hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

عرسال : بين معارك الشرف و" معارك قلة الشرف "

الإثنين ١٥ آب ٢٠١٤ - 08:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

قدر الجيش اللبناني ان يكون دائماً في الخطوط الامامية وفي مواجهة التحديات والمخاطر والامتحانات الصعبة. ولعل الامتحان الاخير الذي خاضه في عرسال كان الاصعب والاقسى والاخطر. فما حدث هناك لم يكن عرضياً وابن ساعته بل كان مخططاً له بدقة متناهية وعندما تعرضت كل مراكز الجيش لهجوم شامل ومباغت في وقت واحد على يد مجموعات ارهابية مسلحة ارادت دحر الجيش واخراجه من عرسال للانتقال الى المرحلة الثانية من هذه الخطة الهادفة الى اشعال نار الفتنة الشيعية – السنية انطلاقاً من البلدات الشيعية المجاورة لعرسال واولها اللبوة، ومن ثم توسيع مسرح الفوضى الامنية والفلتان المسلح لخلق وضع جديد في بعض المناطق اللبنانية يؤمن وصول الجماعات الارهابية والتكفيرية الى المنفذ البحري.
ورغم الهجوم المفاجىء والعنيف، تمكن الجيش اللبناني من استعادة زمام المبادرة على الارض كما استعاد كل المواقع التي خسرها لبعض الوقت بعد عملية الغدر التي نفذها تنظيمي داعش والنصرة بمشاركة عدد كبير من النازحين السوريين المسلحين والتابعين لهذين التنظيمين والمتواجدين في مخيم للنازحين داخل عرسال حيث خاض أفراد وضباط الجيش اللبناني مواجهة شرسة استبسلوا فيها موقعين في صفوف الارهابيين خسائر كبيرة . وعندما وجد المهاجمون ان خطتهم فشلت في تحقيق اهدافها بعدما أنزل بهم فوج المغاوير وفوج المجوقل واللواء الثامن خسائر فادحة وعرفوا بانهم سيكونوا محاصرين وان سكان عرسال يرفضونهم ويعتبرونهم غير مرغوب بهم بعدما انقلب من يفترض بهم ان يكونوا ضيوف الى محتلين وغزاة ومن نازحين الى مسلحين. عندها عمد هؤلاء الى الانسحاب من عرسال باتجاه الجرود. واما الرهائن العسكريون الذين اختطفوهم في بداية المعركة فاخذوا في اليوم الأول الى الجرود والمغاور الوعرة والبعيدة في القلمون السورية كرهائن.
صحيح ان الارهابيين استطاعوا خطف بعض العسكريين عندما غدروا بالجيش وهاجموا مراكزه لكنهم فشلوا في اخذ اهل عرسال دروعاً بشرية وذلك بفضل الجيش وحزمه ووعيه وتصميمه على ابقاء عرسال بلدة لبنانية خطأها انها فتحت ابوابها واستقبلت نازحين كضيوف وتحولوا إلى مسلحين غدروا بها وبالجيش اللبناني .
لو لم يصمد الجيش في عرسال ويدحر هؤلاء الارهابيين ، ولو اصابه ما اصاب الجيش العراقي من انهيار معنوي وميداني في مواجهة " داعش " في مناطق عراقية كثيرة ، لكان على لبنان السلام ولكان كل ما ينعم به ويميزه عن محيطه من استقرار مقبول ووحدة وطنية " في خبر كان" ، ولكانت الفتنة التي جهد الجميع لسنوات في منع انتقالها وتمددها من سوريا إلى أرضه تنهش الآن الجسم اللبناني ولكان لبنان قد دخل في النفق المظلم الذي لا يعرف كيف واين ينتهي ولا نرى فيه بصيص نور وبارقة أمل ... نعم لقد قاتل الجيش اللبناني البطل باللحم الحيّ وبامكانات متواضعة لكن ببسالة قل نظيرها في مواجهة جماعات ارهابية مسلحة ومدربة ومجهزة باسلحة متطورة . ونجح رغم الظروف الصعبة للمعركة في احتواء الهجوم وافشال المخطط الارهابي الذي كان مرسوماً للبنان .
 لكن ما يدمي القلب ويجعلنا غاضبين انه وفيما كان الجيش يخوض أشرس المعارك تعرض لهجمات وانتقادات من بعض النواب وبعض وسائل الاعلام ، وخصوصآ تلك التي صدرت أبان المعركة وكانت فعل خيانة وكطعن للجيش في ظهره ومن الجبهة الداخلية التي يفترض ان تكون جبهة دعم ومساندة في المطلق ولا تشوبها شائبة.
