hit counter script

مقالات مختارة - رضوان مرتضى

حكاية علي... ابن المخيم المغدور

الخميس ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 06:33

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

قبل أربع سنوات، قصد الشاب الفلسطيني علي خليل (مواليد 1992) مكاتب «الأخبار» باحثاً عن عمل، أيّ عمل. لم يكن يحمل شهادة جامعية. ولا يعلم شيئاً عن أصول الكتابة الصحافية، لكنّه كان يعرف معظم كتّاب «الأخبار». فقد كان يقرأ أعداد الصحيفة باستمرار وتربطه صداقات عبر الفايسبوك ببعض كتّابها، رغم أنّ «عديدين يتهمونها وقناة الجديد بتصوير المخيّم كبؤرة للإرهاب وإهمال معاناته».

لم يكن علي يشاطر أهل المخيّم هذه الرؤية، إنّما كان يلقي باللائمة على الدولة اللبنانية المسؤولة عن تردّي حاله. كان ابن شقيقة الشيخ أسامة الشهابي، يعرف المطلوبين من أبناء عين الحلوة فرداً فرداً. في نظر علي، «قلّة منهم تحمل مشروعاً، وبعضهم الآخر تجّار، فيما الأغلبية بينهم مظلومون ثمّ مجرمون بالإجبار». تحدّث يومها عن «جيش المخبرين الذي يفبرك الأخبار بحق أبناء المخيم ليقتات بها على فتات الأمنيين». والمظلومون، في عُرف علي، هم أولئك الذين تُزجّ أسماؤهم في أحداث أمنية، هم براء منها، فيُدفعون إلى عدم الخروج من المخيّم خشية التوقيف، ويفاقم الأزمة فقدان الثقة بالقضاء العسكري بفعل التجربة. وبحسب علي، «بعد مدّة، سينجرف المظلوم اليائس والمحاصر في المخيّم نحو الجريمة، أو قد تجتذبه إليها جماعة معيّنة ينتمي إليها ويضرب بسيفها... والدافع لذلك ظلم الحكومة اللبنانية وفقدان المتّهمين الأمل بتسوية قريبة تُنقذهم».كان علي يختلف عن كُثُر من أبناء جيله. كان يعيش صراعاً فكرياً داخلياً بين ما تنشده نفسه وما شبّ عليه. في تلك الفترة، كان متأثراً بـ«حزب الله». كان يحفظ معظم أناشيده الثورية ويحلم بأن يكون أحد المقاتلين في صفوفه. ويقول: «لاحقاً أوجدت لي مجاهرتي بحبّ السيّد حسن بعض المشاكل في المخيّم». يخبر علي أنّه كان يفاخر وسط أقرانه بحبّه لأهل البيت الذين «عرّفني عليهم خالي الشيخ» أسامة الشهابي الذي لم يكن يفوّت علي فرصة من دون أن يقول إنّه قدوته.
قرابة الثانية فجر الأحد، قتل مجهولون ملثمون علي نضال خليل في مخيم عين الحلوة
انطلقت «الثورة السورية». واستمرّ الوضع على حاله في المرحلة الأولى. في تلك الأثناء، كان علي يود الزواج بفتاة شيعية يُحبّها، لكنّ وضعه المالي الصعب حال دون ارتباطه بها. بحث كثيراً عن عمل من دون جدوى. ثم وجد عملاً «مياوماً» حتى تمكّن من بناء منزل بالقرب من منزل أهله.
