hit counter script

الرواية العسكرية الكاملة لسقوط «إمارة القلمون»

الثلاثاء ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 05:56

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

القلمون خزّان المسلّحين والسلاح كانت عصيّة عن مجرّد التفكير في دخولها واسترجاعها. ويبرود تلك المدينة التي ما إن يُذكر اسمُها حتى تستحضِر إلى الأذهان وجوهاً قاتلة وأصواتاً مُرعبة وروائحَ بارودِ التفخيخ والقتلِ وأقفاص الأسرِ والخطف... ها هي القلمون اليوم تلفظ الإمارة فتشمخ فيها الأميرة معلولا عالياً.

كيف بدأت عملية القلمون العسكرية

بعد التفجيرات التي استهدفت الضاحية الجنوبية بالسيارات المفخّخة والانتحاريين، تمكّنت التحقيقات الأمنية لأجهزةِ «حزب الله» والجيش اللبناني من التثبُّت أنّ كلّ المعامل والرؤوس التي تعمل على تجهيز السيارات المفخّخة وإرسالها إلى لبنان موجودة في القلمون، وتحديداً في النبك ويبرود، عندها اتَّخذ «حزب الله» القرار الكبير بدخول المعركة، لما تُشكّل هذه المنطقة من تهديد وجوديّ له وللمقاومة وجمهورِها.

من هنا بدأت معركة القلمون، أُعِدَّت الخرائط والخطط العسكرية، وبدأت عمليات الاستكشاف والرصد والمراقبة، ولعبَت طائرة «أيّوب» الاستطلاعية التابعة للحزب دوراً بارزاً في هذا الإطار.

قُسِّمت العملية العسكرية إلى ثلاث مراحل بعد تجميع المعلومات التي أظهرت أنّ «جبهة النصرة» هي الفصيل الأخطر والأقوى في القلمون بقيادة «أبو مالك التلي» المعروف بـ»أبو مالك العراقي» المُحاط بعددٍ من المساعدين لا يقلّون خطورةً عنه، ومنهم: «أبو عزّام الكويتي» (أو وجدي العنزي) نائب أمير «جبهة النصرة» الذي قاد صفقة إطلاق راهبات معلولا، وهو قُتل في معارك يبرود، و»أبو طلحة البغدادي» (عراقي الجنسية) المتّهم بتفخيخ وتفجير دير شيروبيم البطريركي على مرصد صيدنايا، وقد قُتِل في المكان نفسه في معركة الرادار (صيدنايا)، التلّة المشرفة على رنكوس. والقيادي التونسي «أبو المعتصم المهاجر» و»أبو شادي» القيادي الخطير الذي قُتِل في رأس العين، و»أمير الصرخة» أحمد يزبك درغام، هؤلاء كانوا المساعدين الأساسيين لـ»أبو مالك» الذي أصيب بدوره في معركة يبرود، وعلمَت «الجمهورية» أنّه موجود الآن في بلدة الزبداني.

المرحلة الأولى من العملية العسكرية بدأت في قارّة، فدَير عطية وصولاً إلى النبك التي اعتُبر سقوطها مفصليّاً في المعركة. النبك كانت خزّان القلمون بالسلاح والعبوات، حيث ضمَّت 12 مخزناً حوَت جزءاً كبيراً من السلاح الذي استولى عليه المسلّحون من مستودعات «مهين»، قذائف دبّابات وقذائف مدافع ميدان، استفادوا منها في تفخيخ السيارات وتجهيز العبوات.

وقد وردت معلومات مسبَقة لـ»حزب الله» ومخابرات الجيش اللبناني عن مخطّط خطير بأسلوب جديد يُحضّر في النبك لاستهداف الضاحية، وهو ما كُشف عنه لاحقاً عبر تجهيز 3 سيارات مفخّخة وسيارة إسعاف، للإرسال إلى لبنان كي تنفجرَ في وقتٍ واحد وفي أماكن عدّة من الضاحية، لإيقاع عدد كبير من الضحايا، ثمّ تأتي سيارة الإسعاف لاحقاً وتُفجَّر لتحصد العدد الأكبر من المواطنين ولا سيّما الشخصيات السياسية التابعة للحزب والتي تنزل على الأرض للتفقّد، وهذا ما دفعَ بالحزب والجيش السوري إلى تسريع حسم معركة النبك والسيطرة عليها، كما تمّ العثور على السيارات المفخّخة . بعد النبك، بدأ تأمين طريق حمص - دمشق عبر السيطرة على كلّ الطرق التي تربطها بالنبك - دير عطية وقارّة.

