hit counter script
شريط الأحداث

خاص - ملاك عقيل

هل يفضح قهوجي "كل شي"؟

الأربعاء ١٥ آب ٢٠١٤ - 05:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

زادت تغريدة خارجة عن المألوف لنجل قائد الجيش العماد جان قهوجي على "تويتر"، والذي دعا فيها والده الى "فضح كل شي"، من منسوب التساؤلات حول ما جرى في عرسال. عن الهدنة، والتسوية، والعملية العسكرية، ودور "هيئة العلماء المسلمين"، وضغط القوى السياسية... عن ما يجب أن يقوله قهوجي ولم يقله.
كان لافتا، الى جانب من حرّض على الجيش علنا وأساء الى تضحياته، قيام جبهة داعمة للجيش بقوة خلال معارك عرسال على مدى خمسة أيام، ثم بعد استتباب المشهد على انسحاب المسلحين ومعهم الجنود المخطوفين، انقلاب جزء من هذه القوة الداعمة لخيارات القيادة عليها، من باب ما اعتبر إذعانا لضغط الارض والضغط السياسي، مما قاد الى الانتصار الناقص بعدم تحرير الجنود المختطفين وبقاء عرسال عرضة بأي وقت لهجوم المجموعات الارهابية من "داعش" و"النصرة".
عمليا، جوبه العماد قهوجي بحملة شرسة صوّرته وكأنه يجتاز عرسال... للوصول الى قصر بعبدا!
منذ اللحظة التي استقبل فيها قائد الجيش وفد الوسطاء المؤلّف من النائب جمال الجراح والمفتي خليل الميس والشيخ سالم الرفاعي، بدأ القنص السياسي على اليرزة واستحضر على عجل سيناريو نهر البارد وأسقط على عرسال. بعد ميشال سليمان، ها هو قهوجي يتحضّر للرئاسة بعد كبرى المواجهات مع الارهابيين.
عمليا كانت الأمور في منحى آخر تماما، وضع البلد برمّته في فمّ التنين، من دون أن يكون له علاقة بالطموح القائم أصلا والمعروف لقائد الجيش أو لغيره بالجلوس على كرسيّ الرئاسة الأولى. هي الحسابات السياسية القمعية التي تطوّق القيادة في اليرزة، ليس فقط منذ بداية الازمة السورية، بل منذ اتفاق الطائف. مع وجود الوصيّ السوري وأزلامه، وبعد خروجه.
يمكن الانطلاق من الاجتماع الأمني الذي عقد في السرايا برئاسة تمام سلام يوم الاحد، أي في اليوم التالي لسبت عرسال الأسود، لتبيان الجوّ الضاغط الذي رافق عملية استيعاب الجيش للضربة ثم مسارعته الى استعادة مواقعه العسكرية التي احتلّتها القوى الارهابية، ومن ثم إعلان استعداده للهجوم بعد وصول التعزيزات المطلوبة.
العارفون يؤكّدون ان ما قيل داخل هذا الاجتماع يتناقض مع الشعارات التي روّج لها بتقديم الدعم المطلق للجيش. بصريح العبارة تحدثّ هؤلاء "عن نفَس سنّي طافح ضد الجيش في عرسال وضرورة ان يضبط ردّة فعله"!
بعدها تماما خرج الوزير أشرف ريفي ليتحدّث عن خيار وحيد في عرسال هو الحلّ السياسي ليستتبعه بحديثه عن إنقاذ عرسال من حرب أهلية، وسانده وزير الداخلية نهاد المشنوق بقطع الطريق أمام أي احتمال بالتنسيق مع الجانب السوري، فيما رأى كثيرون أنه أمر منطقي وملّح من أجل تجنّب الأسوأ.
عمليا، ما عبّر عنه نواب الشمال أصحاب الماركة الحصرية في التحريض على الجيش، كان العديد من قوى "الاعتدال" في "تيار المستقبل" يردّدونه في السرّ.
التخاذل السياسي عن نصرة الجيش فعلا لا قولا، استتبع فورا بإنطلاق وساطة "هيئة العلماء المسلمين" بغطاء مباشر من رئيس الحكومة وبتشجيع من فريق "المستقبل" على رأسه فؤاد السينورة.
