hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - كمال عبد اللطيف

طريــق التحديث ليس خطياً

الخميس ١٥ آب ٢٠١٤ - 05:44

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

توحي مؤشرات عديدة بنزوع المجتمعات العربية، اليوم، إلى مراجعة ذاتها والانخراط في الحداثة، على الرغم مما يبرزه ظاهر الأحداث في هذه المجتمعات، من وقائع وأحداث تصنع، اليوم، السمات العامة للارتباك الذي يشكل علامة دالة في الراهن العربي.
وإذا كان الظاهر من الوقائع والخطابات التي تملأ الراهن العربي، يكشف تراجعاً كثيراً عن القيم الحداثية التي كنا نعتقد بحصولها ورسوخها في مجتمعاتنا، فإن ما تخفيه الظواهر المشار إليها، ينبئ بضرورة حصول مواجهات عديدة، تمكن من الانخراط في إنجاز معارك مؤجلة في السياسة والثقافة داخل المجتمعات العربية. صحيح أن تجارب التاريخ في السياسة والحرب تعلمنا أن التحولات التي تعرفها المجتمعات الإنسانية ليست دائماً خطيّةً، ولا متصاعدة، بل إنها، في الأغلب الأعم، حلزونية ملتوية، إضافة إلى وجود صعوبات عديدة في الإحاطة بها، وترتيب القواعد التي تحكمها، إلا أننا لم نتعلم من ذلك، ما يحفزني على مواصلة الجهود وتنويعها، في باب المواجهات الهادفة إلى تفكيك التقليد، وبناء بدائله في مختلف مجالات الحياة.
يكشف الارتباك الحاصل في أغلب المجتمعات العربية عن طبيعة المعارك المطروحة أمامنا اليوم. ومن هنا، نتصور أن كل المآزق والأزمات التي عرفها، ويعرفها، العالم العربي في الآونة الأخيرة، في تونس ومصر وسورية وليبيا، يمكن أن تشكل حوافز مساعدة على إطلاق مشاريع جديدة، في مسلسل التحديث الهادف إلى تحقيق مشروع تحقيق شعارات الحراك الاجتماعي، التي أعلنت لزوم إنهاء الاستبداد والفساد.
"
تعلمنا تجارب التاريخ في السياسة والحرب، بأن التحولات التي تعرفها المجتمعات الإنسانية ليست دائما خطية، ولا متصاعدة، بل إنها، في الأغلب الأعم، حلزونية ملتوية
"
ويمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك، فنقول إن المدَّ الذي تعرفه حركات الإسلام السياسي، والحركات التي توظف الإسلام في المعارك السياسية، القائمة بيننا وبين الآخرين، يمنحنا، اليوم، فرصةً ثمينةً لتجاوز سقف النظر السائد في تاريخنا وثقافتنا، لعلنا نتمكن من تعبيد الطريق العربي نحو الحرية والإبداع.
تتيح لنا التحولات الجارية في البلدان التي أشرنا إلى بعضها إمكانية فحص درجات التقليد ومراجعتها، كما مكانة حُرَّاسِه في مجتمعاتنا، وتمكننا من التفكير مجدداً، وفي ضوء معطياتٍ عينية محددة، في كيفيات مواجهة عللنا في السياسة والتاريخ. فقد استأنسنا، طويلاً، بالمواقف السهلة، وألفنا أنماطاً من التأجيل والمماطلة، في النظر إلى مجموعة من القضايا، ورضينا بأنصاف الحلول، تحت ضغط حسابات ومبررات عديدة، بعضها آني، وكثير منها نغمض فيه العين على أمور يشكل استمرارها ما يؤشر على إمكانية استفحالها. فلم يعد هناك مبرر، اليوم، لتأجيلها، وخصوصاً عندما نقرأ ما حصل في المجتمعات العربية، في ضوء السياقات والشروط الموصولة به، في مسلسل الإصلاح السياسي المتعثر في مجتمعاتنا.
ما يقع اليوم أمامنا في البلدان المذكورة يدفعنا أكثر من أي وقت مضى إلى لزوم الحسم القائم على مراجعة تاريخية ونقدية، لمختلف الأوجه التي تروم الحد من قدرتنا على المواجهة والانتصار لقيم التحديث والديمقراطية. ولا شك أن وصول الإسلاميين إلى السلطة قدّم دليلاً آخر على عدم قدرة النخب المتأسلمة على ممارسة العمل السياسي الحكومي بمعايير السياسة والتاريخ، وكشف محدودية رؤيتها وخطابها وتطلعاتها. ونزداد تأكداً من هذا، عندما نعاين عمق الإشكالات التحررية والتنموية التي تتطلع إليها المجموعة العربية في عالم متغير.
وإذا كان واضحاً أن المعارك التي تجري في المجتمعات التي أشرنا إليها مركبة ومعقدة، فإن إنجاز التغيير في التاريخ والمجتمع، لم يكن في أي يوم لا سهلاً ولا بسيطاً. وعندما يكون صراع المصالح والخيارات في قلب حركية المجتمع، ونكون على بيّنة من الخراب الذي مارسته الدولة التسلطية في البلدان المذكورة، ندرك أهمية المعارك المطلوبة لمواجهة أعطابها.
إن الحضور المكثف للحركات الإسلامية وخطاباتها المتناقضة، والاستخدام المكثف لمعطيات دينية كثيرة في علاقتنا بالآخر، وفي علاقتنا بأنفسنا، يشكل مناسبة تاريخيةً ثمينةً للتسريع في مواجهة الأسئلة التي سكتنا عنها طويلاً. فقد آن أوان طرحها، في المجالين الثقافي والسياسي، وبدون تردد ولا مخاتلة، من أجل مواجهة أنفسنا، وترتيب تدبير جديد لمستقبلنا.
نتصور أن استحضار اللغة الدينية في الخطابات السياسية، سواء في العالم الإسلامي أو في العالمين المسيحي واليهودي، يدعونا إلى عدم التخلي عن ممارسة النقد التاريخي والوضعي للخطابات الدينية. كما أن لغة التطرف السياسية العقائدية المتبعة في بعض السياسات، هنا وهناك، تعيدنا إلى منطق في النظر والعمل السياسيين، حصل تجاوزهما في أزمنة خلت. ومعنى هذا أن معاركنا المشتركة، مع أنفسنا ومع الآخرين في كل مكان، في التحديث السياسي، وفي تعميق درجات استيعابنا وتطويرنا لقيم النقد والحرية والتاريخ، ما تزال متواصلةً، بل وما تزال مطلوبةً بصيغ وأساليب جديدة، لعلنا نتمكن من بناء وإعادة بناء الوسائل التي تمكننا من تجاوز منطق العقائد النصية المغلقة في مجال العمل السياسي، لفتح الأبواب أمام لغة سياسية أكثر وفاء لقيم العقل والعدل والتوازن، وهي القيم المشتركة التي نفترض أن مجتمعاتنا مطالبةٌ بإعادة تركيب قواعدها العامة، بروح وضعية مسلّمة بأولوية التعاقد والتوافق، وأهمية التواصل وفاعليته في مجال العلاقات الدولية، مع لزوم الاستفادة من المعطيات الجديدةِ الموصولة بهذا المجال والمتولدة في التاريخ.
 

  • شارك الخبر