فإذا كان توجيه ملاحظات ونقداً للجيش في بعض الاحيان والايام الطبيعية أمراً مقبولاً لكنه خلال المعركة التي شهدناها مؤخراً هو امر ممنوع وغير مسموح، خصوصاً ان هذه الانتقادات قد خرجت عن كل واقع ومنطق وتحولت إلى انتقادات تطال الشعور الوطني وتشعل نار المذهبية والطائفية. ان ما قيل على لسان بعض النواب تحديداً هو كلام غير مقبول لا بل هو كلام مستنكر ومستهجن ومدان، ومكمل بطريقة أو بأخرى للهجوم الارهابي الذي شنته داعش وبعض النازحين الذين استضفناهم على ارضنا والذي يهدف الى ضرب المؤسسة العسكرية وهيبتها ودورها وازاحة الحاجز والعائق الذي يحول دون تفشي الفتنة الطائفية والمذهبية وتؤدي الى انفجار الوضع في لبنان.
كما حاول طرف سياسي آخر ولاسباب معروفة ان ياخذ على الجيش انه لم يعمد إلى حسم الوضع عسكرياً في عرسال الخ ... ان هؤلاء يغفلون عن قصد وعن سابق تصور وتصميم الوقائع الذي يجعل الحسم امراً صعباً في منطقة جردية حدودية شاسعة تمتد لمسافة عشرات الكيلومترات، وترتب كلفة وخسائر بشرية في منطقة كعرسال مكتظة بالآف النازحين السوريين إضافة إلى سكانها اللبنانيين خصوصاً الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا بد وان يكون ضمان سلامتهم أولوية عند الجيش الذي كان كل همه تحرير عرسال وجرودها من المسلحين الارهابيين . وبالنتيجة فان ما كان ينوي الجيش فعله عسكرياً أي طرد الارهابيين إلى خارج الحدود اللبنانية حصل وتحررت عرسال من هؤلاء وعادت إلى كنف الدولة وتحت رعايتها من دون تكلفة إضافية في صفوف الجنود والضباط نتيجة المفاوضات غير المباشرة التي أجراها رئيس الحكومة ووزيرا الداخلية والعدل مع الارهابيين بواسطة العلماء المسلمين وكذلك نتيجة لحزم الجيش في المعركة وتحقيقه اصابات مباشرة في صفوف الارهابيين، وانتهت بخروج المسلحين مهزومين من عرسال وجرودها وكانت النتيجة تحرير عرسال وجرودها لكن بخسائر اقل في صفوف الضباط والعسكريين .
كذلك حاول هؤلاء ايضاً القول ان استعادة عرسال حصلت استناداً إلى تسوية مذلة وناقصة سمحت للارهابيين بالمغادرة ومعهم الجنود المختطفون، وأدت إلى الافراج عن عرسال من دون الافراج عن العسكريين، ان هؤلاء يحوّرون الوقائع بشكل متعمد ومسيء وكاذب ولأهداف في" نفس يعقوب " خصوصاً انهم يعرفون ان عملية حجز العسكريين حصلت في الساعات الأولى للهجوم الغادر وجرى نقل الجنود في اللحظة ذاتها إلى أماكن بعيدة في الجرود السورية. وقيادة الجيش تخوض ومنذ اللحظات الاولى لهذا الاسر معركة استعادة العسكريين بكل الوسائل الممكنة ولن يهدأ لها بال حتى فكّ اسرهم واعادتهم إلى بيوتهم وعائلاتهم. وانها ليست في صدد المساومة على مصيرهم وعلى كرامة الجيش أو الخضوع إلى شروط الارهابيين وإلى عملية الضغط والابتزاز التي يقومون بها.
لقد حاول هؤلاء اطلاق النار سياسياً واعلامياً على العماد قهوجي متوهمين ان هذا هو الوقت المناسب وهذه هي الطريقة الفضلى للنيل منه وقطع الطريق عليه كإسم محتمل لرئاسة الجمهورية وضرب فرصه في الوصول إلى قصر بعبدا، مع ان العماد قهوجي لم يقل يوماً انه مرشح للرئاسة ولم يتصرف يوماً على هذا الأساس.
