hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - محمد أبو رمان

برسم الإجابة: ما هو الممكن سورياً الآن؟

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٤ - 07:26

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

كتب الصديق والمثقف المعارض السوري، عبد الرحمن الحاج، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) "ما هو البرنامج الذي يمكن للمعارضة السورية تنفيذه، لتغيير الوضع الراهن، قبل أن يصبح الأمر خارج الممكن؟ هذا هو السؤال الآن". ورأى معلّقون عليه أنّ الأمر أصبح غير "ممكن"، إذ فات القطار، وانحرف المسار، وتاهت بوصلة الثوّار، فهل، بالفعل، تجاوز الوضع السوري هذا السؤال وطرحه جانباً، نحو طريق أخرى مختلفة تماماً!
قد يكون هذا السؤال متأخراً كثيراً فعلاً، وقد يكون "الوضع الراهن" أكثر تجذّراً وصلابة من الحلم السوري في الديمقراطية والحرية، وعلى الرغم من أنّ المسؤولية الكبرى والأولى في ذلك تقع على عاتق النظام الدموي في دمشق؛ إلّا أنّ المعارضة السياسية السورية، التي بقيت في الخارج، مسؤولة، بدورها، عن نسبة مهمّة في النتيجة الكلية الراهنة، إذ بقيت تؤجّل وترحّل السؤال المطروح، وهي ترى السفينة تبحر بعيداً، في الشهور الماضية، عن عباب الأهداف المرجوة، وهي تكابر وتغرق في خلافاتها الداخلية، إلى أن وصلنا إلى طريقٍ اكثر كلفة وتعقيداً من المرحلة السابقة!
لم يكن خافياً، منذ البداية، أنّ هنالك فجوة كبيرة بين المقاومة المسلّحة في الداخل والمعارضة السورية في الخارج، وتُرك المجتمع السوري وحيداً ليواجه أمرين. الأول، عنف النظام وإجرامه، والثاني نمو التفكير الراديكالي الديني في أحشاء الجماعات المسلّحة، وتكفّل بملء فراغ غياب القوى السياسية الوطنية واغترابها في العمل السياسي الخارجي، إذ كان الرهان الخاسر على التدخل الخارجي، وإقناع القوى الغربية بضرورة دعم الثوّار، لكنّ فشل هذا الرهان بدا للعيان، بعد مرور أشهر على الثورة، ثم عبر المقايضة المفضوحة على "السلاح الكيماوي" مع النظام، بالتزاوج مع الضغط الإسرائيلي من جهة، وعجز الإدارة الأميركية وانطوائها من جهةٍ أخرى!
في نهاية اليوم، وصلنا إلى "الوضع الراهن"؛ ويمكن اختزاله في تقرير أممي، يحذّر من انضمام أعداد كبيرة من السوريين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش سابقاً)، وهو تحذير متأخر أيضاً، لأنّ التنظيم بات فعلاً يمتلك لحماً ودماً سورياً، ويمتلك نفوذاً محليّاً واسعاً، مع انضمام فصائل مسلّحة صغيرة، وأعداد كبيرة من السوريين المحبطين الغاضبين إليه، حتى أنّه أخذ جزءاً حيوياً ومهمّاً من غريمه (شقيقه في التيار السلفي الجهادي)، جبهة النصرة، وهي التي باتت تسير، اليوم، على خطى هذا التنظيم، في التحضير لإعلان الإمارة، قريباً جداً، وتدخل في صدام مع القوى المسلّحة الأخرى، لبسط نفوذها على الأراضي التي تستولي عليها.
