hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

هل "حرب غزة"... جزء من سيناريو تقسيم المنطقة؟

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٤ - 08:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

منطقة الشرق الأوسط في حركة احداث لا تهدأ ودينامية صراع لا تتوقف. ما ان تستكين الأوضاع في بلد عربي حتى تنفجر في بلد آخر لا بل تتدافع التطورات وتتزامن في وقت واحد ومتلاحق وبوتيرة متسارعة يصعب اللحاق بها ووفق مسار تصاعدي ينبىء باحتدام الصراعات واتساع نطاقها وبمزيد من الدماء والدموع...
هذا الوضع الجديد بدأ قبل أربع سنوات تقريباً مع انطلاق الثورات الشعبية وما سمي يومها "بالربيع العربي". ولوهلة أولى ساد اعتقاد ان هذا هو الشرق الأوسط الجديد الذي يولد من رحم الحرمان والمعاناة والفقر والقهر وسيؤدي إلى الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية لمصلحة انظمة ديمقراطية. ولأن الشعوب لم تكن جاهزة لهذا التحول النوعي والجذري ولم تكن قوى التغيير في المجتمع المدني مهيأة لتسلم الحكم سنحت الفرصة للحركات الاسلامية التي يحركها مشروع عقائدي وسياسي وتتميز بانها منظمة وفعّالة، للصعود مرة واحدة من القعر إلى القمة، ومن السجون إلى السلطة. كل ذلك أدى إلى انتكاسة تلو الانتكاسة في مسيرة "الربيع العربي " وبدا ان هذا " الربيع " تحول إلى "شتاء عاصف ومدمّر" وبدأ يثمر دماء وويلات وتقسيماً وخراباً.
ففي مصر وتونس فشلت الحركة الاسلامية التي يقودها الاخوان المسلمون في تجربة الحكم وتمت الاستعانة في مصر بالمؤسسة العسكرية "كقوة ضامنة" وحل لا بد منه لحقن الدماء التي بدأت تسيل في مصر وللحؤول دون الانزلاق إلى حرب أهلية مفتوحة على كل الاحتمالات. وفي تونس تعلم الأخوان المسلمون من تجربة زملائهم في مصر وأحنوا رؤوسهم أمام العاصفة التي تجتاح تونس... أما في ليبيا واليمن فحصل الأسوأ مع سقوط البلدين في الفوضى الشاملة حتى كاد الليبيون واليمنيون يترحمون على القذافي وعلى حكم علي عبد الله صالح.
أما الطامة الكبرى فكانت في سوريا مع الجنوح السريع للثورة الشعبية في اتجاه " العسكرة " والتحول إلى معارضة مسلحة خارجة عن السيطرة، وتحول الصراع السياسي إلى حرب عسكرية دمرت الحجر والبشر... الحرب السورية شكلت نقطة التحول الأساسية في مجرى "الربيع العربي" الذي توقف في سوريا. والأزمة السورية هي التي رسمت المعالم والملامح الأولى "للشرق الأوسط الجديد" الذي اعتقدنا انه سيكون " شرق التغيير" والتحول إلى المسار الديمقراطي وتداول السلطة فإذا به " شرق أوسط الصراعات والحروب المذهبية" التي لا تبقي ولا تذري. وما بدأ في سوريا من صراع طائفي ومذهبي أمتد في الآونة الأخيرة إلى العراق حيث تدور مواجهات وصراعات دينية وسياسية هي امتداد لتلك الحرب الدموية الدائرة منذ سنوات في سوريا. فالبلدان الآن يتشابهان في طبيعة الأزمة والنزاع وفي هوية القوى المتحاربة، والقوى الأقليمية المتورّطة والمساندة، ويشكلان مسرحاً واحداً لأحداث سائرة بثبات إلى إعادة رسم خارطة المنطقة وجغرافيتها السياسية.
لقد أصبح واضحاً ان المنطقة لن تعود إلى معادلة " سايكس – بيكو " بعد سقوط الحدود بين سوريا والعراق وظهور الكيانات على أسس طائفية وعرقية. ومن الصعب ان يعود العراق وسوريا إلى وضعهما السابق بعدما قطعا شوطاً متقدماً من التغييرات الداخلية والمعادلات الجديدة المرسومة بالدم والنار. وما جرى ويجري في هذين البلدين طويل وهو اعلان لانطلاقة مرحلة جديدة في الشرق الأوسط المضطرب ولفتح صفحة جديدة في تاريخه الحديث. والسمة الغالبة في "الشرق الأوسط الجديد" هي انكفاء دينامية التغيير والتحول إلى الديمقراطية، وطغيان دينامية الصراع والتحول إلى الفوضى والتطرف... أما الوجه الأبرز لهذا الصراع فهو الوجه المذهبي المقيت، وجه الصراع "السني – الشيعي" الذي بدأت ظروفه وعناصره تتكوّن وتتجمع منذ قدوم الأميركيين إلى العراق وها هو اليوم أصبح واقعاً ملموساً نعيشه يومياً على الأرض وفي العقول والنفوس.
