hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - خليل العناني

"عسكرة" الثورة المصرية

الثلاثاء ١٥ آب ٢٠١٤ - 06:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

كما كان متوقعاً، لم تمر الذكرى الأولى لمذبحتي "رابعة" و"النهضة" في مصر بهدوء، وإنما صاحبها الإعلان، لأول مرة، عن قيام تشكيلين، أو تنظيمين، مسلحين، الأول "حركة المقاومة الشعبية-مصر"، والثاني "كتائب حلوان المسلحة". كلا التنظيمين نشرا فيديوهات وبيانات تدشن قيامهما، ويتوعدان فيهما الشرطة والجيش المصري بالقصاص للانتهاكات التي يتعرض لها المتظاهرون والمعتقلون. وقد نفى كلا التنظيمين (خاصة كتائب حلوان) انتماءهما لأي فصيل سياسي أو أيديولوجي، خصوصاً جماعة "الإخوان المسلمين" التي نفت بدورها أية علاقة بهما، ورفضت منهجهما العنيف.
تقييم أولي لظهور هذه التنظيمات يكشف عن ملاحظات عدة، أولها أنها تنظيمات "غير مؤدلجة" عنفياً، وإنما مدفوعة، إلى حد بعيد، بالرغبة فى الثأر والانتقام من النظام الحالي، كرد فعل لحملات الكراهية والاقصاء والقمع والملاحقة والتشويه التي يمارسها الإعلام، الرسمي والخاص، ضدهم على مدار الساعة. وهذه التنظيمات تستثمر في حالة الغضب المنتشرة في أوساط الإسلاميين، وتحاول استقطاب أكبر عدد من المتعاطفين، والرافضين للنهج السلمي فى الاحتجاج والتظاهر ضد النظام القائم فى مصر.
ثانيها، إنها تنظيمات "هواة" وليسوا محترفي عنف، أو مواجهة مسلحة مع الدولة. وهو ما يبدو جلياً من لغة ومضمون ومفردات الخطاب والبيانات التي ألقاها هؤلاء، والتي تشير إلى أنهم لا يتمتعون بقدر عالٍ من الخبرة التنظيمية، أو العمق الأيديولوجي المفترض فى هكذا تنظيمات. وبالتالي، فإن تأثيرها على الأرض لن يكون بدرجة التنظيمات الأخرى نفسها، الأكثر خبرة ودراية. نقول ذلك مع التشديد على أن عدم "الاحترافية" الميدانية لهؤلاء قد يكون سبباً مهماً فى انتشارهم وترويج أفكارهم، خصوصاً إذا نجحوا فى القيام بعمليات نوعية. كما أنهم يستخدمون لغة تتلامس مع لغة كثير من الشباب المحبط واليائس، ما قد يكون دافعاً الى توسيع قاعدة أعضائهم ومؤيديهم.
ثالثها، إن هذه التنظيمات مدفوعة برؤية "رومانسية" وحالمة، تعتقد أن العنف والسلاح هو الطريق الوحيد لمواجهة النظام الحالي وإسقاطه، في حرب استنزاف طويلة المدى، تؤثر عليه مؤسسياً واقتصادياً. بعضها يستحضر تجربة "الثورة الإيرانية" التي ظلت تستنزف نظام الشاه أكثر من عام، ما أدى، في النهاية، إلى سقوطه في أيدي رجال الدين بزعامة الخميني. والبعض الآخر يستبطن نموذج "حركات التمرد" التي ظهرت فى أميركا الوسطى واللاتينية بين الخمسينيات والسبعينيات، ونجح بعضها وفشل بعضها الآخر، في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية. والأكثر من ذلك، لربما أصيبت هذه التنظيمات بنوع من "النشوة" بعد انتصارات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسورية، وصمود المقاومة الفلسطينية فى غزة، لذا، تحاول تقليدها، والسعى على دربها من أجل تحقيق إنجاز مماثل.
"ظهور مثل هذه التنظيمات، أو التعاطف معها، يمثل فرصة ذهبية للنظام الحالي، من أجل تبرير عملية القمع والاقصاء وتأميم المجال العام التي يقوم بها في مصر. كما أنها توفر له غطاء شرعياً وأخلاقياً، من أجل ممارسة العنف الدولتي ضد كل مخالفيه"

وعلى عكس ما قد يعتقد بعضهم، فإن ظهور مثل هذه التنظيمات، أو التعاطف معها، يمثل فرصة ذهبية للنظام الحالي، من أجل تبرير عملية القمع والاقصاء وتأميم المجال العام التي يقوم بها في مصر. كما أنها توفر له غطاء شرعياً وأخلاقياً، من أجل ممارسة العنف الدولتي ضد كل مخالفيه، تحت مبرر حماية الدولة ومواجهة الإرهاب. الأكثر من ذلك، إن من مصلحة هذا النظام "عسكرة" الثورة المصرية، وشيطنة أي حراك سلمي، يسعى إلى التغيير، من خلال تصويره على أنه خروج على الدولة والمجتمع، ما يستدعي محاربته وقمعه، مثلما حدث، ولا يزال، في سورية وليبيا والعراق. وهو، أيضاً، ما حدث، من قبل، في الجزائر خلال التسعينيات. ولعل من أهم الأسباب الرئيسية التي قد تفسر صمت الجزائريين على النظام السلطوي الذي دشنه الرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، وعدم السعي إلى إسقاطه، هو الخبرة الدموية المؤلمة للتسعينيات، والتي راح ضحيتها عشرات آلاف القتلي والجرحى.
الأكثر من ذلك، خبرة التنظيمات العنيفة والمسلحة أظهرت الدولة المصرية فاشلة وقاسية، لم تفلح فيها الجماعات الأكثر خبرة وتنظيماً ودراية من تحقيق أهدافها. فقد آلت كل محاولات إسقاط نظام حسني مبارك بالقوة المسلحة بالفشل الذريع، على نحو ما حدث في تجربتي "الجماعة الإسلامية" و"تنظيم الجهاد"، اللتين ساهمتها فى ترسيخ نظام مبارك، خصوصاً بعد المحاولة الفاشلة لاغتياله في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، عام 1996، والتي استثمرها مبارك بشكل ذكي وكبير، من أجل دعم شرعيته، وبقائه في السلطة أكثر من عقد بعد ذلك.
ليست هذه التنظيمات الوحيدة التي ظهرت، في الفترة الماضية، فقد ظهرت من قبلها تنظيمات أخرى، أكثر عنفاً وتنظيماً، مثل جماعة "أنصار بيت المقدس" وتنظيم "أجناد مصر" وحركة "مولوتوف" التي كانت تستهدف عربات الشرطة وأقسامها. بعض هذه التنظيمات اختفى، سواء بسبب ملاحقة والقبض على أعضائها، أو بسبب عدم وجود دعم شعبي، أو حاضنة اجتماعية لها. وهو الأمر نفسه المتوقع مع التنظيمات والحركات الجديدة التي ظهرت قبل أيام قليلة.
إن "عسكرة الثورات" بمثابة إكسير حياة للمستبدين وأنظمتهم السلطوية. ومهما كان ارتفاع الثمن الذي يتم دفعه، بسبب الحراك والتظاهر السلمي ضد هذه الأنظمة، إلا أنه يظل الحل الأنجع والأفضل على المدى الطويل، من أجل نزع الشرعية عن هذه الأنظمة، وكشف حقيقتها أمام الشعوب، حتى يتم إسقاطها.
 

  • شارك الخبر