المسلّحون اتّجهوا إلى يبرود ثمّ بدأت المرحلة الثانية من العملية العسكرية وعنوانها يبرود - البؤرة الأساسية ومعقل المخطّطين. قوّات «حزب الله» والجيش السوري أوهموا المسلّحين أنّهم سيهاجمون من قارّة، فسارعوا إلى حشدِ قوّاتهم هناك. لكنّ الحزب والجيش السوري التفّوا من الجراجير (شرق السلسلة اللبنانية)، وهي تقع إلى جانب بلدة قارّة وتُشرف على عشرة معابر حدودية، الأهم بينها «معبر الزمران».

وبعد الجراجير بدأت معركة التلال بالتزامن مع إقفال المعابر وتمكّن «حزب الله» والجيش السوري من السيطرة على التلال المشرفة على مدينة يبرود تباعاً، وفقَ منهجية عسكرية اعتمدت أسلوب السيطرة على المرتفعات المحيطة، فتُصبح المدينة ساقطة عسكرياً.

وفي معركة عنيفة واشتباكات استمرّت 36 ساعة، دخل «حزب الله» يبرود من مزارع ريما وكسرَ خطوط دفاعات المسلّحين. ومن جهةِ الشرق وصلَ إلى تلّة مار مارون وتغلغلَ، فانسحب المسلّحون إلى رأس المعرّة وفليطا، وكانت السيطرة كذلك على بلدة السحل شرق مزارع ريما قد أقفلت الطريق على المسلّحين لجهة فليطا.

سقوط يبرود كان العامود الثاني في الخطّة العسكرية. فيبرود راهنَت عليها كلّ الدول الداعمة للمسلحين، وخطفت هذه المدينة الأضواء، خصوصاً بعدما نُقل عن «جبهة النصرة» مباشرةً أو عبر التنسيقيّات أنّ يبرود ستكون مقبرة «حزب الله»، مع الإشارة إلى أنّ الفصائل المسلّحة التي قاتلت في القلمون توزّعت بين «جبهة النصرة» (التنظيم الاساسي) و»الجبهة الإسلامية» وفصائل من سكّان القلمون (ألوية مختلفة - أحرار القلمون - القادسية...). وهناك مَن أتى أيضاً للقتال من خارج القلمون (أحرار الشام).

وكان للحرب الإعلامية التي شنَّها «حزب الله» على المسلّحين وقعٌ كبيرٌ، فتحدَّث عنها محلّلون إسرائيليّون ومعاهدُ بريطانية والصحفُ الغربية التي لفتت إلى أنّ الحرب النفسية الإعلامية سَرَّعت في تهاوي المقاتلين وانهيارهم. وقد اعتمد الحزب على إظهار قوات النخبة لديه، وعلى العرض الصاروخيّ (وخصوصاً بركان)، واستعراض القدرات القتالية العالية لديه.

وبعد يبرود بدأت قوّات «حزب الله» والجيش السوري بالتحرّك إلى القرى الأخرى - رأس العين - فليطا - رأس المعرّة، وكان واضحاً التنسيق الميداني بين «النصرة» وبقيّة الألوية المقاتلة في القلمون، على الرغم من افتقادهم للقيادة الواحدة.

لكن في معركة فليطا - رأس المعرّة اختلفوا في ما بينهم، وقد بان هذا الاختلاف جليّاً في حركتهم وقتالهم، فاستفاد الحزب من أوضاعهم ونفَّذ في عمل استخباراتيّ دقيق عمليّات عدّة استهدفت الرؤوس، وكانت عمليّات نوعية جدّاً، منها تفجير الفيلا في محيط حوش عرب التي استهدفت مجموعة قيادات بضربة واحدة.

المرحلة الثانية حقَّقت تقدّماً كبيراً في العملية العسكرية، وقد حرص «حزب الله» على السرعة والمباغتة حتى لا يترك للمسلّحين أيّ متنفّس حتى إنّ أحد القادة الميدانيّين قال لـ»الجمهورية»: «لا استراحة لأنّ هؤلاء المسلّحين إذا تُركوا يومين سيستعيدون قواهم ويقاتلون بشراسة شهراً إضافيّاً...».

وإلى المرحلة الثالثة دُر

رنكوس كانت العامود الثالث الأساسي الذي أدّى إلى انهيار القلمون، فالمسلّحون حاولوا، مستفيدين من الأخطاء العسكرية التي وقعوا فيها في معركة يبرود، إتّباعََ تكتيكات عسكرية معاكسة، فثبَّتوا دفاعاتهم على التلال المحيطة برنكوس، وهي المدينة الثانية لهم من حيث الاهمّية بعد يبرود في القلمون، والتي انسحبوا إليها مع ما تبقّى من قادتِهم بعد هزيمتهم في رأس العين وفليطا ورأس المعرّة.

