hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - محمد مشموشي

سورية الحالية: صورتان تلغي إحداهما الأخرى

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٤ - 07:05

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الشرق  الاوسط

يستطيع رئيس النظام السوري للمرة الثالثة على التوالي (بشار الأسد)، بعد مرات عدة لوالده (حافظ الأسد) منذ 1970، أن يؤدي اليمين الدستورية لولايته الجديدة خارج مجلس النواب وأمام حوالى ألف شخص من غير الأعضاء فيه، من دون أن يرف له جفن… لا لأن من شاركوا في انتخابه أقل من نصف الشعب السوري نتيجة نزوح أكثر من عشرة ملايين منهم خارج البلاد، ولا لأن أكثر من مائتي ألف إنسان قتلوا بآلته الحربية، ولا لأن معظم سورية قد دمر بقصف طائراته وبراميله المتفجرة، ولا حتى لأنه ونظامه موصوفان في العالم بأنهما يعيشان خارج الزمن. بل ويستطيع، بعد ذلك مباشرة، أن يعيد تعيين أحد نائبي رئيس الجمهورية السابقين (نجاح العطار) بمرسوم جمهوري من دون أي إشارة إلى النائب الثاني (فاروق الشرع)، لا لجهة إبقائه في منصبه ولا لجهة إقالته، ولا ربما “استقالته” كما هي عادة النظام، ولا حتى الكلام على وضعه في الإقامة الجبرية كما هي حاله منذ مدة.

في موازاة ذلك، يستطيع رعايا “سورية الأسد” أن يحتفلوا بانتخاب أول رئيس لهم منذ أكثر من أربعة وأربعين عاماً، وقد كان (للصدفة؟!) هو نفسه من حكمهم طيلة تلك الفترة. وتعبير الأعوام الـ44 هذا، استخدمه إعلام النظام ذاته في معرض إشادته بما سماه “الإنجاز الديموقراطي” بإعادة الانتخاب للمرة الثالثة، ناسياً أنه ينسف بذلك النظام من أساسه: الأب والابن على حد سواء.

كما يستطيع حلفاء “سورية الأسد” هذه، في لبنان أو غيره، أن يطلقوا النار ابتهاجاً، وأن ينظموا مسيرات تأييد لـ “رئيس الصدفة” هذا وهو يؤدي اليمين الدستورية بعد أن هزم اثنين من منافسيه على المنصب بأكثرية طاغية (88 في المئة في مقابل 4 و3 لكل منهما) بشهادة مراقبين من دول أخرى حليفة لهم في المنطقة وفي العالم.

وبين هؤلاء وأولئك، يستطيع أبناء سورية الحقيقيون، سورية التاريخ والجغرافيا والأرض والحضارة، إما أن يموتوا بغيظهم وهم يرون هذه المسرحية، أو أن ينتظروا أن تأتي فرصة ثانية تتيح لهم انتخاب رئيس لبلدهم هم… وليس لبلد آل الأسد أو آل علي خامنئي أو آل حسن نصرالله… إلخ.

هل في الأمر ما يدعو إلى العجب أو الاستغراب؟! لا طبعاً، فهكذا كانت سورية طيلة الأعوام الـ44 الماضية: “سورية الأسد”، و “الأسد إلى الأبد”، و “الأسد أو نهدم البلد”… بالاستفتاء على مرشح واحد، كما كانت الحال مع الوالد المورث، أو بالانتخاب الشعبي، كما باتت تقول “ديموقراطية” الوريث بعد حوالى ثلاثة أعوام ونصف العام من حربه وحلفائه الإقليميين على هذا الشعب.

