hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جورج علم

بيئات مُحدَثة تُغيّر وجه لبنان

السبت ١٥ آب ٢٠١٤ - 08:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

تعالج المؤسّسات المخوّلة، الأمن في «البيئات المستحدَثة». إنّها خليط من البيئات الحاضنة وتلك الوافدة، في نزاع مكشوف على لقمة العيش، وسط تنافر واضح في الخصوصيات والأولويات.

القبض على عدد من السوريّين «المشبوهين» في عرسال لم يعد خبراً إستثنائيّاً. البيئة حاضنة، وتتحوّل مستحدَثة بفضل كثافة النزوح. ثغور القلمون وإمتداداتها تأوي خليطاً من السلاح والمسلّحين، جاؤوا للمشاركة في قلب النظام، وإنتهوا الى البحث عن ديمومة مستقرّة.

منذ آذار الماضي، بدأ المجتمع الدولي يتأقلم مع رقم المليون ونصف المليون نازح، ويُعدّد المخاطر المحدقة بلبنان، ويحاول معالجة الأزمة الوجوديّة بمواقف منبريّة، مقابل شحّ وتقنين في المبالغ المخصصة لأعمال الإغاثة.

لم يستهضم النداءات المتكرّرة الصادرة عن الحكومة بوجوب إستحداث مخيمات للتخلّص من الفوضى المستشرية، وكان يركز دائماً على الإيواء، والسكن، والتعليم، والإستشفاء، وتوفير الحياة الحرّة الكريمة للنازح. في المقابل، كان في لبنان أكثر من رأي وتوجّه في التعاطي مع ملف النزوح: فريق مع إستحداث المخيمات في العقارات المشاع.

وفريق آخر يريدها قريبة من مناطق سكنيّة متعاطفة سياسيّاً ومذهبيّاً. وطرف ثالث يريدها قريبة من الحدود، داخل الأراضي السوريّة. ووجَد الإقتراح الأخير آذاناً صاغية لدى بعض الدول الكبرى، وبدأت ألمانيا تحرّكاً بعد زيارة وزير خارجيتها الى بيروت، وقبل أن يُصار الى تثمير الفكرة، تجدَّدت المعارك في القلمون.

كان الإعتقاد بأنها أصبحت في قبضة الجيش النظامي بعد معارك سابقة ومكلفة، لكن بعد إستدعاء السفير السوري علي عبد الكريم علي الى وزارة الخارجيّة، خرَج الأخير ليعلن رفض النظام إقامة مخيّمات للنازحين داخل الأراضي السورية، وكان هذا الرفض متوقعاً من عواصم دول القرار التي كانت تتبادل في ما بينها معلوماتٍ تؤكّد حرص النظام على إستغلال ورقة النزوح الى أبعد الحدود، خصوصاً في لبنان والأردن.

وإثر الرفض السوري إقامة المخيمات، حصلت إنسحابات لجيش النظام من منطقة القلمون، من دون معرفة حقيقة الأسباب والدوافع، قابلها عودة المسلّحين مع رزمة من الأهداف أبرزها:

أولاً، إستنزاف «حزب الله» تحت شعار تصفية الحسابات، والبحث عن بيئة مؤاتية للإستقرار والإستمرار.

ثانياً، إحباط أيّ توجه يرمي الى بناء مخيمات للنازحين داخل الأراضي السوريّة، سواء أكان مصدره الحكومة اللبنانيّة، او الدول الكبرى المتعاطفة.

ثالثاً، تحويل ملف النزوح عبئاً إضافياً على الواقع السياسي والإقتصادي المأزوم بين الأحزاب والتيارات، والذي أدّى الى خللٍ كبير في تركيبة النظام، والى هروب متعمّد من مواجهة الإستحقاقات الدستورية بروح من المسؤولية الوطنية الجامعة.

رابعاً، تعميم مفهوم «البيئات المستحدَثة» وفق خصوصيات كلّ منطقة. وما يجري في عرسال ومحيطها ليس بالعادي، او الطبيعي. فالبيئة سنّية وسط مدٍّ شيعي، وقد تحوّلت نواة مخيم سوري يتعاظم شأنه، ويشتدّ بأسه، ويتعافى نفوذه يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر. ما معنى أنّ بلدة تضمّ أربعين ألفاً تحتضن في داخلها ومن حواليها أكثر من 120 ألف نازح مع سلاح ظاهر، ومسلّحين مدرّبين يتنقلون بحريّة، ويمارسون «بلطجتهم» على الأهالي والسكان.

خامساً، تتحدّث الدول الكبرى عن تغيير محتمل في طبيعة ونوعيّة السكان، والبيئة، والحدود. وتُقارن ما بين الحدود مع إسرائيل الثابتة، والمحصّنة بالقرار الدولي الرقم 1701، وبالخط الأزرق المحمي من أكثر من 15 ألف ضابط وجندي دولي تابعين لـ»اليونيفيل»، وبين حدود جبلية متداخلة مع سوريا، صعبة التضاريس، تحوّل بعضها ملعباً للسلاح والمسلّحين، فيما البعض الآخر يشكّل إمتداداً طبيعيّاً لـ»الفوضى الخلّاقة» المترامية ما بين أطراف البلدات اللبنانيّة، وأطراف البلدات السوريّة. حدودٌ مفتوحة على كلّ الإحتمالات والسيناريوهات المعَدّة لمستقبل سوريا... وربما لمستقبل لبنان أيضاً.

  • شارك الخبر