hit counter script

أيقوناتٌ رشحَت زيتاً... عجائبُ تتجدّد وشفاءاتٌ تتكرّر

الثلاثاء ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 06:36

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

حافية القدَمين دخلت راغدة إلى كنيسة القدّيس جاورجيوس جدَيدة - مرجعيون. في قلبها حرقة وعلى شفتيها حسرة، بشوقٍ اقتربت تُتَمتم في أذن أيقونة العذراء: «أتوسّلك بحقّ الابن الذي بكيتِه جاثيةً، ألّا تأخذي ابني، أهديكِ الثقبَ الذي في قلبِه لتملئيه بزَيتِك المقدّس». تصمتُ، تجهشُ بالبكاء... مُردّدةً «دعيني أموت قبله».

منذ أن رشحَت أيقونة العذراء زيتاً، في كنيسة القدّيس جاورجيوس في جديدة مرجعيون، «لنحو شهرِ»، على حدّ قول خادم الرعية الأب فيليب عقلة، لا تزال العذراء تُمطِر النِعم على أبنائها وكلِّ من يلجأ إليها، مُحدثةً علامةً فارقة في النفوس.

ويوضح الأب عقلة لـ«الجمهورية»: «العجائب بالنسبة إلى الله أمر عاديّ، فهو مَن خلَق أنظمة الطبيعة، وقادرٌ على تجاوزها عندما يشاء». ويتوقّف عقلة مستذكِراً أعجوبة رشحِ الزيت التي شهدتها رعيته، فيقول: «بينما كنتُ أحضّر القدّاس في السكرستيا، لاحظَتْ إحدى المؤمنات أنّ الزيت يرشح من حول الهالة التي تحيط بوجه العذراء، فأخبرَتني، وعلى الفور وضعت منديلاً لالتقاط الزيت. أذكر كم كان شذا الزيت يعبق في أرجاء الكنيسة وكأنّه ممزوج بالطيب. وعند المساء عاودَت الأيقونة الرشحَ واستمرّت لأسابيع».

لا يُنكر الأب عقلة أنّ في تهافت المؤمنين عند سماعهم بالأعاجيب شيئاً من الفضول، و«لكنْ في نفوس العدد الأكبر منهم عطشٌ للتمسّك بما يزيدهم إيماناً ورجاءً في خِضمّ تقلّبات الحياة، لذا يسارع بعضهم لتبشير الآخرين ودعوتِهم لالتماس البَركة والنِعم».

شاهد عيان

راغدة ليست المؤمنة الوحيدة التي تتوسّل أعجوبة، فالدكتور جان شاتيلا الذي تسنّى له أن يكون شاهدَ عيان في كنيسة مار جاورجيوس لحظة رشحَت العذراء زيتاً، يتمنّى بدوره لو تتكرّر الأعجوبة، «فالحياة بعد الأعجوبة، ليست كما قبلها»، على حدّ تعبيره.

بحماسةٍ متناهية وبخشوع التائبين يروي لـ«الجمهورية» عن التغيّرات التي أحدثتها فيه، فيقول: «أجدُ نفسي محظوظاً، لم أعاين في حياتي أجملَ من هذا الحدث، فقد أعادني إلى ذاتي، وتبدّل بعدَه مفهومي للحياة، فلم أعُد أرى الأمور في مادّيتها، إنّما بمنحى أكثر روحانيّة». ويضيف: «في اللحظة التي أشار فيها أحد المؤمنين إلى الزيت كيف يجري نزولاً وكأنّ شخصاً ما يسكبه، بلمحِ البصَر تغيّرَ مجرى الزيت وانعطف جانبياً، فِعلاً لا حدودَ لمقدرة الله».

من مرجعيون إلى الأشرفية

ساعاتٍ جلسَت نغم تبكي في المقاعد الخلفية من كنيسة دخول السيّدة في الأشرفية، وتندبُ حظّها، بعد اكتشافها أنّ زوجها مصابٌ بمرض السرطان، وليس أمامه سوى أيام معدودة يمضيها مع عائلته. هل تصارح أولادَها بالحقيقة؟ كيف ستقوى على فراقه؟

هل تبدأ بالبحث عن عمل؟ صراعٌ من الأسئلة تجاذبَ فكرَها. إلّا أنّها وقبل أن تغادر الكنيسة التفتَت إلى الأيقونة العجائبية عن شمال الباب، قائلةً: «أنا أضعفُ من أن أخسر زوجي، ولكن لتكن مشيئتك». بعد نحو شهرين عادت نغم إلى الكنيسة، وبكت طويلاً على المقعد عينِه، جلست ساعاتٍ تتأمّل تلك الأيقونة العجائبية، ولكنْ هذه المرّة لشُكرِها ومَدحِها على العمر الجديد الذي وهبته لزوجها، فبعد المراجعة الطبّية الأخيرة لم تُسجّل الفحوص أيّ نتيجة سلبية.

الأيقونة العجائبية نفسها التي شفَت زوج نغم العام المنصرم، كانت قد بكت عام 1975 تزامُناً مع الأحداث اللبنانية، ورشحت زيتاً مِراراً، جاذبةً نحوَها آلاف المؤمنين المندهشين.