لكن أين سورية، التي يعرفها شعبها وتعرفها المنطقة ويعرفها العالم، من ذلك؟

قد تقدم المعطيات والأرقام التالية بعض الإجابة عن السؤال:

أولاً، أن ما لا يقل عن ثلاثين في المائة من الأراضي السورية تحتلها الآن ميليشيات “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (“داعش”)، وثلاثين في المائة أخرى تحت سيطرة “الجيش السوري الحر” والفصائل المنضوية تحت لوائه، وعشرة في المائة تحت هيمنة منظمة “النصرة”، لتبقى في أيدي النظام وشبيحته والميليشيات الإيرانية على تعددها (“الحرس الثوري” و “حزب الله” و “لواء أبي الفضل العباس” و “عصائب أهل الحق”) الثلاثون في المائة الأخيرة. هذه هي حال الأرض التي تشكل أحد أهم مكونات أي دولة في العالم، والتي قيل في سورية إن بشار الأسد حلف اليمين للمحافظة عليها.

ثانياً، أن غالبية حدود سورية البرية مع دول الجوار هي خارج سيطرة نظام الأسد الآن، فضلاً عن المعابر منها وإليها، فهي على الجانب التركي بمعظمها إما في يد “الجيش السوري الحر” أو “النصرة” أو “داعش”. وعلى الجانب العراقي مع “داعش” من دون غيره، وعلى الجانب الأردني تحت سيطرة “الجيش الحر”، وعلى الجانب اللبناني مع “حزب الله” وحده، بدليل المعارك الأخيرة في القلمون ومشاركة المقاتلات السورية والمدافع البعيدة المدى فقط فيها. أما في الجولان، فحدث ولا حرج عن معارك الكر والفر تحت عيون قوات الاحتلال الإسرائيلي وأنظارها على الجانب الآخر، بما في ذلك نقل الجرحى السوريين لمعالجتهم في مستشفياتها ثم إعادتهم إلى مناطقهم.

وهذه هي حدود الدولة التي قيل إن الأسد أقسم اليمين للذود عنها وعن سيادتها، بحسب القانون الدولي، في مواجهة الدول التي تحدها جغرافيا أو تقيم معها علاقات جوار سياسية واقتصادية وتجارية.

ثالثاً، أن عشرة ملايين مواطن سوري (حوالى نصف السكان البالغ عددهم 23 مليوناً) يعيشون إما في العراء خارج بيوتهم ومدنهم وقراهم في سورية، وإما في مخيمات أقامتها لهم الأمم المتحدة في تركيا والأردن ولبنان والعراق، وإما في سفن في البحار تبحث عن ميناء يستقبلها ويمنح الملجأ لركابها من الأطفال والنساء والشيوخ. في الوقت ذاته، يقبع عشرات الآلاف في معتقلات النظام وسجونه من دون أن يعرف أحد عنهم شيئاً، كما يخرج من سورية شهرياً المئات، بل الآلاف من المواطنين (عشرة آلاف إلى لبنان وحده الشهر الماضي) هرباً من قصف طائرات الأسد وبراميله المتفجرة.

وهذه هي حال الشعب الذي تكتمل به عناصر الوطن والدولة، والذي يفترض تالياً أن تقوم فيهما سلطة أو نظام حكم من النوع الذي تحدث عنه الأسد في خطابه بعد أداء القسم. هاتان الصورتان لسورية الحالية، في ذهن النظام وفي الواقع على الأرض، لا تفعلان عملياً سوى أن إحداهما تناقض الأخرى، بل وتلغيها نهائياً وبصورة كاملة، لتصبح الدولة غير قائمة فعلياً أو يصبح النظام نفسه غير موجود إلا في أوهام صاحبه.

فهل هذا ما يريده الأسد وأولياؤه في إيران “الولي الفقيه”، بعد أن سلم حكامها وميليشياتها شؤون بلده كلها، واكتفى بأن أقسم اليمين الدستورية للمحافظة عليها كما هي الآن… أي كما أرادها علي خامنئي منذ اليوم الأول لإعلانه الوقوف إلى جانب بقاء النظام فيها؟

لا دليل على العكس… أقله حتى الآن.
 

  • شارك الخبر