hit counter script

مقالات مختارة - ناصر زيدان

الرئاسة المخطوفة

الجمعة ١٥ آب ٢٠١٤ - 06:38

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الانباء الكويتية

للمرة العاشرة يفشل مجلس النواب اللبناني في إنتخاب رئيس للجمهورية، وحضور النواب الى القاعة العامة يتناقص مرةً بعد مرة، فلم يتجاوز عدد الحاضرين في جلسة الثلاثاء في 12/8/2014 ال 60 نائباً من اصل 128، والسبب دائماً واحد، وهو مقاطعة نواب حزب الله وحلفائهم اضافةً الى نواب تكتل التغيير والاصلاح الذي يترأسه المرشح العماد ميشال عون.
تعطيل جلسات الانتخاب اصبح ثقيلاً على الحياة السياسية اللبنانية، وتكاد عملية تأجيل الجلسات – التي امتدت هذه المرة الى 2/9/2014 – توُلِّد يأساً لدى جمهور المواطنيين، وتُزيدُ الاحباط الذي يعيشونه من جراء الازمات المُتعددة، والمُتلاحقة ... من المطالب المعيشية والحياتية المُلحَّة مروراً بشحِ المياه وانقطاع الكهرباء، وصولاً الى المخاطر الامنية الكبيرة، وآخرها ما حصل في عرسال، وولَّد تداعياتٍ واسعة، خصوصاً موضوع المُخططفين من افراد الجيش وقوى الامن الداخلي.
هؤلاء المخطوفين اصبحوا بمثابة الرهائن عند المُعتدين الذين هاجموا عرسال من وراء الحدود السورية، وتحولوا الى ما يُشبه "قضية اعزاز جديدة" ولكن مع فارق ان مخطوفي اعزاز المُحررين العام الماضي، كانوا من طائفة واحدة، بينما المخطوفين العسكريين اليوم ينتمون الى عدة طوائف. وتداعيات الخطف حدثٌ يومي لا يمكن تجاهله، او القفز فوقه، نظراً لما له من تأثيرات وطنية، وحيث ان اهالي العسكريين يتحركون يومياً، ويقطعون الطرقات طلباً للإفراج عن ذويهم، اضافة الى اعتبار قائد الجيش العماد جان قهوجي ان قضية استرجاع هؤلاء المفقودين تتقدم على ما عداها من القضايا.
مما لا شك فيه ان حجم الملفات التي تُحدق بالمساحة اللبنانية كبيرٌ جداً، وقدرة الوطن الصغير المحدودة، لا تتمكن من مواجهتا مُنفردة، ويد المساعدة لم تمتد اليه كما يُفترض. فلولا الهِبة المالية السعودية، وبعض التضامن الاعلامي من سفراء الدول الكبرى، يمكن القول: ان لبنان متروك في مواجهة العواصف العاتية القادمة من المُحيط المُلتهب. بل اكثر من ذلك، فإن اوساط سياسية مُتابعة، ترى ان بعض القوى الدولية والاقليمية المُؤثرة على الساحة اللبنانية، تُشجع المُعرقلين، وتشدُّ ازر الذين لا يسهلون حلحلة الملفاة العالقة.
ومن ابرز الملفات العالقة في لبنان، موضوع الشغور الحاصل في موقع رئاسة الجمهورية منذ 25 ايار/مايو الماضي، والامر في منتهى الخطورة لكون الموقع يمثِلُ رمزية للبنانيين جميعاً، وعند المسيحيين بشكلٍ خاص، اضافةً الى الحاجة الدستورية لهذا الموقِع، كون مجلس الوزراء مُجتمعاً، لايمكن له ان يقوم بالمهام الرئاسية لفترة طويلة، لأن الاجماع ليس مقاربة واقعية في الانظمة الديمقراطية، فالنظام الاكثري يبقى الاصلح لتسيير عجلة الدولة، ولا يمكن الركون دائماً الى التوافق الكامل، كما هو عليه الامر اليوم في مجلس الوزراء، رغم الحِكمة المُتناهية التي يتصرَّف بموجبها رئيس الحكومة تمام سلام.
الاوساط السياسية المتابعة لما يجري، ترى ان رئاسة الجمهورية مخطوفة، والخاطفين معلومين ومجهولين في آنٍ واحد.
ان تعطيل العملية الانتخابية قرارٌ مُعلن عند القوى التي تريد العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وشعار "الحل بعودة الحق لأصحابهِ" – في اشارة الى حق العماد ميشال عون بتولي منصب رئاسة الجمهورية، لكونة يترأس اكبر كتلة نيابية مسيحية - يُخفي مغامرة غير محسوبة، يمكن لها ان تؤسس لمقاربات خطيرة في ظلِّ هذه الاوضاع البالغة التعقيد التي يواجهها اللبنانيون بشكلٍ عام، والمسيحيون بشكلٍ خاص.
قرار اختطاف الرئاسة اللبنانية يبدو انه يحظى بتأييد قوى سياسية محلية واقليمية نافذة، لأن القوى التي يمكن ان تؤثر على موقف العماد عون، لاتُحرِّك ساكناً لتسهيل الامور، وبالتالي اقناعه بالعمل على فكفكة الانحباس المُخيف، دون ان يعني ذلك تقديم انتصارات للطرف الآخر. ذلك ان واقع الحال يُبيِّن ان الاستحالتين تواجه الطرفين على حدٍ سواء. بقدر ما تبيِّن هذه الوقائع استحالة وصول مُرشح قوى 14 آذار للرئاسة، على نفس القدر هناك موانع فعلية تمنع وصول مرشح قوى 8 آذار للرئاسة.
ان المساعي التي قام بها رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط في اتجاه ايجاد مخارج للإنسداد القائم في ملف الرئاسة، لايبدو انها وصلت الى نتائج جدية، فإحترام حزب الله لخصوصية التحالف مع العماد عون واسعة الى حد المُكابرة، والاريحية العادية التي يتصرف فيها العماد عون، قد يكون مُبالغٌ فيها نظراً لإستثنائية الاوضاع وخطورتها.
كل المؤشرات تؤكد حتى الآن، ان الانتخابات الرئاسية مؤجَّلة، ومع استمرار تأجيلها، جرف موجها الهائج استحقاق الانتخابات النيابية، لأن ولاية المجلس النيابي الحالي المُمددَّة، تنتهي في 20 نوفبر/ تشرين الثاني القادم. والربط بين الاولويتين انتج تجاذب سياسي جديد بين افرقاء النزاع، كانت الساحة بغنى عنه. فقوى 14 آذار تطالب بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل النيابية، بينما قوى 8 آذار لا ترى مانع من اجراء الانتخابات النيابية قبل انهاء الملف الرئاسي العالق.
الرئاسة اللبنانية مُختطفة مع الذين يمنعون اكتمال النصاب لجلسة الانتخاب، وهؤلاء الخاطفين لا يفتحون خطوط التفاوض، ولا يقبلون بفكِ الرهان.
 

  • شارك الخبر