لقد اخطاء هؤلاء العنوان لان العماد جان قهوجي لم ولن يؤثر فيه ترهيب وضغط وابتزاز، وهو ثابت على مواقفه وقناعاته مهما اشتدت عليه حملات التجني ومهما غالى السيئون والمسيئون في حقدهم وغيّهم وهو يقوم بواجباته كقائد للجيش ومسؤول عن امن كل اللبنانيين ونقطة على السطر .
الخطأ الوحيد الذي ارتكبه العماد جان قهوجي لشن هذه الحرب الشعواء عليه هو طرح اسمه كمرشح محتمل من بين اسماء اخرى لرئاسة الجمهورية وهذا هو السبب الوحيد لاستغلال احداث عرسال ضده من قبل بعض المسترئسين وكان الرئاسة مصممة على قياس هؤلاء الاشخاص فقط .
العماد قهوجي وضع كل الحملات الظالمة والتجني الذي طاله خلال المعركة خلف ظهره وكان همه الاساسي الدفاع عن الوطن وحماية شعبه فقاد معركة عرسال بكل حزم ووطنية وأدار المعركة بكل حرفية عسكرية وخبرة وكان على اتصال مباشر بالضباط الموجودين على الجبهة لحظة بلحظة وكان يعطي توجيهاته وأوامره من اجل حسم المعركة وادار العمليات العسكرية شخصياً بكل مسؤولية واقدام واضعاً نصب عينيه كيفية الحفاظ على ارواح العسكريين وحماية المدنيين الابرياء .
وهنا من حقي كمواطن لبناني منذ اكثر من عشرة سنوات أن اطرح على هؤلاء بعض الأسئلة :
- هل تخاذل العماد قهوجي اثناء هذه المعركة ؟ ام هل ترك ضباطه وجنوده في أرض المعركة يقاتلون وحدهم وهرب طالباً اللجوء السياسي حتى يستحق هذه الحملات الجائرة ؟
- سؤال آخر لا بد من طرحه ايضاً ... هل الجيش والعماد قهوجي فاوضا الارهابيين أم ان السلطة السياسية الممثلة بمجلس الوزراء مجتمعاً والذي يضم معظم القوى السياسية اللبنانية هي من تولت التفاوض مع العلماء المسلمين؟
- والسؤال الاهم هل يأتمر العماد قهوجي والجيش بأوامر السلطة السياسية أم ان قهوجي " فاتح دكانة على حسابو " ؟
لم تقف "افلام" وفبركات هؤلاء هنا بل عمدوا وبكل أسف إلى محاولة دق أسفين وإيجاد شروخ وثغر وتناقضات بين الأفواج المقاتلة والضباط في عرسال وبطريقة سخيفة وصبيانية متناسين ان المؤسسة العسكرية هي مدرسة الانضباط ومتناسين ايضاً وايضاً ان الضباط والجنود المشاركين في هذه المعركة هم من أشرف وافضل الضباط والجنود في الجيش اللبناني على المستوى العسكري ومن اكثرهم انضباطية والتزاماً بالمؤسسة العسكرية.
انها اسئلة ووقائع اضعها برسم اللبنانيين تاركاً لكم الحكم على ذلك , لان السكوت عن الظلم والتجني مشاركة فيهما .
أنه لمن المؤسف والمؤلم ان ينبري هؤلاء للنيل من قائد الجيش والزج به في متاهات رخيصة ، في هذه الايام الحساسة والخطرة التي تضع مصير الوطن كله على المحك وعلى كف عفريت، متناسين ان الوقت ليس وقت البحث عن مصالحهم الخاصة وطموحاتهم الرئاسية والاستثمار السياسي والمناكفات والمماحكات. فالوقت هو وقت الالتفاف حول الجيش وقائده وتأمين الحماية السياسية له وتوفير كل الدعم العملي المطلوب له وتعزيز قدراته عتاداً وتجهيزاً وسلاحاً ...
إلى هؤلاء المسترئسين اقول احترموا دماء الشهداء وتذكروا القول المأثور( من طالب بالشيء قبل اوانه عوقب بحرمانه).
فاذا كنتم غير قادرين على دعم الجيش وقائده بسبب طموحاتكم ، على الأقل لا تسيئوا إليهم باقوالكم وفبركاتكم وكفّوا السنتكم و " حلّوا " عنهم ودعوهم وشأنهم يقومون بدورهم كاملاً خصوصاً بعدما تبين بما لا يقبل الشك انكم غافلون عن دوركم ومسؤولياتكم الأساسية تجاه شعبكم ( وعامية قلبكم هل الكرسي ).
 

  • شارك الخبر