هذا الصراع المتفجر لم يأت من فراغ ولم يحصل بالصدفة وانما خُطط له وأريد له ان يكون سبباً في تقسيم وتفتيت المنطقة وإعادة رسم اشكال الدول وانظمتها وحدودها. واستناداً إلى الوقائع والأدلة وما يجري على أرض الواقع فان هذا الصراع هو الصاعق المفجر لأوضاع العراق وسوريا وهو الذي يقود إلى ارساء وضع جديد يريح اسرائيل ويستنبط الحلول لأزمتها الوجودية عبر قيام كيانات ودويلات تحاكي النموذج الاسرائيلي في انغلاقها وتعصبها وعبر نقل المنطقة إلى حال من الاضطراب المستدام. ورغم الاختلاف في الظروف والمكونات للدول العربية وتحديداً دول "الربيع العربي" فانها تتشابه كلها في عاصفة الصراع والفوضى التي اجتاحتها وضربت مقوماتها. واذا كانت الأقاليم والكيانات الطائفية العرقية بدأت ترتسم في العراق وسوريا واليمن فان دول الخليج ومصر والأردن ولبنان ليست في منأى ومأمن عن ذلك وستصيبها عاجلاً أم آجلاًَ عاصفة "الشرق الأوسط الجديد" التي حطت رحالها منذ أيام في غزة حيث تدور جولة جديدة من القتال والحرب ليست مثل الجولات السابقة لأنها تندرج في إطار الصراع الكبير الدائر في المنطقة وتعد جولة من جولاته، ومن ضمن السيناريو المعدّ للمنطقة والمخطط الذي وضعه ويديره اللوبي الاسرائيلي مدعوماً من الادارات الاميركية والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة.
هذا المخطط بلغ مرحلة متقدمة على طريق التنفيذ حيث بدأت معالمه ترتسم بوضوح على الأرض. واما هدفه الأساسي فهو توفير الحماية لاسرائيل التي تحاصرها أزمات ديمغرافية وأمنية وتمر بضائقة مالية واقتصادية واستراتيجية وتواجه خطراً وجودياً، إلى درجة انها تكاد تفقد ميزتها كقوة جذب لليهود في العالم وبدأت تتحول إلى " قوة لطرد " الاسرائيليين إلى العالم في هجرة معاكسة.
ولأن حرب غزة ليست مجرد جولة جديدة بين حماس واسرائيل، وتهدف فيما تهدف إلى احداث تحول على الأرض يلاقي التحولات الجارية في المنطقة ويكملها، فانها لن تنتهي إلى ما انتهت إليه الجولات السابقة من تفاهمات واتفاقات تهدئة ولن تتوقف الحرب فيها عند هذا الحد. بل ستسعى اسرائيل إلى تقويض الوجود الفلسطيني السكاني في قطاع غزة وافراغه من مضمونه وقوته عبر اجبار الفلسطينيين على النزوح القسري والهجرة الجماعية وتنفيذ عملية " ترانسفير " (TRANSFERT) منهجية لفلسطينيي غزة ولاحقاً لفلسطينيي أراضي الـ 48 وطردهم من الأراضي المحتلة عبر طرق وضغوط ونماذج متعددة، نرى منها حالياً نموذج استخدام القوة العسكرية في غزة وتعتمد فيها لاحقاً ضغوط ومضايقات واعتقالات تعسفية في سياق المخطط الهادف إلى احداث تغييرات ديمغرافية وجغرافية وسكانية.
ولأن الأمر كذلك فان اسرائيل رفعت مستوى شروطها وطموحاتها وتريد ثمناً مرتفعاً لوقف حربها لا يقل عن تدمير معنويات الفلسطينيين وشخصيتهم ودحر مشروع حماس في غزة حتى لا يتمدد إلى الضفة من طريق حكومة الوحدة والمصالحة مع فتح والاستيلاء على السلطة الفلسطينية. وما تريده اسرائيل من عدوانها العنيف على غزة في ظل معركة غير متكافئة هو خلق واقع جديد في غزة لا يلغي فقط خطر الصواريخ ومشروع المقاومة، وانما يلغي مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة والقابلة للحياة...
ففي زمن حروب تفكيك المنطقة وتقسيمها لا تبقى الساحة الفلسطينية خارج هذا الزمن... وفي واقع الحروب المترابطة والمتداخلة في المنطقة لا تكون حرب غزة خارج هذا السياق العام للأحداث وانما هي جزء من كل، وتفصيل في مشروع متكامل... 

  • شارك الخبر