hit counter script

أموال المتقاعدين وديعة لا هبة

الجمعة ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 06:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

نظام التقاعد في خطر. هذا ما يستشعره المتقاعدون، وسط التهديد بتعديل النظام وفرض ضريبة على المعاشات التقاعدية أو على المحسومات التقاعدية التي سبق أن اقتطعت من رواتب تدفع الضريبة نفسها. اليوم، يتلاقى المتقاعدون للتنسيق في ما بينهم من دون أن يبلوروا حتى الآن خطة للمواجهة

الهجوم على نظام التقاعد والمعاشات التقاعدية لموظفي القطاع العام بدأ منذ اليوم الأول في مشوار البحث عن تمويل سلسلة الرتب والرواتب. في ذلك الوقت، سمع المتقاعدون أنّ رواتبهم ستشكل أحد مصادر التمويل، فيما تبنت دراسة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي عن «شروط إقرار السلسلة» اقتراح وزارة المال (في عهد الوزير السابق محمد الصفدي) بتعديل بعض المواد القانونية في نظام التقاعد والصرف من الخدمة ونظام ضريبة الدخل.

يومها، تقاطع هذا الاقتراح مع طرح لرئيس «الهيئات الاقتصادية» عدنان القصّار بنفض هذا النظام من أساسه وتغيير فلسفة المعاش التقاعدي عبر التحوّل إلى مفهوم الصناديق التعاضدية الذي يُعيد إلى الموظّف القدر نفسه من الأموال التي استثمرها، خلافاً لما هو معتمد حالياً بنسبة اشتراكات تبلغ 6%. و«هوّل» القصّار بأنّ «نظام التقاعد المعمول به حالياً يُهدّد بكسر لبنان خلال عشر سنوات».
بعدها، تسلّم الدفة الرئيس فؤاد السنيورة، إذ شنّ في مطالعته أمام الهيئة العامة للمجلس النيابي، هجوماً على المتقاعدين، مقدّراً عددهم بنحو 117 ألف شخص، في حين أنّ أرقام وزارة المال تشير إلى أن عدد هؤلاء يلامس 82 ألفاً و300 متقاعد. السنيورة رأى أنّ «نظام التقاعد في الدولة هو الأكرم في العالم قاطبة، وأن النظام التقاعدي المعمول به في الأسلاك العسكرية لا يضاهيه نظام تقاعدي في العالم في كرمه».
ثم انضم رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط إلى حفلة الهجوم على المتقاعدين، فلفت في حديث إلى جريدة «السفير» إلى أنّ «من غرائب هذه السلسلة أنّ أرقام التعويضات التي يحصل عليها المتقاعدون في بعض الأسلاك هي هائلة، قياساً إلى القدرات المالية للدولة، ولم يعد ينقص سوى أن نخصص زيادات للأموات أيضاً».
في الواقع، هناك الكثير من المسؤولين، وحتى من المواطنين يعتقدون أن المعاش التقاعدي هبة من الدولة تدفعه من أموالها الخاصة للمتقاعدين مكافأة لهم على تضحياتهم في الخدمة الفعلية، بحسب ما قاله اللواء المتقاعد عثمان عثمان في لقاء جمع ممثلي المتقاعدين أمس، وبذلك يكون للدولة كامل الحرية في تقدير تلك الهبة وكيفية إعطائها.
الحقيقة غير ذلك تماماً، تشرح هيئة التنسيق المشتركة لجمعيات المتقاعدين في القطاع العام، وهناك فرق بين راتب الموظف في الخدمة ومعاش التقاعد. الأول هو نتيجة عقد عمل واتفاق ضمنيين بين الدولة والموظف عند تعيينه يتعهد فيها الأخير للدولة القيام بواجباته الوظيفية. أما الثاني، فهو ليس سوى نتيجة المحسومات التقاعدية التي تقتطعها الدولة من رواتب المتقاعدين عندما يكونون في الخدمة الفعلية من دون أن تشارك الدولة في دفع أي قرش من أموالها الخاصة في هذه المحسومات.وقد سمحت قوانين التقاعد اللبنانية المتتالية منذ أول قانون عام 1929 بوضع تلك المحسومات في خزانة الدولة كوديعة لحساب تقاعد الموظّف تحافظ عليها تأميناً لتقاعده، في انتظار إنشاء صندوق خاص للتقاعد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. هذا الصندوق لم يبصر النور حتى الآن رغم أنّه منصوص عليه في 5 مراسيم اشتراعية وآخرها القانون 47/83.
الأهم أنّ وديعة المحسومات ليست كالوديعة التي يضعها أصحاب الرساميل في المصارف الخاصة، فالأخيرة تعطي لصاحبها الفائدة وتحفظ له ملكيتها. أما بالنسبة إلى الأولى، فإنّ وزارة المال تدفع للمتقاعد بعضاً من فائدتها كمعاش تقاعدي وبعد وفاة المتقاعد والمستفيدين من المعاش أي زوجته وأولاده، فإن وزارة المال تستولي لنفسها على ما بقي من تلك الوديعة. قد يسأل أحدنا عن مقدار تلك المحسومات التقاعدية وما إذا كانت فعلاً كافية لإعطاء المعاشات التقاعدية من دون إشراك الدولة بدفع بعض من أموالها الخاصة؟
