hit counter script

مقالات مختارة - بسمة النسور

طلاق مسكوت عنه

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٤ - 07:36

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

لا يمكن أن نصدق أن أحداً من الناس قد يرغب، في أعماقه، أو قد يتسبّب منفرداً، بالفشل في حياته الزوجية. وبطبيعة الحال، لا أحد كذلك يسعى، بكامل قواه العقلية، إلى خراب البيوت، فالأصل في علاقة الزواج الديمومة والاستمرار. هذا إذا افترضنا، لغايات الجدل، أنها، وعلى الدوام، علاقات معافاة سويّة، منسجمة، قائمة على عناصر المحبة والثقة والتفاهم، ما يثمر بالنتيجة إنجاب أطفال سعداء أصحّاء نفسيّاً، يمارسون حقهم الطبيعي في طفولةٍ آمنةٍ مستقرةٍ، زاخرةٍ بمشاعر الفرح والحب والأمل، فتنمو مداركهم وخبراتهم الإنسانية، وتتّضح وتتحدّد ملامح هوياتهم النفسية من سلوكيات وطباع، في ظل والدين متحابَّيْن، تجمع بينهما مشاعر الألفة والمودّة والسكينة والصداقة الحقيقية التي تجعلهما أكثر قدرة وقابلية على العطاء، وعلى الاعتناء بأبنائهم، والتعاون، جبهة واحدة، في مواجهة صعوبات الحياة وتحدياتها لمنح أطفالهم الحياة الهانئة الوادعة التي يستحقون، والعمل على تأمين مستقبلٍ أفضل لهم، بحيث يصبحون رجالاً ونساءً أسوياء قادرين على التصدي للحياة بصلابة وتماسك، غير مُحمَّلين بعقد الكراهية والنفور، محقّقين ذواتهم على الصعيد الإنساني، متمكنين من مهارات التواصل الاجتماعي، حائزين النجاح الأكاديمي والمهني الذي لن يتأتى بسهولة إلا في حالة المحظوظين ممّن أتاحت لهم الحياة ظروفاً طبيعية خالية من أجواء الحقد والتناحر والبغضاء التي تطيح بثقة الطفل بنفسه، وتولّد لديه شعوراً بالدونيّة واحتقار الذات، مؤهَّلين لتكوين حياة أسريّةٍ عفيّة، مكررين، بالضرورة، النمط الايجابي البنّاء الذي تربوا في كنفه.
غير أن سجلات المحاكم الشرعية تؤكد أن هذه الصورة المشرقة الوردية غير قابلة للتعميم على بيوتنا، وتكاد تصبح الاستثناء، في ظل حقيقة تقول إن حالات الطلاق وصور العنف الأسري إلى ازدياد. ويعزو اختصاصيون أسباب الطلاق إلى الأوضاع الاقتصادية الراهنة الصعبة، إضافة إلى عدم القدرة على التعامل مع الآخر، وانعدام ثقافة الحوار الإنساني بين الأزواج.
ويضيف الاختصاصيون أسباباً أخرى، مثل تدخل الأهل واختلاف البيئة وتباين المستوى العلمي وعدم التكافؤ، وغيرها من الحقائق الإحصائية الباردة المجردة، ولا يعلّقون أهمية كبرى على انتفاء شرط الحب والقبول، أساساً طبيعياً لأي علاقة إنسانية، سوف يكون استمرارها بحكم القانون، أو بموجب نظريات علماء السلوك الاجتماعي، أو بسبب تدخل فاعلي الخير من الساعين إلى إصلاح ذات البين، ضرباً من المستحيل. وبغضّ النظر عن فداحتها، تبقى تلك الحالات المُعلن عنها قيد البحث والتحليل والسيطرة، غير أن الخطر الحقيقي يكمن خلف أبواب تلك البيوت المغلقة على أسرارها، من خلافات زوجية حادة مسكوت عنها، بلغت، عبر السنين، حد اللاعودة، وأدّت إلى جوٍّ عائلي مسكون بالتنافر والجفاء والوحشة، في تواطؤ مرعب، عنوانه الحقيقي الخوف "من حكي الناس"، متذرعين بمصلحة أطفال يتم الاستفادة منهم واستثمارهم ورقة ضغط في مجريات النزاع، ورخصة للاستمرار الميكانيكي في حياة زوجيةٍ لفظت أنفاسها، ولم يمتلك أحد الجرأة على إعلان وفاتها، فيعيش الجميع، باستسلام مطلق، ظروف طلاقٍ صامتٍ يستهلك طاقة الأطراف كافة، حيث تمضي الحياة عبثاً وعبئاً، من دون بارقة أملٍ لحدوث تغيير ما. ويظل الأطفال الضحايا الأبرز لهذا الوضع غير الإنساني، الشاذ، الذي يحكم عليهم العيش ضمن ظروف طفولة بالغة الصعوبة، ويجعل منهم نماذج إنسانية شوهاء، شديدة الإحساس بالغبن وبالغضب، ولن تخلو في حالات عديدة من نزوع إلى العنف وسيلةً للفت النظر، عاجزة عن تحقيق أي إنجاز، مثقلة بإرثٍ من الكراهية، قد يكبّل أيّ طاقة لديهم باتجاه الحياة، لأنهم سوف يكررون، باللاشعور، النمط الأسري البائس نفسه. وهنا، بالضبط، تكمن المأساة.
 

  • شارك الخبر