قوّات «حزب الله» والجيش السوري فتحت في موازاة معركة رنكوس جبهة في «الصرخة»، وأوهَمت المسلّحين أنّ عملية رنكوس مؤجّلة، فحشدَ المسلّحون في اتّجاه الصرخة، وإذ بقوّات الحزب والجيش تشنّ هجوماً على رنكوس من الجهة الجنوبية بالتوازي مع بدء معركة التلال المحيطة.

عملية رنكوس العسكرية

وضع «حزب الله» والجيش السوري خطة مُحكمة للهجوم على المدينة من محاور عدّة في عملية قُسِمت إلى قسمين: الأوّل، خطّة للتقدّم في اتّجاه المدينة بعد كسرِ دفاعات المسلحين. والثاني خطّة المرتفعات والتلال المحيطة، وهي تلال استراتيجية مشرفة على كامل المنطقة وسلسلة الحدود اللبنانية.

العملية العسكرية بدأت فجراً بقصف جوّي ومدفعي لأهداف مؤكّدة تضمّ قيادات وتحصينات وأنفاقاً سرّية في المرتفعات، بعدها تقدّم الجيش من الجهة الجنوبية على سلسلة المرتفعات ودارت اشتباكات عنيفة مع المسلحين لساعات، سيطرَ «حزب الله» فيها على أهمّ مرتفَع ويعرَف بـ»مرصد صيدنايا» المشرف على صيدنايا ورنكوس والسلسلة الشرقية وغالبية القرى المحيطة، والذي كان سابقاً يحوي ثكنة تدير الحرب الالكترونية للجيش السوري.
وبالتزامن مع هذا التقدّم، حصل تقدّم آخر من الجهة الشرقية لمدينة رنكوس أدّى الى كسر الدفاع الاوّل لهم والسيطرة على حي الإسكان.

وبعد معارك عنيفة، تمَّت السيطرة على جبل محمية الطيور وبقيّة المرتفعات مع مشفى مجمع القلمون، لتصبح السلسلة كلّها تحت سيطرة «حزب الله» والجيش السوري. والملفت أنّه لم يكن هناك دفاع متين على مداخل رنكوس، كما حصل في مزارع ريما عند مداخل يبرود، وسقطت الدفاعات سريعاً من الاشتباك الأوّل.

أمّا في التلال، فقد قاتلَ المسلحون ليومين، مستفيدين من التحصينات والطبيعة الجغرافية للمنطقة والأرض الجرداء والمخابئ الصخرية والكهوف والخنادق.

وبعد سقوط رنكوس والتلال الاستراتيجية المشرفة بدأت تتساقط القرى المجاورة كأحجار الشطرنج. وخلال 24 ساعة كانت قوّات «حزب الله» والجيش السوري قد استرجعت عسال الورد- جبعدين- الجبّة- حوش العرب- البخعة (الصرخة)، وفتحَت الطريق في اتجاه استرجاع معلولا انطلاقاً من الصرخة، بالتكتيك العسكري نفسه الذي احتلّ فيه المسلحون معلولا سابقاً.

وهنا انتهت العملية العسكرية للقلمون بمراحلِها الثلاث، وفرَّ المسلّحون في اتّجاه عرسال، وسهل رنكوس المتصل ببلدة الطُفيل، وجنوباً إلى الزبداني التي تصل القلمون بطريق المصنع (الطريق الدولية) وجرود بلودان.

«خلصت» القلمون وسيطرَ «حزب الله» على ثلاثين معبراً للمسلّحين والسلاح وسيارات الموت إلى لبنان تمتدّ من القُصير الى رنكوس، في معركة سيكون لها بالتأكيد ارتداداتها على موازين القوى والمعادلة الداخلية والإقليمية.

وقالت مصادر عسكرية شاركت في معركة القلمون لـ»الجمهورية» إنّ الإنجاز الذي تحقّق في هذه المنطقة هو الأهمّ منذ بدء المعارك في سوريا، مشيرةً إلى أنّ الأيام المقبلة ستكشف مدى أهمّية هذا الأمر عسكرياً واستراتيجياً وسياسياً. وكشفت عن بدء التحضير لعملية عسكرية من أجل استرجاع الزبداني والغوطتين، بعدما أنذِر المدنيّون للمغادرة خلال 48 ساعة.

ليندا مشلب - الجمهورية

  • شارك الخبر