hit counter script

أخبار اقتصادية ومالية

الجامعة اللبنانية تبحث عن مخلّصها

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٤ - 08:38

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

مجلس الوزراء مدعو إلى الانعقاد الخميس المقبل، إلا أن أياً من الوزراء لا يمتلك إجابة محددة في شأن مصير ملفّي تعيين العمداء وتفرّغ الاساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية. وبحسب تعبير وزير معني بالبحث عن التسويات، يمكن القول إن الملفين مجمّدان حتى هذه اللحظة، وقد لا يجر تمريرهما قريباً، حتى ولو حلّت عقدة الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب في كلية الطب

«بازار» مفتوح في الجامعة اللبنانية، وبالتالي كل الحديث عن وجود عقدة هنا وأخرى هناك ليس إلا حديثاً في الشكل، امّا في المضمون، فقد تيقن الجميع أن القوى السياسية المسيطرة على قرار الدولة لا يحكمها الحس بالمسؤولية ولا تعير أي اهتمام للمصلحة العامّة، وهي مستعدة، لا لتدمير الجامعة الوطنية فحسب، بل لتدمير البلد كلّه من أجل تأمين منفعة خاصة أو حصّة أو اقتطاع نتف لها مما تبقى من هيكل الدولة.

لا يوجد أي مؤشر على قرب نهاية هذا «البازار»، فلا القوى السياسية راغبة في إعادة «الاستقلالية» الى الجامعة من خلال تعيين مجلس العمداء الاصيل، على الرغم من أن العمداء المقترحين بمعظمهم ما عادوا مستقلين، إذ إن معيار اختيارهم ابتعد كلياً عن الكفاءة وانحصر بالتمثيل الحزبي ــ الطائفي والمناطقي، ولا هي مؤهلة لإعداد ملف «نظيف» للتفرّغ في ضوء ارتفاع أعداد المرشحين نتيجة المحاصصة لا الحاجات الفعلية، على الرغم من أن عدد المرشحين للتفرّغ لا يزال أقل من المطلوب لنصاب الاساتذة المتفرغين في الهيئات التدريسية في العديد من الكليات!
يقول أحد الوزراء المعنيين بالعقدة المعلنة، أي النزاع بين الحزبين التقدمي الاشتراكي والكتائب على عمادة كلية الطب، إن طريقة التعامل مع ملفي العمداء والتفرّغ وصلت الى حائط مسدود، وبات إنجازهما يحتاج الى «اتفاق» على «بطل» ينال شرف «تخليص» الجامعة اللبنانية من «التعطيل» وإخراج «تسوية» تحفظ ماء وجه جميع المتورطين.

