hit counter script

باقلامهم - البروفسور جاسم عجاقة

قدرة الأوبك تزداد يوماً بعد يوم

الإثنين ١٥ حزيران ٢٠١٤ - 05:30

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

47% من أصل 84 مليون برميل هو الإنتاج اليومي لدول الأوبك. هذا الرقم يحمل في طياته الكثير، خصوصاً لناحية قدرة هذه الدول على التلاعب بأسعار النفط. هذه القدرة تزداد يوماً بعد يوم بفعل عوامل كثيرة وتطرح مشكلة وضع هذه الدول على الخارطة الجيوسياسيّة.

أبصرت منظمة أوبك النور في العام 1960 في العراق نتيجة إتفاق خمس دول هي العراق، المملكة السعودية، الكويت، إيران وفنزويلا. وتضم هذه المنظمة اليوم 12 عضواً وتحتكر ما يُقارب الـ 47% من الإنتاج العالمي وأكثر من 70% من الاحتياط من النفط. ويأتي إنشاء منظمة الأوبك كنتيجة لهيمنة الشركات النفطية العالمية على سوق النفط وفرضها للأسعار التي تُناسبها. من هذا المنطلق تجمعت بعض الدول المُنتجة للنفط، بعد عملية تأميم للشركات المحلية، في منظمة واحدة.
وبدراسة عميقة للأرقام يُمكن الاستنتاج أن الدول المنتجة للنفط غير الأعضاء في منظمة الأوبك، تُنتج نفطها بكامل قدرتها الإنتاجية مع احتياط يُقارب الـ 300 ألف مليون برميل. لكن في المُقابل لا تعمد دول الأوبك إلى الإنتاج بكامل طاقتها الإنتاجية وذلك بهدف المُحافظة على أسعار عالية للنفط مع العلم أن إحتياطها أكبر بكثير من إحتياط الدول النفطية الأخرى ونضوب أبارها سيأتي بعد نضوب أبار الدول النفطية غير الأعضاء في منظمة الأوبك. والمبرر لهذا الوضع هو أن الدول المتطورة والنامية تعرف أهمية النفط لاقتصاداتها المتطورة في حين أن دول الأوبك تستغل هذه الوضع للتلاعب بالأسعار خصوصاً بعد أزمة 1973.
والحسابات تُظهر أن قدرة الدول النفطية غير دول الأوبك على إنتاج النفط ستبدأ بالانخفاض ابتداءً من العام 2036، ومعها ستعمد دول الأوبك إلى المحافظة على إنتاجها لأن خفض حصة الدول الأخرى من إنتاج النفط كفيل وحده برفع أسعار النفط عالمياً. وهذا سيدر أرباحاً هائلة على دول الأوبك التي سترى مدخولها من النفط سينفجر وسيجعل منها دولاً لها وزنها على الخارطة الجيوسياسية.
لكن هذا التطور سيترافق مع سياسات حرارية عالمية بدأت بالظهور وعلى رأسها التخفيف من التعلق بالنفط وزيادة التعلق بالطاقات الأخرى كالطاقة النووية والفحم والطاقات المُتجددة. فالصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المُتحدة الأميركية، بدأت بتفيذ سياسة حرارية تعتمد على استبدال النفط بالفحم وخصوصاً في معامل توليد الكهرياء وذلك تزامناً مع اكتشاف تقنية جديدة لحرق الفحم لا تُلوث الجو بإصدارات غازية. فالصين الغنية بمناجم الفحم أدخلت هذا الأخير في إستراتيجيتها بهدف تقليل الكلفة على الاقتصاد الصيني. كما عمدت الصين إلى وضع استراتيجية نووية لتوليد الكهرباء تنص على إنشاء أكثر من 400 معمل نووي لإنتاج الطاقة الكهربائية وبدأت بتفيذ إنشاء 30 معمل من أصل الـ 400 المُتوقعة.
أما في الولايات المُتحدة الأميركية، فقد أخذ اكتشاف تقنيات جديدة لإستخراج الغاز الصخري منحاً جديداً دفع بالإدارة الأميركية إلى تغيير استراتيجيتها الحرارية وإدخال الغاز والنووي في صلب هذه الاستراتيجية.
وفي ظل هذه التطورات السريعة، لم يستطع الأوروبيون الدفع إلا في إتجاه الطاقات المتجددة والغاز الطبيعي والسائل وذلك تحت ضغط الرأي العام المناهض للنووي ورفض البرلمانات الأوروبية اللجوء الى استخراح الغاز الصخري لما له من تداعيات سلبية على الطبقة الفرياتيكية وهي التي تحتوي على ينابع المياه.
وبهذا نرى أن الصين وأميركا بدأت العمل باتجاه استقلالها الحراري في حين أن أوروبا أُلزمت باستيراد الغاز الروسي وإنتاج الطاقة بواسطة الطاقات المتجددة. لكن هذه الأخيرة لم تصل بعد الى مستوى صناعي يسمح بتزويد مدن أو مصانع بالطاقة على شكل واسع مما يعني تعلق أوروبا أكثر وأكثر باستيراد النفط.
وأخذت معظم الدول المتطورة على عاتقها مهمة وطنية تقضي بترشيد استهلاك الطاقة وزيادة كفاءة استخدام الطاقة عبر برامج وطنية وسياسات ضريبية بهدف البدء بتغيير سلوك المواطن تجاه استهلاك الطاقة. وإذا كانت كفاءة استخدام الطاقة دخلت في استراتيجيات الدول الحرارية، إلا أن لبنان ما يزال يتخبط بأزمة فساد تضرب قطاعه الحراري وتمنع أيّ تطور في هذا المجال إن من ناحية تخفيض الكلفة أو من ناحية ترشيد الاستهلاك أو من ناحية حماية البيئة.
عندما نرى الاستراتيجيات الحراريّة للدول المُتطورة ونرى ما يحصل في لبنان على صعيد الكهرباء، نفهم ماذا يعني كلمة استنزاف الاقتصاد والمالية العامة.
خبير إقتصادي واستراتيجي
 

  • شارك الخبر