hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - فايز سارة - الشرق الوسط

مشكلة الخطاب السوري المعارض

الأحد ١٥ آب ٢٠١٤ - 07:14

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع


لا يختلف كثيرون على بؤس الخطاب السوري المعارض بعد نحو ثلاث سنوات ونصف السنة من انطلاقة الثورة السورية، وبخلاف ما كان ينبغي أن يكون عليه الخطاب من جدية ومسؤولية وقدرة على رسم الواقع وتحديد مشكلاته، ووضع الحلول لها، ودفعها على طريق التنفيذ عبر خلق أدوات وآليات تنفيذية، فما زال الخطاب عاجزا عن توصيف الواقع وتحديد المشكلات، وإن تجاوزهما فليست لديه حلول، ولا قدرات تنفيذية، على خلق الأدوات والآليات المطلوبة، الأمر الذي يجعله هامشيا وغير مؤثر، وبعيدا عن مهماته الأساسية.
إن الأهم في صفات الخطاب المعارض أنه خطاب عام، لا يذهب إلى المطالب المحددة، ويركز على الشعارات العامة، بدل أن يركز على المطالب والأهداف ذات المحتوى، وهو خطاب صراعي، يخوض في الصراعات، أكثر من ذهابه إلى التوافق، وتفصيلي، أي أنه يخوض في الجزئيات دون أن ينظر إلى روابطها بالقضايا العامة، وهو ملتبس بحيث تُفهم منه في بعض الأحيان أشياء غير تلك التي يقصدها أصحاب الخطاب، بل إنه في أحيان يتضمن التناقضات بحيث يصير المتلقي عاجزا عن معرفة الهدف من الخطاب.
والخطاب المعارض بمواصفاته السابقة يظهر في الوثائق والبيانات وكذلك في الخطابات، كما في المقالات والمقابلات الإعلامية، وهذا لا يقتصر على خطاب الأشخاص من المعارضين، إنما هو كذلك بالنسبة لخطاب الجماعات والتشكيلات السياسية أحزابا أو تحالفات، لأن من يصوغون الخطاب فيها هم أشخاص من قيادات المعارضة ورموزها.
ويعود السبب الرئيس في واقع خطاب المعارضة إلى أمرين أساسيين؛ أولهما الواقع السياسي الذي فرضه النظام على العمل السياسي في العقود الخمسة الماضية والذي تم فيه تهميش السياسة في مستوى الفكر السياسي الذي صار في مكانة هامشية في الثقافة والمجتمع على السواء، كما تم تغييب الجماعات السياسية بالحظر أو بتدجين الجماعات التي سمح لها بالحضور تحت جناح النظام في بيت طاعته «الجبهة الوطنية التقدمية» التي يقودها حزب البعث الخاضع كلية لأجهزة النظام، كما جرى تغييب أو تهميش الشخصيات السياسية، التي هي منفية أو معتقلة أو مربوطة بصورة أو بأخرى مع النظام وأجهزته.
أما الأمر الثاني في تردي خطاب المعارضة فيعود إلى ظروفها وشروطها. فمن كان له وجود علني فُرض عليه خطاب أساسه هامشي، وهو يتقارب ومتصالح مع خطاب النظام، ومن كان في المعارضة الملاحقة في الداخل أو المنفى غلبت العدائية والمخاصمة والرفض السلبي على خطابه، بل إن ظروف العمل السري جعلت من الصعوبة بمكان أن يتم الاهتمام بالكادر السياسي والإعلامي للتنظيمات السياسية، ولم تكن تتوافر لأغلب الكادرات فرصة الإعداد والتدريب والعيش بالمستويين السياسي والجماهيري بصورة طبيعية، كما أن الخلافات الآيديولوجية والسياسية والتنظيمية بين جماعات وأحزاب المعارضة فرضت أشكالا نمطية من الخطاب الموجه إلى الشعب وإلى الجماعات السياسية وداخل الأخيرة، وأغلب الخطابات كانت تقوم على مديح الذات وتمجيدها وإدانة الآخرين وصولا إلى تخوينهم بما في ذلك رفاق أو إخوة الأمس.
وسط تلك المعطيات والوقائع عاش الخطاب السوري المعارض عقودا متواصلة من السنوات، واستعار ملامح من إرث السنوات العشر الماضية بما حملته من فرص محدودة لخطاب معارض معلن، بدأ مع ربيع دمشق في العشرية الماضية، حيث إن السوريين لم يجدوا كثيرا من كادرات معارضة، تستطيع الظهور على الوسائل الإعلامية لتقدم خطابا واضحا ومفهوما، أو رأيا في الأحداث والتطورات المحيطة، ولا أن تصدر وثائق وأوراقا وبيانات، يعتد بها إلا ما ندر، وحتى تلك النادرة ظلت أسيرة تفسيرات ملتبسة وحافلة بالإشكاليات، التي ما زالت قائمة.
ورغم أن ثورة السوريين العظيمة، بما حملته من قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، وفرت فرصة تاريخية لانقلابات في الخطاب المعارض تخلصه من أمراضه وإشكالاته، وتضعه على المسار الصحيح، فإن الواقع كان أقوى، وإرادة قوى المعارضة كانت أضعف في الخروج من نفقها التنظيمي والسياسي، كما أن قوى الثورة التي أخذت تتشكل على عجل وفي أتون الصراع مع النظام وسط عمليات القتل والاعتقال والتهجير للنشطاء والقادة الميدانيين لم تستطع تشكيل بديل لخطاب المعارضة المأزوم والهامشي.
ومما لا شك فيه أن سوء الخطاب المعارض بعموميته لا يمنع من القول إن نفحات صحيحة ومقبولة من الخطاب المعارض ظهرت في العشرية الماضية، على نحو ما ظهر في خطاب تأسيس إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في عام 2005، وفي مؤتمر المعارضة بالقاهرة عام 2012 الذي أقر وثائق القاهرة، وهو واضح في مساعي قوى وتحالفات معارضة، منها الائتلاف الوطني السوري، نحو تطوير خطاب جديد، خطاب جدي ومسؤول، ولديه قدرة على رسم الواقع وتحديد مشكلاته، ووضع الحلول لها، ودفعها على طريق التنفيذ عبر خلق أدوات وآليات تنفيذية، تخرج بالسوريين من الكارثة التي وضعهم فيها نظام الأسد ولا يزال. وليس من حاجة إلى تأكيد أن بؤس وهامشية وكل أمراض الخطاب المعارض ليست قدرا مكتوبا على السوريين وثورتهم ومعارضتهم.

  • شارك الخبر