النزاع بين التقدمي الاشتراكي والكتائب يبدو في الشكل على النحو الآتي: الحزب الاول يريد الإبقاء على بيار يارد عميداً لكلية الطب، وحاول وزراء هذا الحزب إظهار موقفهم كأنه ينطلق من «معيار أكاديمي لا طائفي ومذهبي»، فهم أعلنوا رفضهم أن يتم تغيير «عميد أثبت كفاءته في إدارة شؤون كليته»، ولكن الوزير أكرم شهيب لم يتمالك نفسه في ردّه على سؤال لـ«الأخبار» عن سبب إصرار الحزب التقدمي الاشتراكي على يارد حصراً، في حين ان عمداء كفوئين غيره تجري إزاحتهم من مناصبهم في سياق توزيع الحصص الحزبية ــ الطائفية، أجاب شهيب بعفوية: «هو (أي يارد) ابن منطقة الشوف، وبدنا نوقف حدّو». قال ذلك قبل أن يضيف ان «كلية الطب هي من الكليات العلمية الحساسة التي لا يمكن المغامرة بتجريب عميد جديد لها».
إذاً، وقبل كل شيء، ينطلق الحزب التقدمي الاشتراكي في موقفه من أن له الحق في حصّة «الشوف»، ولذلك لا يجد حزب الكتائب حرجاً في استخدام مقولة قديمة للرئيس نبيه بري: «إذا كان هناك حصص فأنا أريد حصتي». هذا تماماً ما عبّر عنه الوزير سجعان قزي، الذي قال لـ«الأخبار»: ما دام ملف تعيين العمداء تحول من الأكاديمي الى السياسي البحت، فنحن نريد حصتنا منه»، وأضاف «إن ملفات الجامعة اللبنانية تلامس التوازنات الطائفية، وهذا ليس بالشيء الجديد، فعملية تسييس الجامعة بدأت منذ التسعينيات»، ولا يجد قزي أي مبرر لعدم احترام حصص كل الأطراف، مشيراً الى أن حزب الكتائب مستعد للتضحية بحصته كاملة في حال اعتمدت المعايير الأكاديمية حصراً. واتهم قزي وزير التربية الياس بو صعب بتسييس الملف عندما ذهب للتفاوض مع السياسيين، وأدخل حقوق الطلاب والأساتذة في مأزق حقيقي.
لا يمكن تبرير سلوك أي من القوى السياسية في ملفي الجامعة، إلا أن ما قاله قزي يختصر الكثير من تفاصيل المشهد المخزي؛ فالعقد لم تبدأ مع النزاع على عمادة كلية الطب. تكفي مراجعة سريعة لتطور الأحداث في جلسات مجلس الوزراء ليتبين مدى التورّط في سياسة التدمير الممنهج للتعليم العالي في لبنان.
على سبيل المثال، بدأت العقد تظهر الواحدة تلو الاخرى. في أول جلسة لمجلس الوزراء بحثت ملفي التفرغ والعمداء، فجاء الاعتراض من تيار المستقبل وحده، وبدت بقية القوى السياسية كما لو أنها متوافقة على الملفين بالصيغة التي قدّمها وزير التربية الياس بو صعب (بما فيها الحزبان الاشتراكي والكتائب). طالب «المستقبل» بعميد لكلية التربية يمثل منطقة الشمال، سرعان ما تحرّك بو صعب باتجاه الرئيس فؤاد السنيورة وأوجدا تسوية ما، قيل إنها «إيضاحات»، بمعنى أن السنيورة كان يجهل بعض التفاصيل التي تبرهن أن بو صعب التزم باتفاقه السابق مع القوى السياسية الاساسية الذي نظّم توزيع الحصص!
عشية جلسة مجلس الوزراء التالية، صدر بيان عمّا يسمى «الجامعيون الكاثوليك» يطالب بعميدين للطائفة. تبع ذلك موقف من المجلس الأعلى للروم الكاثوليك يحذر من محاولات تهميش حقوق الطائفة في تعيين عمداء الجامعة اللبنانية، وطلب المجلس من الوزير ميشال فرعون التفاوض باسم «الكاثوليك» مع وزير التربية. حصل اتفاق سريع، إذ تم إيجاد عميد «كاثوليكي» مستوف لشروط الطائفة ويجري البحث عن عميد ثان لضمّه الى مجلس العمداء! إلا أن بند ملفي الجامعة كان قد رحّل الى جلسة لاحقة. ظن أهل الجامعة أنها الخاتمة. ولكن في الجلسة الموعودة اعترض حزب الكتائب، وبرّر لاحقاً النائب سامي الجميّل بأن الكتائب تريد دراسة ملفات الأساتذة المتفرغين للتأكد من استيفائها الشروط القانونية، ما أثار موجة من اعتراضات المعنيين بالشأن التربوي ومن رئاسة الجامعة اللبنانية وعمداء الكليات واللجان الأكاديمية، التي توّلت دراسة الملفات وإعدادها معتمدةً المعايير الأكاديمية بحسب زعمها، وردت رابطة الأساتذة المتفرغين حينها على الجميّل بأن لا حق له في التدخل في الملفات المرفوعة من الجامعة أو دراستها أو تقييمها. فلبنان يكاد يكون الدولة الوحيدة في العالم التي يقوم سياسيوها بتعيين عمداء وتفريغ أساتذة. سرعان ما تبين أن الكتائب يريد فعلياً إضافة أسماء عدد من الأساتذة المتفرغين على الملف، ولم يكن حينها للكتائب أي اعتراض على العمداء. الوزير بو صعب نفّذ مطالب الكتائب حينها. فتح ذلك الشهية مجدداً، فجرت جولة جديدة من المفاوضات مع بو صعب من قبل العديد من القوى السياسية أسفرت عن إضافة المزيد من أسماء الأساتذة المرشحين للتفرغ.
