hit counter script

مقالات مختارة - ناصر زيدان

تفرّقوا على الرئاسة وتجمعوا حول غزة

الأحد ١٥ تموز ٢٠١٤ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

للمرة التاسعة على التوالي يفشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للعماد ميشال سليمان الذي انتهت ولايته في 25 مايو الماضي، فقد حضر 59 نائبا الى القاعة، بينما المطلوب حضور 86 نائبا على الأقل، وهو العدد الذي يشكل ثلثي اعضاء البرلمان، لتوفير النصاب المعتمد لجلسة الانتخاب.

طبعا، وكما كل مرة حضر نواب قوى 14 آذار والوسطيون وبعض كتلة الرئيس نبيه بري وقاطع نواب التيار الوطني الحر وحزب الله، وباقي قوى 8 آذار، ولم يبعث المقاطعون كتاب تبرير يذكر سبب عدم حضورهم، وفقا للأعراف في الأنظمة البرلمانية الديموقراطية، ولكن بالتأكيد وراء غيابهم معرفتهم المسبقة ان مرشحهم العماد ميشال عون لن يتمكن من الحصول على الأغلبية من الاصوات للوصول الى قصر بعبدا.

شغور سدة الرئاسة في لبنان سمم الحياة السياسية، وألقى بظلاله الثقيلة على مختلف زوايا البلاد، وأضاف عليها عتمة أكلحت الظلام الذي تعيشه من جراء التوترات المحيطة، ومن الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، ومن الإخفاقات الاقتصادية الكبيرة الناتجة عن بعض التوترات الأمنية، وعن مشكلة النزوح السوري المخيف الى مختلف المناطق.

التسابق في إلقاء التهم حول من يقف وراء تعطيل الانتخابات الرئاسية، لم يعد ذا معنى، والبطريرك بشارة الراعي اتهم علنا المتخلفين عن الحضور إلى المجلس بمخالفة الدستور الذي يدعو النواب للشروع فورا الى انتخاب رئيس قبل انقضاء عشرة ايام من ولاية الرئاسة، ولكن المتخلفين عن الحضور لهم تبريراتهم السياسية، وهذه التبريرات ليست كافية من الناحية القانونية، ولكن الدستور لا ينص على آلية لمحاسبة هؤلاء على عدم الحضور، بل ان هذا الدستوري يحمي الحرية المطلقة للنائب بالتصرف باستقلالية، ودون ان يتحمل اي مسؤولية جزائية او تأديبية عن مواقفه، وفقا للمادتين 39 و40 من الدستور.

حرب الإلغاء في الساحة المسيحية عادت سياسيا بقوة، بعد ان فشلت عسكريا في العام 1989، وفرقاء الصراع هم انفسهم تقريبا فقد خلعوا البدلة العسكرية، وارتدوا احدث ربطات العنق الباريسية، وترشحوا لمنصب رئاسة الدولة، وتعايش اللبنانيون جميعا في كون الاقطاب المرشحين زعماء من الصف الأول، كغيرهم من الطاقم السياسي اللبناني.

في ظل كل هذه المخاطر الداخلية والخارجية في لبنان، أطلت كارثة غزة، وأصبحت مأساة الأطفال والنساء والعجّز من أبناء الشعب الفلسطيني تطغى على حديث كل اللبنانيين، وفي لبنان لا تشعر بان احداث غزة موضوع خارجي، بل هو بمثابة الشأن الداخلي اللبناني، ذلك من جراء مشتركات القربى الواسعة بين الشعبين، ومن جراء الصفاء القومي الذي يتغلغل داخل البيئة الاجتماعية اللبنانية على شاكلة واسعة.

وقد تأكد الترابط المصيري بين لبنان وفلسطين من خلال محاولات الاعتداء المتكررة التي قامت بها الآلة العسكرية الإسرائيلية في الجنوب، تحت ذرائع واهية، لعل أهم هذه الذرائع عمليات بدائية قام بها بعض الأفراد، وأطلقوا صواريخ باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة، انفجر معظمها داخل الاراضي اللبنانية.

الاندفاعة التضامنية اللبنانية وصلت الى مستويات متقدمة، فكانت نشرة الأخبار الموحدة التي اطلت بها شاشات التلفزة اللبنانية التسع يوم الثلاثاء الماضي قمة في الالتقاء الوطني والقومي فهذه الشاشات تتباعد سياسيا الى حدود واسعة، وهي على خصام كبير وتتنافس بحدة فيما بينها، ومعظمها يتبع لأحزاب تقاطع بعضها البعض، ويكاد التباين بين مواقفها يصل الى حد العداء.

الأبرز في مسيرة التضامن اللبناني مع غزة، كان الدعوة لجلسة برلمانية للتضامن مع الفلسطينيين ولإدانة اعمال التهجير الشنيعة للمسيحيين من الموصل والاجتماع ليس مجرد عمل تضامني فقط بل هو حدث سياسي كبير فالبرلمان لم يتمكن من الاجتماع لانتخاب رئيس للدولة، وهو ممنوع من ممارسة الأعمال التشريعية بحجة عدم جواز انتاج قوانين بغياب رئيس الجمهورية، وانعقاده يشكل شفاء لغليل رئيس المجلس الذي يحاول منذ مدة فتح ابواب القاعة العامة تحت طائلة عدم دفع رواتب الموظفين، ولكنه لم يوفق.

لقد وحدت فلسطين ما فرقته الرئاسة، فهل يكون ذلك مؤشرا إلى امكانية اجتماع المجلس مجددا في 12 اغسطس وانتخاب رئيس جديد، وقد يكون ذلك اشد انواع التضامن مع غزة وأجمل هدية لأطفال فلسطين؟

"الانباء" الكويتية

  • شارك الخبر