hit counter script

مقالات مختارة - ريما فليحان

إعلام الثورة السورية.. الإخفاق والتمنيات

الخميس ١٥ تموز ٢٠١٤ - 06:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

لم تكن الثورة السوريه يوماً إلا نتاج سنوات طويله من القهر، وارتكاساً طبيعياً لقمع الحريات في وطنٍ، تصبح فيه الكلمة وحدها ثورة، إن استطاعت أن تفلت من بين براثن الخوف، لتنجلي في رأي، أو تصريح في زمن الصمت.
انهيار تلك الجدران العازلة للصوت، وموت الخوف عبر انبلاج الثورة، جعل السوريين يبدأون رحلة جديدة لتعلم الكلام، وهذا يعني أن هذا الكلام، إن كانت وظيفته في مرحلة الثورة، إيصال رسالة الثورة وأفكارها ومبادئها يجب أن يكون حراً سليماً خالياً من العلل، ولكن، هل هذا ما حصل؟
على الرغم من أن نشطاء كثيرين تحولوا صحفيين وإعلاميين، وتمكنوا من نقل الصوت والصورة من عمق الألم، إلا أن تلك العملية كان يجب أن تكون ضمن سياق ناضج، يجيد التخاطب مع الجمهور. ولا يمكن أن يكون هذا الجمهور، بأي حال، جمهور الثورة فقط، بل يجب أن يتسع ليشمل كل شرائح الشعب السوري، بما فيها الصامت والموالي للنظام، كما يجب أن يمتد ليجيد خطاب الرأي العام العالمي، بلغة يفهمها وتؤثر فيه، وليس وفق رغبات وأجندات فريق معارض دون آخر، أو وفق ارتكاسات غريزية، لاواعية، لا تمتلك حتماً القدرات، ولا فن التسويق الاجتماعي لقضية محقة، هي تطلعات الشعب السوري للحرية، وآماله بالتغيير. حيث حملت تلك التجارب تحديات جادة، تتمثل في القدرة على جذب كل الطيف السوري نحو الثورة، بحيث توضح أهدافها وآفاقها بلغةٍ، تخاطب الجمهور المستهدف بوعي، حيث تمسك بمفاتيح الخطاب الصحيحة للمجتمع المحلي والدولي. ولكن، هذا لم ينجح إلا على مستوى محدود للأسف، لعدة عوامل، منها اتباع إعلام المعارضة أجندات حزبية ضيقة، وإبعاد الكوادر الإعلامية المتخصصة عن إدارة العملية الإعلامية، ووضع الإعلام ضمن خانة المحاصصة السياسية "ضمن لعبة من يدير الإعلام ومن يدير الإغاثة إلخ..."
تعتبر تلك الأجندات مسؤولة، أولاً وأخيراً، عن تغليب الخطاب الفئوي على الخطاب الوطني الجامع الذي كان ممكناً أن يمتلك قلوب السوريين، لو تعالت تلك القوى على فئويتها وشراهتها لإيجاد شارع موالٍ لها، وتلوين الثورة بلون واحد، ما أدى، ضمن عوامل أخرى تشبه تلك الأسباب، إلى إضعاف الحاضنة الشعبية، وتشويه صورة الثورة، وتحويلها من ثورة شعبيةٍ إلى نزاع طائفي، بحيث تم تقزيم تضحيات السوريين الحالمين بالحرية وبالخلاص من النظام الديكتاتوري إلى نزاع مذهبي، فتح الباب واسعاً أمام إعلام النظام وتابعيه، ليلعب
"انبثقت من الثورة، أو لحقتها محطات تلفزيونية محلية، حملت لواءها، وتفاوت أداؤها بين التشبه بإعلام النظام من حيث "التشبيح" والحدة واعتماد سياسة ترويج الإشاعات، والإساءة لشخصيات معارضة بذاتها، لأسباب غير معروفة" بأدواته القذرة من أجل الإكمال على ما تبقى من صورة ناصعة عبر تشويه الثورة ورموزها وسياقها التاريخي، حيث يكتمل المشهد، أخيراً، بدخول قوى التطرف والقاعدة، لتشويه أحلامنا، وتقزيم طموحاتنا مرة أخرى..
