hit counter script

مقالات مختارة - حسين مهدي

الإفادات: إشكاليات قانونية لا تنتهي

الثلاثاء ١٥ آب ٢٠١٤ - 06:54

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

الافادة هي اعطاء علم بحصول واقعة أو وجود مستند معيّن. والافادات التي يود وزير التربية الياس بو صعب أن يمنحها لجميع طلاب الشهادة الرسمية، هي مستند يفيد بأن هؤلاء تقدموا بطلباتهم للمشاركة في الامتحانات الرسمية، وبالتالي قدّموا الاثبات على نيتهم تجاوز مرحلة تعليمية كشرط قانوني للترفع الى الصف الأعلى أو الانتساب الى الجامعات.

فهل يصح اعتبار افادات بو صعب بمثابة افادات نجاح للطلاب الذين حصلوا عليها. في الواقع القانوني، الافادة يجب ان تفيد بان «واقعة الامتحانات» قد وقعت، وبان الطلاب قد نجحوا فعلا، أو تؤكد ان «مستندا» معينا موجود، وفي هذه الحالة المستندات هي أوراق المسابقات وعلامات الطلاب، فكيف ستعطى افادات النجاح دون العودة اليها؟
قرار الوزير سيبرر اعطاء الافادات تبعا لـ«الظروف الاستثنائية» أو «القوة القاهرة» بسبب «استحالة» تصحيح المسابقات، وهي استحالة غير اكيدة، طالما ان عدم التصحيح حصل بفعل اضراب المعلمين، بمعنى ان اقرار مطالب المعلمين العالقة في مجلس النواب يجعل التصحيح ممكنا. علما ان قرار اعطاء الافادات مخالف للقانون، ويحتاج الى «قوننة» في المجلس النيابي، إذ إن تفويض الحكومة الوزير اصدار قرار غير كاف، هو غطاء شكلي، ولا سيما في ظل العديد من الثغر التي يُفترض ان يعالجها القانون عند صدوره، علما أن القرارات لا يمكنها أن تتعارض مع القوانين النافذة، وفي هذه الحالة قانون التعليم العالي.
مشروع القانون الذي أعده بو صعب، يرمي تعب الطلاب طوال عام كامل، فينص على إتلاف المسابقات، والهدف من ذلك إتلاف المستند المفترض أساسا أن يكون مرجع افادة النجاح، التي سيحصل عليها الطالب، ليصبح القانون العتيد نفسه هو المرجع الوحيد. هنا يلفت الرئيس السابق للجامعة اللبنانية زهير شكر الى عدم أحقية إتلاف المسابقات قبل صدور القانون، وانتهاء المهلة المخصصة للمراجعة أمام المجلس الدستوري. وقال شكر في حديث لـ«الأخبار» إن القانون العتيد يجب أن يشمل عدة مسائل تتعلق بطريقة تعاطي المؤسسات المختلفة مع حاملي الافادة.
الاشكالية هنا تتعلق بالاخلال بمبدأ المساواة أمام الوظيفة العامة، تحديدا التي تتطلب الشهادة الرسمية (ومعدلا معيّنا) كشرط للتقدم اليها، بحسب ما يشرح المحامي بول مرقص، الذي يرجح أن يحصل حاملو الافادات على امتياز التقدم الى كافة الوظائف، حتى التي تتطلب معدل علامات معيّنا، والا يكون المجلس النيابي قد حرم الجميع ذلك.
يتحدث مرقص عن ضرورة صدور القانون المتعلق بالافادات ليملأ كل هذه الثغر التي ستنشأ حكما بفعل اصدار الافادات. ومنها اشكاليات الانتساب الى بعض نقابات المهن الحرة، التي تفرض توافر الشهادة الثانوية العامة. الافادة لا يمكنها أن تغني عن الشهادة بحسب التربوي هنري العويط، والمشكلة انها لا تحمل طابعا مؤقتا للدخول الى الجامعة، بل طابعا نهائيا من شأنه ضرب التعليم، والطلاب هم الضحية، الطلاب الذين سيدخلون الى الجامعات، ويترفعّون في صفوفهم بورقة افادة «ناقصة قانونا»، ولا شرعية لها وستسبب حكما اشكاليات قانونية حتى بعد قوننتها في المجلس النيابي.
الجامعات في لبنان، غير التجارية منها، تعطى أولوية دخول الطالب اليها في اختصاصات معينة تبعا لمعدل علاماته، اضافة الى الشروط الأخرى، ما سيلغي المنحى التنافسي العلمي في الدخول الى الجامعات. في حالة الافادة ستخسر الجامعات قدرة التقويم بحسب علامات الطالب، وستستفيد الجامعات الخاصة «ذات الطابع التجاري» بحسب وضاح نصر أستاذ دائرة الفلسفة في الجامعة الأميركية، الذي رأى أن هذه الجامعات «التجارية» لا مشكلة لديها في استقبال الطلاب باختلاف مستواهم، فمسألة عدم القدرة على التقويم الصحيح للطالب ستخفض فرصة العديد من التلاميذ ذوي المستوى الجيد من دخول الجامعات «الجيدة»، وتضطرهم الى اللجوء الى «الدكاكين الجامعية».
يشرح نصر أن الظلم الأكبر يقع عند مساواة جميع الطلاب، فيخسرون فرص حصولهم على المنح الدراسية والمساعدات المالية داخل لبنان وخارجه، فمعظم الجامعات تقدم المساعدات المالية إلى الطالب المتفوق في الشهادة الرسمية، الحال نفسه بالنسبة إلى المؤسسات التي تقدم منحا دراسية كاملة أو جزئية للمتفوقين للدراسة داخل لبنان وخارجه أيضا. الافادة ستعاقب هؤلاء، وسيضيق باب التخصص خارج لبنان، فالعديد من الجامعات هناك لن تعترف بالافادات، والثقة ستفقد بالشهادة الرسمية اللبنانية. لعل التعليم المهني هو المتضرر الأكبر من الافادات، اذ يعتمد بمجمل اختصاصاته على علامات الامتحانات التطبيقية، والعلامات الملغاة تحرم الطالب الترفّع، لكن في حالة الافادات سينجحون بخلاف القوانين. المشكلة أنّ المؤسسات وشركات التوظيف ستفقد ثقتها بحاملي افادات المهني والتقني، وخصوصا أن نسبة النجاح عادة لا تفوق الـ 40 %، فعدد كبير من المعاهد دون المستوى.
الوزير رفض اقتراح تحييد التعليم المهني عن الافادات، برغم أن رئيس رابطته ايلي خليفة قال إنه لا حاجة للاستعجال «فلا جامعات تنتظرنا». الممرضون مثلا، الذين لا ينجح منهم أكثر من 40 % أصبحوا جميعا ناجحين ويُسمح لهم بمزاولة المهنة.

  • شارك الخبر