصادر متابعة للملف رأت فيه تكرارا لسيناريو اعزاز، عزز هذه النظرة التشابه في الشكل مع الشرائط التي كانت تبث ايامها، متوقفة عند فارق جوهري في المضمون كون المخطوفين عسكريين لبنانيين، مشيرة الى ان المسألة تفرض على القوى السياسية التعاطي معها بدرجة عالية من الدقة والحساسية، لان المطلوب، هذه المرة، وضع الجيش ومن عبره الدولة في مواجهة مع حزب الله.
من جهتها اشارت مصادر مقربة من رئيس الحكومة الى أن الاخير حريص على الافراج عن العسكريين، مشيرة الى قيام سلام باتصالات بعيدة عن الأضواء مع مسؤولين عرب في محاولة لتحريك التطورات، مؤكدة أن رئيس الحكومة كان واضحاً بتأكيده على أن الحكومة لا يمكنها الدخول في «مقايضة» مع الخاطفين على العسكريين الاسرى، لما لذلك من انعكاسات على وضع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والقضاء، محذرة من مشاريع تستدرجه إلى نوع من الابتزاز المرفوض بكلّ المعايير، على خلفية اتهام اللواء خير ومن عبره سلام على العمل على اطلاق اسرى من طائفة معينة سعيا لتحقيق مكاسب داخل طائفته، كاشفة إن سلام استشار عددا من الوزراء حول ما يمكن اتّخاذه من خطوات قبل اللقاء مع هيئة العلماء، حيث كان هناك إجماع على ضرورة التشدد في التعاطي مع المجموعة الإرهابية وعدم الإنجرار وراء أيّ مشروع يؤدّي إلى استغلال القضية للمسّ بمعنويات المؤسسة العسكرية، وهو ما ارتاح إليه رئيس الحكومة وما دفعه الى التشدّد مع الوفد رغم الغموض الذي ما زال يلفّ حجم مطالب الخاطفين التي تتبدّل من وقت لآخر.
الجمود السياسي الواضح يقابله جمود أوضح على صعيد مفاوضات اطلاق سراح الرهائن العسكريين والامنيين. فهيئة العلماء المسلمين أعلنت بعد لقاء طويل مع رئيس الحكومة تمام سلام تعليق وساطتها لحين نضوج ظروف الحل، وافساحا في المجال امام اطراف اخرى قد تكون لها قدرة اكبر على معالجة الملف. وهذان التبريران يطرحان اسئلة كثيرة. فهل قرار الهيئة سببه المعلومات التي اشارت الى بروز تشدد لدى الجهات الخاطفة وتغييرها لائحة مطالبها؟ ام ان الامر يتعلق بدخول دولتين فاعلتين على خط الوساطة، هما قطر وتركيا، ما جعل وساطة الهيئة في المرتبة الثانية على صعيد الفاعلية؟وهل من علاقة غير مباشرة بين تجميد العلماء لتحركهم وبين حركة اللواء إبراهيم، علما ان وزير الداخلية جزم بعدم علاقة ابراهيم بالملف؟ وماذا بعد؟ الجيش من جهته لن يغير بأية معادلة ميدانية، فماذا عن الحكومة بعد محاولة المسلحين إنتهاز القضية للافراج عن الموقوف الخطير أبو أحمد جمعة الذي أدلى بإعترافات حول مخططات إرهابية لضرب أمن البلاد؟
في الإنتظار، الجواب متروك للايام وقد يكون الاشهر المقبلة. الواضح أن قضية الاسرى العسكريين والامنيين ما زال في البدايات وقد يكون مرتبطا بأكثر من عاصمة معنية.
 

  • شارك الخبر