«أعجوبة مستمرّة»

من جهته، يحرص خادم الرعية الأب إلياس فرح على التعامل بثقة وإيمان عميقين، مع ما يسمعه من شفاءات ويشهده من عجائب، مردّداً في قرارة نفسِه وعلى مسامع الجماعة المؤمنة: «ألله قادرٌ على كلّ شيء».

ويوضح فرح لـ«الجمهورية» خلفية عدم استغرابه قائلاً: «إذا تأمّلنا في عقيدة إيماننا نلاحظ أنّنا نعيش عجيبة يوميّة في كلّ لحظة ودقيقة أثناء الذبيحة الإلهية، وتحديداً عند حلول الروح القدس على القرابين، مع تحوّل الخبز والخمر دمَ وجسدَ سيّدنا يسوع. فهل نستغرب بعد مقدرة الله على صنع أعاجيب أخرى؟».

ويتوقّف فرح عند معاينته لأعجوبة رشحِ الأيقونة العجائبية زيتاً، فيقول: «قبل فترة وجيزة من رشحِ الأيقونة زيتاً عام 2007، وصلت تقديمات هائلة إلى الدير تقدَّر بنحو 200 كيلو بخور وصفائح من الزيت من دون معرفة مصدرها.

بعد فترة وجيزة لاحظَت إحدى الراهبات أنّ الأيقونة ترشح زيتاً، وكانت نقطة الزيت أشبه بحبّة الألماس، تلمع على نحو غريب، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأيقونة موضوعة في زجاج مقفل، لا نُخرجها منه إلّا مرّتين في السنة».

ويضيف: «وصل الخبر تدريجاً إلى المؤمنين الذين توافدوا من كلّ حدبٍ وصَوب لتلمّس النِعم وأخذِ البركة، إلى حدّ أنّ ما نملكه من بخور وزيت كاد لا يكفي حاجتنا... ما حدث معنا ليس دليلاً إلّا على أنّ العذراء نظَّمت حضورَها بحسن تدبيرها المعهود».

ما الذي يريد الربّ قوله من الأعاجيب؟ يجيب فرح: «في البداية لا بدّ من التعامل مع هذه الظاهرة كفرصةٍ للصلاة وشكر الله على نعمِه. ففي وقت من الأوقات يرسل لنا الربّ علامات وإشارات، ليُثبّت إيماننا، ويظهر لنا قدرته ومقدرته على تجاوز المعقول». ويضيف: «قد يسأل البعض لماذا يشفي الله فلاناً وليس غيره، فهذه جدَليّة لا ندخل فيها، كلّ ما يجب معرفته هو أنّ الله موجود ولا يحجب رحمته عن أحد، ولنتذكّر كلام القدّيس بولس «حيث تكثر الخطيئة تكثر النِعم».

لماذا التعلق بالأعاجيب؟

يذهب عميد كلّية اللاهوت في جامعة القدّيس يوسف الأب طوم سيكينغ أبعدَ من حدثِ رشحِ الزيت أو الماء، مشدّداً على مرحلة ما بعد الأعجوبة؟ ويوضح لـ«الجمهورية»: «بعد حدوث الأعجوبة والتبارك، من غير المنطق أن يعود المرء إلى دياره كما جاء، لا بدّ لهذه الأعجوبة أن تُحدِث تغييراً ما في حياته نحو الأفضل، وإلّا تفقد الأعجوبة دورَها ودلالتها، من عبَر مستخلصة». ويضيف: «على سبيل المثال، كلّ مَن يعاني في حياته من عادة سيئة، كالسرقة أو اشتهاء مقتنى غيره، لن يعود إلى ممارسة تلك السيئات بعد التماسه البرَكة».

ويعتبر سيكينغ أنّ الأعجوبة لا تنتهي مع توقّف عملية الرشح، فيقول: «توقّف الزيت أو الماء، لا يعني غياب إمكان التماس النِعم والبركات، فالله حاضرٌ دائماً معنا، ولا يحتاج دائماً للأعاجيب ليخاطبَنا، فكلامُه في الكتاب المقدّس وحضوره الدائم في الافخارستيا يغنينا عن أيّ شيء آخر».

لماذا يتعلق المرء بالأعاجيب؟ يجيب سيكينغ: «تتفاوت الأسباب بحسب طبيعة البشر، ولكنّ معظم الذين يبحثون عن عجيبة لا يشعرون بالامتنان في حياتهم العادية، ويفتقرون للسعادة الشخصية، والدليل أنّ العدد الأكبر من الناس لا يطلب أعجوبة إلّا في أوقات حرِجة صعبة».

ينهي الأب سيكينغ كلامه مشدداً على أهمّية ثقة المؤمن بربّه، فيقول: «منهم من يطلب إشارةً أو دليلاً أو عجيبة من الربّ قبلَ الشروع بأمرٍ ما، وكأنّ إيمانه ضعيف، وفي المقابل هناك من يعمل من دون أن ينتظر أعجوبة، يُسلّم أمرَه لربّه، فتحدثُ أعجوبة تزيد إيمانَه وتُرسّخ ثقته، لذا فلننتبه حيث يقلُّ الإيمان تشحُّ الأعاجيب».

ناتالي اقليموس- الجمهورية

  • شارك الخبر