hit counter script

- اسكندر خشاشو

مسيحيو الموصل في لبنان يروون لـ"النهار" معاناتهم: لا عودة الى العراق

السبت ١٥ آب ٢٠١٤ - 07:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لم تكن طويلة الطريق نحو مطرانية الكلدان في منطقة الحازمية، ولم يتطلب جهدًا شق الحشود المتواجدة على ابوابها كما كان متوقعاً في اول يوم تسجيل للاجئين المسحيين العراقيين المهجرين من الموصل، فالوضع هادئ، وساحات المطرانية فارغة حتى من السيارات.

الهدوء في الخارج يُخيّم ايضاً في داخل المبنى الرحب، لا شيء هنا يوحي بوضع استثنائي...يكسر الصمت المطبق على الارجاء همسات اشخاص لا يتجاوز عددهم العشرة موزعين في أرجاء القاعة.
وجوه شاحبة، وعيون دامعة مركزة صوب باب في وسط القاعة، يؤدي الى مكتب تتم في داخله عملية تسجيل تقوم بها المطرانية لأخذ المعلومات كاملة، بانتظار ان يفتح، ربما يأتي منه بصيص امل باسترجاع حياة طبيعية خسروها بفعل الهجوم الهمجي الذي نفذته "الدولة الاسلامية" عليهم في الموصل.

نبحث عن الأمان

"الوضع مأساوي، وهناك مؤامرة على المسيحيين من جميع الاطراف والدول لتهجيرهم من المنطقة"، يقول رافي الآتي من قرية الكيف على حدود الموصل والتي اصبحت بمثابة خط تماس بين المناطق التي تسيطر عليها "داعش" والجزء الذي يسيطر عليه الاكراد. ويضيف: " الجميع تركنا من دون ادنى مقومات حياة فلا مياه ولا كهرباء ولا امن، اصبحنا تحت رحمة المسلحين".
يبتسم عند الحديث عن الجيش العراقي، سائلاً عن "اي جيش؟ الجيش الذي لبس رئيس قواته البرية "الدشداشة" عندما اقتربت داعش من الموصل؟ او الجيش الذي سلم القرى من دون "ضربة كف" بتأمر كامل معهم؟".
يحمل رافي صورة طفله الذي يبلغ من العمر 3 سنوات ليشير الى ان حلمه يتلخص حالياً بحمايته وتوفير حياة مقبولة له في اي بلد في العالم يحترم حقوق الانسان.
رافي الذي وجد عملاً منذ شهر كناطور بناية، أحسّ بقليل من الامان الذي افقتده في الشهر الماضي عندما كان يقيم عند صديق له مهجّر ايضاً، ويلفت الى أنه يسعى الى الذهاب الى الولايات المتحدة وينتظر من المطرانية مساعدته على هذا الموضوع. لكن الولايات المتحدة لم تفتح باب الهجرة، إنما فرنسا ابدت استعدادها لاستقبال اللاجئين العراقيين، الا انه سيبقى يناضل للوصول الى اميركا.

"كنا عايشين محترمين على ايام صدام (الرئيس صدام حسين) ما حدا يقرب صوبنا"، يقول رافي، "لكننا اليوم ضحية المؤامرات الدولية التي تريد افراغ العراق من المسيحيين وتقسيمه"، جازماً انه "لن يعود الى العراق حتى لو اصبح جنة عدن فلم يعد هناك اي شيء يربطني فيه".

"العذرا نجتني"


موضوع الهجرة وعدم العودة الى العراق يدفع رافق الشاب الجالس بجانب رافي بالصدفة، على الكلام ليشدد بدوره على ضرورة بناء حياة في اي بلد غير العراق، وعدم العودة اليه. ويقول بصوت مرتفع "العذراء مريم نجتني من الموت، انا من قرية في محافظة ديالى، هربت وتم ايقافي على احد حواجز "داعش"، لم يقتلوني بعد ما رجيتهم واكدت اني لن اعود الى هذه الديار، فتركوني ولم يأخذوا جواز سفري وهذا ما مكنني من الوصول الى هنا".
ويروي رافق كيف ان شقيقته التي تبلغ من العمر 18 سنة ارغمت على ارتداء الحجاب، حتى والدته المريضة اصبحت محجبة واقنعت المسلحين بأنها اسلمت. هذا قبل شهر، "اما اليوم لا اعرف عنهم اي جديد ولا اتصالات معهم".
ويضيف:"نعم اريد الذهاب الى فرنسا والآن اذا استطعت"، مشيراً الى انه "حتى الساعة لم يتلقَ مساعدة من اية جهة إن كانت حكومية او جمعيات محلية او كنسية".