مرّة أخرى ظن أهل الجامعة أن الملفين باتا جاهزين لتمريرهما في مجلس الوزراء، إلا أن البعض عبّر عن انطباعه بوجود توزيع أدوار لتعطيل مسيرتهما، وهذا ما تأكّد لاحقاً؛ فالحزب التقدمي الاشتراكي الذي التزم الصمت طوال الأسابيع الأخيرة انتفض فجأة ضد المحاصصة والتوزيع الطائفي لتعيينات العمداء، وأصرّ على بقاء عميد كلية الطب بيار يارد «الكاثوليكي» في منصبه. وقف حزب الكتائب في وجه «الاشتراكي» معترضاً على تسمية «درزي» لعميد «مسيحي»، ومتمسكاً بحصة الكتائب من العمداء. أما بو صعب فأصرّ على تسمية عميد «ماروني» لكلية الطب حفاظاً على موقع الموارنة في مجلس العمداء وحصة التيار الوطني الحر.
يتفق غير وزير على أن العقد المستجدة مع تقدّم كل جولة من الجولات توحي بأن أكثرية القوى السياسية ليست مستعدة لإنجاز ملفي التفرغ والعمداء. بعض الوزراء يفترض أن السبب يكمن في ميزان القوى، ويتهم حركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المستقبل بأنهم استأثروا بحصص تفوق ما يمكنهم الحصول عليه في ظل ظروف أخرى، ولا سيما التيار الوطني الحر الذي كانت حصته ستكون أقل في ظل وجود رئيس للجمهورية.
الفرضية الثانية لمّح إليها عدد من الوزراء، ومنهم الوزير بو صعب، إذ لن يقر أي من الملفات الاساسية ما دام كرسي الرئاسة شاغراً، أي إن هذه الملفات هي إداة مهمة للابتزاز السياسي.
أما الفرضية الثالثة فهي أن قوى الرابع عشر من آذار لا تريد أن يظهر بو صعب كبطل لأهل الجامعة، كما أن البعض منهم لا يريد أن يعطى أي رصيد لرئيس الجامعة عدنان السيد حسين لنقمتهم عليه منذ مشاركته في إطاحة حكومة سعد الحريري السابقة، التي كان فيها «الوزير الملك».
الفرضيات الثلاث مستمدة من تلميحات الوزراء وسياق المفاوضات الجارية، فضلاً عن تصريح رئيس الحكومة تمام سلام بأنه أمسك «شخصياً» ملفات الجامعة اللبنانية وسيكون شغله الشاغل السعي لإقرارها، لما في هذه الخطوة من امتصاص للنقمة على وزير التربية ورئيس الجامعة.
إذاً، هو «بازار» مفتوح، ويهدد السنة الدراسية برمتها نتيجة مقاطعة الاساتذة المتعاقدين المرشحين للتفرغ التصحيح ورفضهم إعلان نتائج الامتحانات. وبدأت ملامح الانقسام بين أهل الجامعة تزداد وضوحاً؛ ففي حين أعلن رئيس رابطة الأساتذة المتفرغين أن أي تحرك تصعيدي مؤجل حتى شهر أيلول، لأن مصلحة الطالب «أولوية»، جددت لجنة الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية دعوتها الى عدم تسليم أي نتائج للامتحانات، على الرغم من كل الضغوط والتهديدات المبطنة التي يتعرض لها الأساتذة المتعاقدون. وحذرت أي مدير أو رئيس قسم من الانتقاص من نصاب التدريس لأي أستاذ متعاقد من أجل الضغط عليه لتسليم النتائج. وحمّلت السلطة السياسية مسؤولية ارتكاب مجزرة بحق الجامعة اللبنانية وأساتذتها، ومسؤولية ضياع العام الجامعي على أكثر من 70000 طالب وطالبة. وقالت في بيان لها «إننا والطلاب رهائن عند السلطة السياسية وإن ملف التفرغ هو ورقة بيد هذه السلطة من أجل التجاذبات السياسية، ونحن لن نرضخ على الإطلاق، وسنتابع تحركاتنا بجميع الوسائل المشروعة».
وذكّرت اللجنة الاساتذة المتفرغين بوقفة الأساتذة المتعاقدين إلى جانبهم، عندما كانوا يطالبون بإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وقالت «إن إضرابهم استمر لأكثر من خمسين يوماً، مع العلم بأن عدم إقرار السلسلة لم يكن ليشكل خطراً على مصير الجامعة، كما هي الحال في ما يتعلق بملف التفرغ، كذلك نذكّرهم بأن الدفاع عن الجامعة لا يقتصر فقط على الأساتذة المتعاقدين، بل يجب على أهل الجامعة جميعاً أن يكونوا يداً واحدة في وجه أي خطر يدهم جامعتنا».

"الاخبار - حسين مهدي"

  • شارك الخبر