لم يكن إعلام الثورة وحده المسؤول عن تلك النتيجة، فوسائل إعلام عربية كبرى ساهمت، بقصد أو من دون قصد، بتلوين الثورة باللون الديني مرة، وبإذاعة الأخبار الكاذبة التي لم تكن تلبث لتذاع ليتضح كذبها، وتشجيع المهاترات التلفزيونية لشخصيات معارضة موتورة، عبر تكريسها على الشاشات، بحيث تظهر المعارضة بذلك المظهر القميء، والذي لا يفلح إلا بكيل الاتهامات كل للآخر.
تحضرني، الآن، شخصيات خرجت على وسائل الإعلام تلك لتعلن أنباء كاذبة مراراً، من دون أن يكون ذلك سبباً رادعاً لتلك المحطات، لإيقاف ظهورها الإعلامي. بالعكس، فقد تم تكريسها، بقصد أو بدون قصد، وجوهاً تمثل الثورة، وبالتالي تشويه صورتها.
بالإضافة إلى إهمال التيار المدني والحراك السلمي، بقصد أو من دون قصد، منذ بدأت العسكرة، والتركيز على نقل صورة المعارك، وإهمال حراك الأقليات، وتجنب التركيز عليه، إلا ما ندر.
على صعيد آخر، انبثقت من الثورة، أو لحقتها محطات تلفزيونية محلية، حملت لواءها، وتفاوت أداؤها بين التشبه بإعلام النظام من حيث "التشبيح" والحدة واعتماد سياسة ترويج الإشاعات، والإساءة لشخصيات معارضة بذاتها، لأسباب غير معروفة! أو اعتماد خطاب إقصائي موتور، كنا قد انتقدناه لدى وسائل إعلام النظام، وأتباعها في بداية الثورة، وما بين محطات أخرى، اعتمدت الخطاب الفئوي ذاته، أو البعيد عن المهنية، والتابع للممول وتوجهاته.
ما يزيد عن ثلاث سنوات مرت من عمر الثورة السورية، ولم نتمكن من الخروج بمظهر إعلامي ناضج، يحمل خطاباً وطنياً، ويسوق أخلاق الثورة الأولى ومبادئها، ويبتعد عن الخطاب الطائفي والأدلجة السياسية المقيتة. وذلك على الرغم من أن لدى ثورتنا كوادر إعلامية وفنية متخصصة، تبحث عن فرصة للمساهمة بصوتها وعقلها وقدراتها، إلا أن المحسوبيات، وعدم الاكتراث، أصبحتا سمتين تهددان الإعلام الحالي والمستقبلي، وتنذران، ضمن اللامهنية المحيطة بالعمل الثوري الإعلامي، بولادة عشوائيات إعلاميه لن تسبب إلا إمعانا في التشظي والتدمير الذاتي، ولن تساهم إلا بتفكك أكبر في المجتمع السوري، من أصغر خلاياه إلى أكبرها.
وتأتي الدراما لتكمل المشهد، حيث فشلت المعارضة في إنتاج أعمال تحمل وجع السوريين وهواجسهم، إلا ما ندر، ولم تلق أيٌّ من الكوادر الفنية الكبيرة التي اصطفت إلى جانب الثورة الفرصة لإنتاج مثل تلك الأعمال، ومنهم كتاب ومخرجون وفنانون وفنانات، تم تهميشهم وإقصاؤهم. وباستثناء أعمالٍ قيمة، فإن المحطات الخليجية تزخر بأعمال سورية تافهة وسطحية، تحمل بين ثناياها، وبأسلوب سطحي، أفكار النظام وأجنداته، مثل "باب الحارة"، والذي حمل، هذا العام، إضافة إلى تخلف أفكاره وضعفه الدرامي، منذ جزئه الأول، عبارات ومشاهد مسمومة، تحاول إبراز أفكار النظام في جانب الخير، وتضع الجانب الآخر بصفة العمالة، بالإيحاء بأنها تمثل المعارضة، في مفارقات مضحكة وسخيفة، وضمن عرض مزور للتاريخ السوري.
ولكي نكون منصفين، يجب أن نقول إن هناك وسائل إعلام مقروءة ومسموعة، انبثقت عن الثورة، أثبتت محاولة جادة في إيجاد واقع إعلامي مغاير، يحمل فكراً ثورياً وطنياً، ورغبة حقيقية، في تجربة ناضجةٍ لإعلام يسعى إلى أن يكون جيداً، ضمن حرب إعلامية، يضع النظام كل مقدراته لدعم وجهة نظره وتوجهه فيها، بينما تفشل المعارضة في إيجاد واقع إعلامي، ينصف تضحيات الشعب السوري، وترسم حلمه المحق في دولة ديموقراطية مدنية، خالية من كل أشكال الديكتاتورية والتمييز. - 

  • شارك الخبر