لنبقى مسيحيين


يعترض حمت ونوري وهما رجلان خمسينيان على التأخير الحاصل من قبل المطران قصارجي في استقبالهما، يرفضان الحديث بداية " لاننا تعبانين"، فهما وصلا الى لبنان منذ 3 ايام مع عائلتيهما ويبلغ عدد افرادهما 15 شخصاً ( نوري وزوجته واولاده الـ4 ووالدته وحكمت واولاده الـ6 وزوجته"، ويقيمان حالياً عند عائلة عراقية في سد البوشرية، يفترشون الارض لأن الشقة، صغيرة ولا اثاث فيها لاستيعاب هذا العدد.
وبعد اصرار يروي الرجلان كيف انطلقا ليلاً مع اسرتيهما الى اربيل بعد دخول عناصر من "داعش" الى القرية ومناداتهم لترك المنازل عبر مكبرات الصوت قبل الصباح والا سيتعرضون للذبح، متوعدين اياهم بترك "كل شيء في مكانه وخصوصاً السيارات".
"نحن نملك جوازات سفر"، يقول حكمت، "اما باقي اسرنا فلا جوازات لديها ولا تستطيع السفر انما هربت معنا باتجاه اربيل، عندما استشعروا الخطر الاكيد وبدأوا بتعليم منازلنا بحرف "النون" للدلالة على اننا "نصرانيون" وهم الآن يسكنون في مخيمات على الحدود "الله يعينهم" عليها.

ويوضح الرجلان انهما منذ مدة ولانهما مسيحيان، يودعان عائلتيهما لحظة خروجهما من المنزل لانهما "لا يعلمان اذا كانا سيعودا او لا"، مؤكدين ان "من بقي في العراق حتى الساعة هم اما المرضى اما العجزة الذين لا يستطعون الانتقال او السفر".

"ما يهمنا الان وما حصل قد حصل ان يساعدنا احد لايجاد عمل لاعالة اولادنا"، يقول نوري، "مستعدون للعمل في اي مكان واي شيء. نريد مأوى لاولادنا والمعيشة في لبنان غالية ولا نستطيع الاستمرار بما نحن عليه الان، وخصوصاً ان صاحب المنزل الذي يؤوينا الآن بدأ التهديد بطردنا لأن الشقة لا تحتمل هذا العدد من الناس"، مشدداً على ان فكرة العودة الى العراق "انتزعت من رؤوسهم نهائياً"، ومبدياً تفاؤلاً بالوصول الى احد البلدان الأوروبية لبناء حياة جديدة "اذا صدقوا ووفوا بوعودهم باستقبالنا".

قصارجي: لمساواتهم بالسوريين


اما المطران ميشال قصارجي فيؤكد ان ما يجري في العراق ليس من صيغة هذا البلد ولا تاريخه ولا تاريخ سكانه الذين عاشوا سوياً طوال تاريخهم حتى اليوم، "وإن كانت تحصل بعض المناوشات فهي تحصل في كل دول العالم"، مشيراً الى ان انهيار الدولة بعد العام 2003 وفقدان الامان ودخول المنطقة في الصراع السني الشيعي افقدت السكان الاستقرار ودفعهم نحو الهجرة".
ويسأل قصارجي من الذي يغذي "داعش" ويدعمها، ومن يشتري منها النفط اتمول نفسها ومن اين تمر الانابيب والصهاريج والى من تصل؟ مطالباً مجلس الامن والامم المتحدة بارسال جيش اممي لحماية العراق وليس المسيحيين فقط "فجميع العراقيين يموتون".
ويضيف "نحن بحاجة الى مؤتمر سريع تعقده تركيا والسعودية وقطر وايران لحماية العراق ومن فيه".

عراقيو لبنان

وعن وضع اللاجئين العراقيين في لبنان، يشير قصارجي الى الكنيسة تقوم بما عليها، و"على قدر امكانياتها فهي لا تملك امكانيات كبيرة وليس لديها ابرشيات، انما تعمل بقدر المستطاع"، موضحاً انها منذ شهرين حتى الآن تستقبل يوميا نحو 10 عائلات وتقوم بعملية تسجيلهم واخذ المعلومات عنهم واعطائهم المواد الغذائية وبعض المبالغ النقدية الصغيرة".

ويلفت قصارجي الى ان عمل المطرانية حالياً ينصبّ على 3 امور هي تأمين مواد غذائية عينية لعائلات وهم نحو 10 الاف عائلة، وعلى المستوى الصحي بحيث ان في لبنان لا يوجد اي رعاية صحية للاجئ وهو معرض للامراض، اضافة الى تعليم الطلاب العراقيين، ونحن على ابواب موسم مدارس، مطالباً الدولة والمنظمات الدولية ومجلس المطارنة الكاثوليك للمساعدة في هذا الموضوع.

ويكشف قصارجي ان اجتماعاً سيعقد الاسبوع المقبل مع وزراء الشؤون الاجتماعية والصحة والتربية ولجنة الصحة في مجلس النواب لمحاولة ايجاد طرق لمساعدة اللاجئين، موجهاً نداءاً عبر "النهار" الى كل من يجد نفسه معنياً بهذه القضية للمساعدة على طريقته وقدر استطاعته.
وعما اذا كان تلقى اتصالا من السفارات التي ابدت استعداداً لاستقبال اللاجئين، ينقى قصارجي هذا الامر مشدداً على انه لا يتدخل في هذا الموضوع فـ"هذا شأن اللاجئين مع مفوضية اللاجئين ولا دخل للمطرانية به".

ويبقى ان واقعًا مريرًا فرض على مسيحيي العراق وتهجير ظالم جعلا من بلاد الجوار ملاذاً، لهم ورغم معاناة لبنان الاقتصادية والامنية فلا بد من النظر الى اوضاع من رمتهم الحرب على ارضه عنوة، وتقديم المساعدة الضرورية اقله فيما خصّ ابسط الامور من دواء ومدارس او ربما معاملتهم بالمثل بمن سبقهم من لاجئين.

اسكندر خشاشو

  • شارك الخبر