في المخيّم، كان يُتّهم شقيقه الأكبر وخاله خليل الشهابي بالتشيّع. أما خاله أسامة الشهابي، أحد أبرز «قاعديي» عين الحلوة، والذي يتّهمه القضاء العسكري بالتورّط في عمليات إرهابية والانتماء إلى «فتح الإسلام»، فتأخذ عليه بعض المجموعات الأصولية رفضه تكفير عوام الشيعة. فيما أصبح شقيقه الأوسط، أحمد (مواليد 1990)، مطلوباً بعد ورود اسمه في أحد التحقيقات المتعلّقة بعبد الغني جوهر (المتهم بتفجيرات ضد الجيش في الشمال عامي 2007 و2008).
لم تدم حال علي طويلاً. ترك العمل وضاقت به سُبل العيش. بحث كثيراً عن مصدر رزق من دون جدوى. فقد الأمل بالارتباط بحبيبته الأولى. انطوى على نفسه أكثر واعتزل الناس لفترة. بعد مدّة، أوقف أحد أصدقائه على مدخل مخيم الرشيدية للاشتباه به بالتخطيط لعمل إرهابي. ومنذ أشهر قليلة، أُدرِج علي نضال خليل على لائحة المطلوبين. لم يكن قبلها كذلك. كان يخرُج من المخيّم متى يشاء، لكنّه لم يعد كذلك. تزامن ذلك مع تداول بعض الفصائل الفلسطينية اسمه بوصفه مشاركاً في الأحداث الأمنية التي ضربت المخيّم في الآونة الأخيرة، وتحديداً عمليات الاغتيال. في الشهرين الماضيين، كان علي يشكو ظروفاً صعبة بسبب غياب أي فرصة للعمل داخل المخيّم، لكنّه كان يعزي نفسه بأن «السجن لصلاح الإنسان أحياناً»، قاصداً أسوار المخيّم التي ارتفعت في وجهه. موقفه من حزب الله كان قد تغيّر. لم يُفصح أكثر، قال فقط إنّه لم يعد يراه كما كان. في المحادثة ما قبل الأخيرة، ذكر علي أنّه بدأ يتابع دروساً دينية لدى الشيخ بهاء الدين الحجير. ولدى سؤاله حينها إن كان الأخير هو نفسه المتّهم بالتورّط بتفجيري السفارة الإيرانية، ردّ بنعم. لكنه اعتبر أن «التهم باطلة بحق الشيخ الذي درس في السعودية وله من العلم سعة ويستحيل أن يهدر دماء الأبرياء». وعن الأحداث الأمنية الأخيرة في المخيّم، قال علي إنّها «نتاج صراع الدحلان وأبو مازن». أعرب يومها عن تشاؤمه من احتمال تردّي الأحوال إلى الأسوأ. ثم انتقل إلى الحديث عن مضمون كتابٍ يقرأه قال إن اسمه: «أشراط الساعة»، شارحاً أنّه عن «علامات يوم القيامة الكبرى والصغرى».
قرابة الثانية فجر الأحد، قتل مجهولون ملثمون علي نضال خليل في حي الصفصاف في مخيم عين الحلوة. وبحسب المعلومات، لم يكن هناك اشتباك، إنّما كانت «عملية اغتيال وتصفية». فقد كمن مسلّحان لعلي ثم أطلقا النار عليه وأصاباه بجروح خطرة، نُقل على أثرها إلى مستشفى لبيب الطبي، لكنه ما لبث أن توفّي.
لم يُرِد علي خليل أن تكون حياته كما كانت. كان يود العمل ليتزوّج ويؤسّس عائلة صالحة. في إحدى المرّات قال ممازحاً: «لو كان معي 2000 دولار لكنت تزوّجت وأنجبت طفلاً يحمل اسمي». قصّة علي تنسحب على كُثر من أبناء المخيمات، وتحديداً «عين الحلوة». أمس، تداول أصدقاء علي عبر الواتس آب نشيداً كان قد سجّله بصوته، وأهداه إلى السجناء الإسلاميين في سجن رومية المركزي. لم يبق من علي سوى صوته الصادح ببضع كلمات تحكي عن لسان حال كثيرين مثله: «متِّعونا بهواء منعه كان حراما... ليس بعد الليل إلا بدر فجرٍ يتسامى».

  • شارك الخبر