hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - ألان سركيس

«صبرا وشاتيلا»... عوامل التفجير على تخوم الضاحية

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٤ - 06:38

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

يعود مخيّم صبرا وشاتيلا إلى واجهة الأحداث في لبنان مع وقوع أيّ إشكال، وسط تقاعس الدولة عن حلّ مشكلة المخيّمات، ومحاولة بعض القوى اللبنانية زَجّ الفلسطينيّين واستغلالَهم في نزاعات ذاقوا منها الأمَرَّين سابقاً.
 

قد يكون الإشكال الذي شهده مخيّم صبرا وشاتيلا منذ يومين وتجدد مساء أمس بعد فشل الاجتماع الأمني للفصائل الفلسطينية، فرديّاً، لكنّ عوامل ومعطيات عدّة جعلته يرتدي الطابع السياسي، وفتحت معه ذكريات الحرب المؤلمة، ونزاعات المخيّمات مع الجوار، إضافةً إلى الفتنة السنّية - الشيعية.

وقد ساهمَ موقع المخيّم في تسليط الضوء عليه مجدّداً، على رغم أنّ مساحته الإدارية لا تتجاوز الـ200 متر طولاً و190 م. عرضاً، لكنّه يُظهر داخله خريطة الخلافات الفلسطينية، فيما تثبّت أطرافه توازنات طائفية ومذهبية لا يمكن المَسّ بها، تتخطّى حدود لبنان لتشمل نزاعات المحاور الإقليمية.

من المعروف في عِلم العسكر والسياسة، أنّ مَن يسيطر على العاصمة «يقبض» على البلد كلّه، من هنا تكمن الأهمّية الإستراتيجيّة لمخيّم صبرا وشاتيلا الذي يقع على أطراف العاصمة، ويشكّل «جدار بيروت» الفاصل بين الضاحية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، وبين الطريق الجديدة وقصقص ذات الغالبية السنّية.

ويقطن هذا المخيّم نحو 20 ألف فلسطيني، بينما يسكن الضاحية نحو نصف مليون نسمة، والمقارنة تُظهر حجم التفاوت الديموغرافي، لكنّ هذه الأرقام لا تعني شيئاً في المعارك، لأنّ السكّان لا يقاتلون، إذ يستطيع 20 قنّاصاً، إذا تمركزوا في أحياء المدينة وعلى أسطح الأبنية، شلَّ حركة المدينة بأكملِها، خصوصاً أنّ النزاعات الحاليّة في لبنان ليست حرباً مفتوحة وخطوط تماس، إنّما معارك أحياء محدودة لتوجيه رسائل سياسية عبر صندوق البريد اللبناني، علماً أنّ المخيّم يحوي 300 مسلّح بأسلحة فردية وخفيفة وثقيلة حسب الأرقام الرسمية.

فوضى «السرايا»

لم يمرّ ليل أمس الأوّل هادئاً على سكّان صبرا وشاتيلاً. وعلى رغم أنّهم اعتادوا الإشتباكات، إلّا أنّهم غير راضين على الوضع الذي أرهقَهم. فالإشكال بدأ عندما دخل أحد الأفراد التابعين لمجموعة بلال الزير و«سرايا المقاومة» إلى محلّ يبيع «أكسسوارات» للنساء وبدأ بكَيلِ الشتائم، وعندما طلب منه العامل التوقّف لوجود نساء في المحلّ، استفزَّه، فما كان من العامل إلّا أن ضربَه بالسكّين، فخرج مسرعاً وأحضر بندقيّة وأطلق النار عشوائياً.

ويروي «أبو صبحي» أحد عناصر منظّمة التحرير الفلسطينية أنّ «الإشتباكات استمرّت حتى الثانية ليلاً، وشاركت فيها جماعات منظمة من «سرايا المقاومة» و«حزب الله» كانوا مقنّعين ويرتدون اللباس الأسود، ولم تنتهِ إلّا عندما تدخَّل الجيش وانسحب جميع المقاتلين».

مُخَلّفات الاشتباكات

سيطرَ الهدوء الحذِر على المخيّم أمس، واستنفرت فصائل منظمة التحرير، فيما عزَّز الجيش تمركزَه على مداخل المخيّم من ناحية الرحاب، وسحب المتضرّرون الأغراض لإعادة فتح محالّهم مجدّداً.

عند زاوية المخيّم، يتجمّع الشباب ويراقبون الوضع، بلا سلاح ظاهر، فيما يلعب الأولاد ويبحثون عن رصاص وقنابل لم تنفجر، يركضون على الأرض التي اتَّشحت بالسواد نتيجة الحرائق، تحميهم فقط من الشمس أشرطة الكهرباء التي تغطي السماء، وبعضُ الشعارات والأعلام التي رُفعت تأييداً لمنتخبات كرة القدم المشاركة في «المونديال»، لأنّهم يعتبرون أنّ من حقّهم العيش والفرح، وسط «القَرف» والمياه «الآسنة» في المخيّم.

