hit counter script

مقالات مختارة - بدر الإبراهيم

السلطان أردوغان في الساحة العربية

الثلاثاء ١٥ آب ٢٠١٤ - 06:24

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

يخطب رجب طيب أردوغان بحماسة في ساحات إسطنبول، فتصيب الإخوان المسلمين، ومن يدور في فلكهم، في الوطن العربي، نشوةٌ عارمة. الإسلاميون العرب من مؤيدي الزعيم التركي، يعبرون عن فرحة كبيرة، بعد كل انتصار انتخابي، يحققه أردوغان وحزبه، العدالة والتنمية، في تركيا، وبعضهم تأخذه النشوة إلى الاستنتاج بأن انتصاره انتصارٌ للربيع العربي. يبرر هؤلاء حماستهم تلك بكيل المدائح لنهج أردوغان في المنطقة، ومواقفه من القضايا العربية، والقضية الفلسطينية بالذات، لكن فحص هذه المواقف يشير إلى حجم المبالغة في تقدير أردوغان عربياً.
النقاش حول أردوغان ونهجه ومواقفه، يأخذ صيغةً حدِّية في العالم العربي، ويخلط بين السياسات الداخلية والخارجية، وهذا تعبيرٌ عن صراعات المحاور في المنطقة، بالإضافة إلى الاشتباك العلماني الإسلامي في الواقع العربي. لذلك، إذا أردنا مناقشة أردوغان، من وجهة نظرٍ تتعلق بالمصالح العربية، فلابد من تنحية النقاش حول النموذج الذي يقدمه في الداخل التركي جانباً.
يمكن الحديث باستفاضة حول نجاح أردوغان وحزبه في تقديم نموذج "إسلامي" متصالح مع العلمانية، بالفصل بين الدعوي والسياسي، وتحقيق إنجازات اقتصادية كبيرة بالخلاص من الديون، وتحقيق مستويات نمو عالية، وزيادة دخل الفرد. يمكن، أيضاً، طرح مسألة تعزيز الحزب صراعات الهوية داخل تركيا، والحديث عن سجله السيئ في قضايا الحريات، من سجن الصحافيين، إلى السعي إلى حجب موقع "تويتر"، لكن هذا النموذج في الداخل التركي لا يهم، بقدر أهمية تقييم النموذج التركي في السياسة الخارجية، وفي الملفات العربية.
يقول أردوغان وداود أوغلو بوضوح إن حزبهما يمثل "العثمانيين الجدد"، وإن إرث سلاطين بني عثمان آل إليهم، ولابد من ملاحظة ما تثيره العثمانية من حساسية تاريخية، تتعلق بالتضاد مع الطموح العربي القومي، لكن الأهم أن العثمانيين الجدد لا يقطعون مع إرث دولة أتاتورك، في التموضع داخل الحلف الغربي، فقد بقيت تركيا ضمن حلف الناتو، وسعى أردوغان بشدة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت عينه، انفتح على المنطقة وملفاتها، راغباً في لعب دور أساسي فيها.
"أنصار أردوغان يقرأون سياسته الخارجية، باعتبارها منحازة لقضايا العرب، ويشيرون إلى اتخاذه مساراً تصاعدياً، يصل إلى الصدام مع إسرائيل. هذا تحليل رغبوي لا يستند إلى الوقائع، والمسألة، ببساطة، أن رغبة أردوغان في إبقاء التحالف راسخاً مع الغرب، لا تسمح بمواجهة إسرائيل والصدام معها"

أنصار أردوغان يقرأون سياسته الخارجية، باعتبارها منحازة لقضايا العرب، ويشيرون إلى اتخاذه مساراً تصاعدياً، يصل إلى الصدام مع إسرائيل. هذا تحليل رغبوي لا يستند إلى الوقائع، والمسألة، ببساطة، أن رغبة أردوغان في إبقاء التحالف راسخاً مع الغرب، لا تسمح بمواجهة إسرائيل والصدام معها، وأكثر ما تسمح به توترٌ محدد السقف، ونبرةٌ خطابية عالية، كالتي نشهدها من أردوغان، من دون تغيير جوهري على مستوى العلاقة مع إسرائيل، أو رؤيتها عدواً لتركيا.
العودة إلى الأرقام والمؤشرات مفيدة في هذا الإطار، فبعد وصول أردوغان إلى السلطة عام 2002 لم تتراجع العلاقات التركية الإسرائيلية، كما تفترض رواية الأردوغانيين العرب، بل حصل تقدم كبير على مستوى التبادل التجاري، إذ قفز حجمه من 1.3 مليار في 2002، إلى اثنين ونصف مليار دولار في 2009، بحسب أرقام مركز الإحصاء التركي، وتوالت الاتفاقيات العسكرية بين حكومة أردوغان والإسرائيليين، ووصل حجم التجارة العسكرية بينهما عام 2007 إلى 1.8 مليار دولار، وباتت إسرائيل المَصْدَر الثاني للتقنية العسكرية المصدرة إلى تركيا، بعد الولايات المتحدة. أما على صعيد العلاقات السياسية والدبلوماسية، فقد استمرت بالتطور، ووصلت إلى الذروة عام 2007، بدعوة الرئيس الإسرائيلي حينذاك، شيمون بيريز، لإلقاء كلمة أمام البرلمان التركي، في سابقة هي الأولى من نوعها في بلدٍ أغلبية سكانه من المسلمين.
توترت العلاقات بعد العدوان الإسرائيلي على غزة أواخر عام 2008، وارتفع صوت أردوغان في شجب الأفعال الإسرائيلية، وتفاقمت المشكلة بسبب الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة، لكن حجم التبادل التجاري ظل في ازدياد مستمر، وزاد بنحو الثلث في الأشهر السبعة الأولى من عام 2010، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2009، وبلغ في النصف الأول من العام الحالي 2.1 مليار دولار، مقابل 2.5- 3 مليارات دولار طوال عام 2010. أيضاً حصل تعاون عسكري عام 2013، على الرغم من الحديث عن تجميد العلاقات، وقبل اعتذار نتنياهو وقبول أردوغان اعتذاره، عبر تزويد شركة إيلتا الإسرائيلية تركيا بأجهزة إلكترونية متطورة، ترفع مستوى قدرات طائرات الإنذار، في سلاح الجو التركي.
لم يوقف أردوغان التبادل التجاري، ولم يلغ التعاون العسكري، ولا حتى قام بقطعٍ كامل للعلاقات الدبلوماسية كما فعلت فنزويلا مثلاً، ولم يلوِّح بذلك للضغط من أجل وقف الاستيطان، ومنع تهويد القدس. مشروع أردوغان هو إقناع الغرب بتسوية أكثر إنصافاً مع إسرائيل، تشترك فيها حماس (دعا إلى ذلك علناً)، وإقناع الإسلاميين العرب بتبني النموذج التركي، المتحالف مع الغرب، والذي يحقق تنمية اقتصادية، لينتخبه الناس في كل مرة. ولا علاقة لهذا المشروع بخيارات تحدّي الغرب، أو مقاومة إسرائيل، كما تصوِّر لنا رواية أنصار أردوغان.
بحسابات المصالح العربية، تركيا جارة، قد نتفق معها في بعض القضايا، وقد نختلف في قضايا كثيرة (منها انتهاك الجيش التركي سيادة العراق براً وجواً في السنوات الماضية)، أما بحسابات الأيديولوجيا، ومصالح الطائفة، فأردوغان هو البطل المنتظر، المنقذ من الوهن والهزيمة، والقادر على تغيير المعادلات لصالح (فريقه) من العرب.
 

  • شارك الخبر