لم يقفل قائد الجيش خطّه، لكنه قال للجميع من دون استثناء، من الرئيس تمام سلام ونزولا، مرورا بـ "حزب الله" ، أنه غير معني بأي هدنة أو تسوية ربطا بأولوية استعادة الجنود المخطوفين، لكن قيادة الجيش لا تستطيع أن تتصرّف إلا تحت غطاء القرار السياسي. هذا بالتزامن مع قيام الجيش باللازم من أجل منع المجموعات الارهابية من بسط سيطرتها على البلدة، وهذا ما حصل لاحقا مع انسحاب المسلّحين مترافقا مع واقع رفض قسم كبير من العرساليين لوجودهم بينهم.
لم يأت توجّه القيادة إلا ضمن القناعة بأن الجيش لا يستطيع أن يفتح دكانة، متحرّرة من سقف هذا القرار، وقد تقود ضمن ألطف السيناريوهات الى التهاب جبهات أخرى، وقيام "المارد السنّي" بوجه جيش سيُحوَّل بقدرة المحرّضين والمفتنين الى جيش شيعي يأتمر بأوامر "حزب الله" ضد "أهلنا في عرسال". هذا في الوقت الذي يفتقد فيه الجيش الى عدّة المواجهة العسكرية.
اكثر من ذلك، يشير العارفون الى الجغرافيا التي تعمل ضد الجيش في هذه البلدة الحدودوية المكشوفة والمفتوحة، والى واقع وجود عشرات الاف المدنيين والنازحين الذين لا علاقة لهم بالنزاع القائم.
الأهم من ذلك، ان الجيش كان أولى الضحايا لواقع تقاعس الطبقة السياسية عن معالجة أزمة الحدود والمخيمات بالمستوى الوطني المطلوب، وهو الأمر الذي قاد العماد قهوجي حين طلّ على الاعلام الى التذكير بضرورة معالجة الوضع الأمني لهذه المخيمات، ثم أعلن في حديثه الى جريدة "السفير" عن التحذيرات التي كان وجهّها الى السلطة السياسية منذ العام 2011 حول ضرورة الاستيعاب المسبق للاتي على لبنان من خلال تشكيل خلية أزمة ومعالجة ملفي الحدود والنازحين بما يختزنان من فتائل أمنية متفجرّة.
استحضر البعض نموذج الرئيس السابق أميل لحود في معاكسة التوجّهات السياسية والتصرّف وفق ما تمليه مقتضيات الأرض ومصلحة البلد، تماما كما حين رفض الامتثال للضغوط السياسية التي فرّغت قرار مجلس الوزراء بانتشار الجيش في الجنوب عام 1991 من مضمونه، لكنه أصرّ على التقدّم جنوبا حتى وصوله الى نادي الضباط في صيدا، بعد اصطدامه بالمسلّحين الفلسطينيين حيث وقع شهداء للجيش.
البراغماتيون يتحدّثون عن "السوري القوي الذي كان حاميا لظهر أميل لحود آنذاك، عن الظرف السياسي المختلف، وعن طبيعة المواجهة المغايرة"، ليستخلصوا عبرة بأن "اي قائد جيش في الظرف الذي فرضت فيه معركة عرسال، وبمناخات الضغط التي طوّقت الجيش، لم يكن ليقدّم نموذجا مغايرا في التصدّي ضمن المتاح".
إذا، من الوقائع الثابتة للمشهد العرسالي استعادة الجيش أولا السيطرة على مواقعه، البقاء على جهوزيته تحسّبا لأي سيناريو مماثل، مَنَع وقوع المزيد من الشهداء، كبّد المهاجمين خسائر كبيرة جدا، جنّب لبنان الفتنة الكبرى لو سقط الجيش عسكريا، وجنّب عرسال مصير "بركة الدم"، دخل تدريجا الى البلدة وعزّز وجوده فيها، لكنه استسلم في الوقت عينه لواقع ان ورقة الاسرى خرجت من يده، حيث صارت ورقة إقليمية بامتياز.
أما الرئاسة، فأمر آخر. حساباتها محض اقليمية ودولية، ومسألة خيارات في المنطقة. المعركة في عرسال فرضت فرضا، وخاضها الجيش بما يحفظ هيبته كونه لم يكن معنيا باي اتفاق مع المسلحين لخروجهم من عرسال. والأهم حين يصدر الأمر أو الايعاز بكون قهوجي هو رجل المرحلة رئاسيا، الأمر لن يحتاج آنذاك، الى "كشف حساب" عسكري لا في طرابلس ولا في عرسال ولا في بيروت...
 

  • شارك الخبر