يحاول محمد اسماعيل، وهو رجل سبعيني لا يقوى على السير، رفعَ الأضرار وترتيب محلّه لبيع البرّادات، محاولاً إنقاذ ما يمكن، فمعظم محتويات المحلّ تضرّرت، ولكن لا مَن يعوّض: «الله الوحيد بعوّض». يروي محمد أنّه ترك محلّه عندما اندلعت الاشتباكات واختبأ مع زوجته، ليعود صباحاً ويرى الكارثة، ويقول: «خسرنا أرضنا في فلسطين والآن نخسر ما نملك في لبنان».

«ليسوا مقاومة»

في أزقّة صبرا وشاتيلا غضبٌ كبير على «حزب الله» الذي يصفه معظم الشبّان بحزب «الشيطان»، لأنّه «يدعم التنظيمات التي تحاربهم في لبنان، بينما يتاجر بالقضية الفلسطينية»، وهذا الموقف عبَّر عنه بوضوح أمين سرّ فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في المخيّم كاظم الحسن، الذي يقول لـ«الجمهورية» إنّ «هذا المخيّم هو المقاومة الحقيقيّة، وكلّ بيت له شهيد، أمّا تجّار المخدّرات والمخرّبون فليسوا أبداً «سرايا مقاومة»، مع أنّنا نرحّب بكلّ إنسان يطلق رصاصة على إسرائيل»، مؤكّداً أنّ «المخيّم الإداري ليس سبب المشكل، فالدولة تطلب منّا توقيف مطلوبين، ونحن نلبّي فوراً، لكنّ المشكلة تكمن في أطراف المخيّم، حيث تبسط الدولة سلطتها ولا توقف المعتدين، وعلى رأسِهم عصابة شاكر البرجاوي وداعميه».

ويشير الحسن الى أنّ «هذه العصابة كان هدفها اغتيال 29 ضابطاً من القوى الأمنية التابعة لنا والمولجة حماية أمن المخيّم، فافتعلوا الإشكال وقتلوا الضابط أبو وائل قنصاً، في مكان بعيد جداً عن ساحة المعركة»، رافضاً رفضاً قاطعاً «الصور المغلوطة التي تُنقَل عن المخيّم لجهة أنّه يأوي مجموعات متطرّفة». ويضيف: «لم نعرف بالسنّة والشيعة إلّا عندما دخلنا لبنان»، جازماً بأنّ «المخيّم لن يكون بؤرةً أو مصدراً للإخلال بالأمن اللبناني، لأنّه إذا اهتزّ الأمن اللبناني، سيقضي علينا، فأين نهرب؟».

نازحون عند لاجئين

يعيش المخيّم وضعاً اقتصادياً صعباً، ويتَّكل أهله على المساعدات الخارجية من أقربائهم في الخارج، وينتمي بعض الشبّان الى تنظيمات تدفع لهم الفتات، ويعمل آخرون على البسطات، لكنّ شبّان المخيّم يشكون من النازحين السوريين الذين أخذوا عملهم. النقمة كبيرة، والمفارقة أنّ هذا المخيّم يحوي مع محيطه نحو 1000 عائلة سوريّة نازحة، منهم مَن نزلوا عند أقاربهم، فمعظم البيوت تسكنها عائلتان.

وآخرون استأجروا منازل بعدما أجّرَ عدد كبير من الفلسطينيين منازلهم وخرجوا من المخيّم نتيجة الوضع القائم، فيما لم تقدّم المنظمات الدولية أيّ مساعدات تُذكر. والدليل على الوضع الإقتصادي الصعب هو استعمال الأهالي عرباتٍ تجرّها الحمير أو البغال لنقلِ البضاعة داخل المخيّم، وخصوصاً مادة الرمل، لأنّ الشاحنات لا تدخل أزقّته الضيّقة.

خطر التطرّف

حاولت الدولة اللبنانية حلَّ قضية أمن المخيّمات، وقد شكَّلت لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني لهذه الغاية، وإذا كان هذا الموضوع مطلباً لبنانياً فإنَّ الفلسطينيّين يستعجلون الحلّ، ولا يريدون تكرار قضية مخيّم نهر البارد أو حرب المخيّمات، لذلك، يحاولون قدر الإمكان منع تمدّد الجماعات المتطرّفة إليهم، مع أنّ الأوضاع الإقتصادية تشكّل بيئة خصبة لتلك التنظيمات.

وحتّى الآن تصف مصادر من الطرفين اللبناني والفلسطيني الوضعَ في مخيّم صبرا وشاتيلا بأنّه «تحت السيطرة ولا شيء يدعو إلى القلق، لأنّ القرار الفلسطيني واضحٌ بعدم جرّ المخيّمات إلى نزاع مع الجوار أو تحويلِها «يرموك 2».

  • شارك الخبر