قانوناً، تتألف المحسومات التقاعدية من نصف راتب الشهر الأول من خدمة الموظف مع حسم 6% من الراتب مع القسط الشهري الأول من كل زيادة تطرأ على الراتب، وهي بذلك كافية لإعطاء المتقاعد فائدة شهرية لأمواله من المحسومات التقاعدية كمعاش تقاعدي أكبر مما تدفع له الدولة.
لنأخذ مثلاً موظفاً دخل الوظيفة براتب شهري 500 ألف ليرة لبنانية، فإن راتبه سيبلغ بعد 40 عاماً من الخدمة الفعلية مع الزيادات التي تطرأ عليه مليوناً و56 ألف ليرة لبنانية. وإذا أحيل هذا الموظف على التقاعد بعد 40 عاماً، فإنه يتقاضى 85% من آخر راتب (علماً بأنّ النسبة كانت 100% قبل سلسلة عام 1998)، وبالتالي فإن هذا المعاش يساوي: 1056000*85%= 897 ألفاً و600 ل.ل.
أما المحسومات التقاعدية التي تقتطع من راتب ذلك الموظف، فلو جرى توظيفها أو وضعت على الأقل في أي مصرف أو صندوق، أو لو دُيِّنت للدولة كما تستدين عادة لمدة 40 سنة، شرط عدم المس بها طوال تلك المدة، فإن الفائدة التي ستعطى لها لن تقل عن 12%، وبذلك فإن هذه المحسومات ستبلغ بعد 40 سنة: 396 مليوناً و922 ألفاً و118 ليرة لبنانية. هذا المبلغ إذا ما وضع في أي مصرف فلن يعطي فائدة أقل من 7%، وبذلك فإنّ فائدته الشهرية ستبلغ مليونين و315 ألف ليرة لبنانية، أي مرّة ونصف المعاش الشهري التقاعدي الذي تعطيه الدولة لذلك الموظف. هذا لا يعني أنّه ليست هناك حالات شاذة يُنتظر من المتقاعدين في القطاع العام أن يكونوا على استعداد لمناقشتها وضبطها وتصويبها من أجل حماية نظام التقاعد نفسه، ومنها ما يحصل على مستوى استغلال المعاش التقاعدي الذي ينتقل إلى الزوجة والأولاد بعد وفاة المتقاعد، إذ إن هناك على سبيل المثال حالات طلاق «صورية» تحدث في صفوف نساء بعض النواب والموظفين الكبار وبناتهن بغية الاستفادة من رواتب آبائهن المتقاعدين في القطاع العام. إلى ذلك، إنّ الزيادات التي طرأت أخيراً على رواتب المتقاعدين القضاة في السلسلة الجديدة جعلت بعض المعاشات التقاعدية خيالية. ومن النماذج أنّ ابنة أحد القضاة المتوفى منذ عام 1947 تتقاضى راتب والدها الذي تجاوز 7 ملايين و345 ألف ليرة، إضافة إلى المعاش العائلي الذي يبلغ 33 ألف ليرة.
على كل حال، يمكن المتقاعدين أن يشكلوا قوة ضغط، وخصوصاً أنّه غالباً ما يستعان بهم بعد التقاعد في الدراسات والاستشارات، ويكونون قريبين من صناع القرار السياسي. فهل سيفعلون؟
لا يبدو حالياً أن هناك نية للتصعيد الميداني، أو هذا على الأقل ما أوحاه لـ«الأخبار» رئيس هيئة التنسيق المشتركة لجمعيات المتقاعدين في القطاع العام اللواء عثمان عثمان عندما قال: «لسنا من دعاة الإضراب والتظاهرات، بل نعتمد وسائل الإقناع بوضع الوقائع والحقائق أمام المسؤولين والرأي العام». عثمان كان يتحدث على هامش لقاء صحافي لمكونات الهيئة، وهي: المجلس الوطني لقدامى موظفي الدولة، رابطة قدامى القضاة، منتدى سفراء لبنان، ورابطة قدامى القوات المسلحة. ولا يبدو أيضاً أن هناك استعداداً لدى هؤلاء للانخراط في حراك هيئة التنسيق النقابية كما دعاهم في اللقاء النقابي محمد قاسم، علماً بأنّ رابطة المتقاعدين في التعليم الثانوي هي جزء من هذه الهيئة.
عثمان شرح حقيقة المعاش التقاعدي، نافياً تأثيره على اقتصاد الدولة ما دام يدفع من أموال المتقاعدين وأنّ الدولة تستفيد من وضع المحسومات التقاعدية في خزانتها وتخزينها مبالغ تتجاوز مئات الملايين من الليرات اللبنانية. وبينما حدد اللواء المتقاعد المطالب من دون إعلان خطة تحرك عملية، تدخل القاضي المتقاعد عبد الله الحاج، فاقترح تأليف لجنة مصغرة لمراجعة من لديهم الحل والربط تماماً كما فعل القضاة المتقاعدون يوم أقرت السلسلة الأخيرة.
أما المطالب التي طرحتها هيئة التنسيق المشتركة للمتقاعدين، فهي:
1 - المساواة في الرواتب والمعاشات التقاعدية بين العسكريين وبين من يماثلهم من المدنيين.
2 - رفع معاشات التقاعد من 85% من آخر راتب قبل الإحالة على التقاعد إلى 100% أسوة بمعظم بلدان العالم، والعربية منها.
3- وفي انتظار صدور الصندوق الخاص بالتقاعد، تُنشأ لجنة خاصة دائمة تكون مهمتها درس أي امر يتعلق بالتقاعد وبالحسومات التقاعدية، وخصوصاً بأي تعديل لقانون التقاعد تؤلف برئاسة وزير المال ومن موظفين في القطاع العام العسكري والإداري، وخصوصاً من ممثلين للمتقاعدين.

فاتن الحاج- "الاخبار"

  • شارك الخبر