على الرغم من بقاء قوى وفصائل سورية مسلّحة ذات طابع وطني، إسلامية أو غير إسلامية (وإن كانت الإسلامية أكبر بكثير)؛ إلّا أنّ طبائع الصدام في سورية تعزّز من حضور تنظيم الدولة الإسلامية، بانجرافها نحو الحرب الطائفية الهويّاتية، ونجد أنّ هذا التنظيم أصبح الأكثر تأثيراً وحضوراً، ويبدو أنّه قد دخل في طور جديد، في الحالة السورية، يشتبك فيها مع
" تنظيم الدولة الإسلامية أخطر على الثورة السورية وأهدافها وروحها، وعلى المجتمع السوري من النظام نفسه. والتصدّي له، مهما كلّف الثمن، في الداخل السوري، سياسياً وثقافياً وإعلامياً وعسكرياً، مهمّة تاريخية وأساسية، لإنقاذ الثورة وحمايتها، لإنقاذ المجتمع من هذا الطاعون القاتل!"
النظام، ويحقق انتصارات وإنجازات عسكرية في مناطق عديدة، وكبّد الجيش النظامي خسائر فادحة في الأيام الماضية.
صحيح أنّ هذه "الانتصارات الداعشية" مؤثرة، وصحيحٌ، أيضاً، أنّ نظام الأسد يدفع ثمن سياساته التي دفعت نحو هذا الاتجاه، لتكريس دعايته بأنّه يخوض "حرباً على الإرهاب". وصحيح أنّ الثوّار المسلّحين لا طاقة لهم، اليوم، بمواجهة مزدوجة مع الجيش النظامي وهذا التنظيم في الوقت نفسه، وصحيح (رابعاً) أنّ ذلك يفتّ من عضد الجيش السوري ويرهقه، ويشكّل قوى مقابلة لدور حزب الله والحرس الثوري الإيراني، في ترجيح كفّة النظام في مناطق متعددة، خلال الفترة الماضية. لكن، ما هو أكثر أهميّة وصحّة من ذلك أنّ هذا التنظيم أخطر على الثورة السورية وأهدافها وروحها، وعلى المجتمع السوري من النظام نفسه، وأنّ التصدّي له، مهما كلّف الثمن، في الداخل السوري، سياسياً وثقافياً وإعلامياً وعسكرياً، مهمّة تاريخية وأساسية، لإنقاذ الثورة وحمايتها، لإنقاذ المجتمع من هذا الطاعون القاتل!
من هذه النتيجة، وبالعودة إلى السؤال الجوهري للصديق الحاجّ، من الضروري أن تكون هنالك "نقطة تحول"، تنبني على مراجعة نقدية عميقة لمسار الأوضاع، ولأخطاء الثوّار، ولأولويات المرحلة المقبلة. ومن الضروري، أيضاً، مناقشة الأسباب الذاتية (أي طرح سؤال: أين أخطأنا؟) التي أدت إلى ما نراه، اليوم، أين المثقفون والسياسيون السوريون والمعارضون الكبار؟ لماذا طغى صوت التيار المتطرف عليهم؟ أين الإخوان المسلمون؛ لماذا غابوا عن الثورة المسلّحة، فأصرّ مراقبهم العام على التأكيد، مراراً وتكراراً، أنّهم لا يمتلكون قوة مسلّحة، فتركوا المجال لهذا الخط الخطر؛ هل هو عجز التنظيم وشيخوخته أم قرار مقصود، ولأيّ هدف؟ أين التياران الزيدي والسروري، وما يمتلكانه من ماكينة ثقافية ودينية وإعلامية مقابلة لهذا التنظيم؟
بين يدي سؤال الصديق العزيز، عبد الرحمن الحاج، ثمّة مساحة واسعة للنقاش والمراجعة والدراسة، فهناك ممكنات كبيرة وحقيقية، حتى لو تأخر الوقت، لاستعادة روح الثورة وأهدافها ومسارها، وعدم الاكتفاء بإلقاء اللوم على النظام والعالم، فما يحققه تنظيم الدولة ليس إنجازاً أو نجاحاً للثورة في سورية، فهو والنظام صنوان، وكلاهما يتغذيّان على حلم الحرية والديمقراطية والتحرر!
 

  • شارك الخبر