hit counter script

مقالات مختارة - حسين شبكشي

«اللبننة» الثانية!

الجمعة ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 06:29

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الشرق الاوسط

يتداول المحللون السياسيون والمؤرخون في العالم العربي لفظ «اللبننة» لوصف الاقتتال الطائفي الذي يتحول إلى حرب أهلية قاسية وبشعة لا تبقي ولا تذر، وتقضي على الأخضر واليابس. واللفظ المستخدم هنا هو للتشبيه بما حدث في لبنان من مشاهد هائلة بسبب الصراعات الطائفية المتجذرة، وتغلب الطائفة والمذهب والعائلة والمنطقة على الدولة نفسها.

في الحقيقة أود أن أختلف قليلا أو حتى كثيرا في شرح هذه المفهوم، لأن «اللبننة» بالنسبة لي تعني سلطة الشخص أو المجموعة على الدولة، وغياب هيبة ومكانة الدولة لصالح منطق القوة والسلاح والتهديد، وهذا حتى أخطر بكثير من الاقتتال الطائفي. فاليوم في لبنان، وكما يروي لي أحد الأصدقاء، فإنه حينما يلتزم أبسط قواعد الشروط والأنظمة المرورية ويقف بسيارته أمام الإشارة الحمراء، سرعان ما تنفجر خلفه آلات التنبيه منطلقة من السيارات تطالبه بالتحرك، ويكون مرفقا بإحداها تعليق وصرخة عنيفة من أحد السائقين خلفه: «ولك تحرك، شو مفكر حالك بسويسرا يعني؟!».

وعندما يشعر الشخص بأن الدولة ضعيفة وبلا هيبة ولن «يستمع» إليها أي أحد فهو حتما سيلجأ لمن «يأتي له» بحقه بطرق «أخرى» لها ثمن يحصّل بأساليب يتم الاتفاق عليها، وبالتالي مع الوقت تتحول «مجاميع» أو «شخصيات» بعينها لتكون ذات مفعول وتأثير أهم بكثير من معظم شخصيات الدولة ومؤسساتها، ويتولد بذلك النظام الرمادي الموازي، ويتم تكوين «الكيان البديل» بالتدريج، فيصبح تدريجيا، حقيقة، لا قيمة للقانون ولا معنى للدستور ولا مغزى للنظام، لأن الواقع يفرض أمرا آخر أبطاله نماذج «مختلفة» عن الذين يظهرون ليلا ونهارا على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد.

ولذلك يصبح «حزب» أهم من جيش الدولة بسلاحه، وتصبح جماعات مسلحة أهم من أجهزة الشرطة، وتصبح جمعيات أهلية أحد أهم «الممولين» للمشاريع والمآرب الخاصة، ومع الوقت تتمادى هذه المجاميع في عدم الاكتراث بأنظمة الدولة «الواضحة والصريحة»، ولا بتحذيرات كل الرؤساء من تجاوزاتهم وخطورة أفعالهم على أمن البلاد واستقرارها واستمرار «تحايلهم» على منظومات المراقبة المالية الدولية بشتى صورها وخلط مصادر المال من دخل ومن صرف بشكل يهدد مكانة البنك المركزي للدولة نفسها. إنه اللعب بأعتى أنواع النار، إنه السير بخطى حثيثة من خلق «شكل» الفراغ السياسي بداية بإنهاك وإضعاف وتحقير كل مؤسسات الدولة بكل الطرق حتى تصبح «فعليا» بلا قيمة، ثم بالتدريج العمل على «إسقاط» البدائل حتى يكون واقع الفوضى هو السائد، والكل يعلم أن هناك «فوضى خلاقة» يحظى بها من يستعد مبكرا أو يعد العدة لها، وكما أشار ذات يوم جهبيذ علوم الإدارة الفذ توم بيترز في كتابه المعنون بـ«النجاح بالفوضى»، فإن هناك مؤسسات وأفرادا لا يحققون مبتغاهم إلا في فوضى عارمة.

«اللبننة» هي حالة تجهيزية متتالية يتم فيها إعلاء مكانة الأفراد والجماعات المارقة والخارجة على الدولة حتى يتم مع الوقت القضاء التام على مفهوم الدولة الحديث والمواطنة ويتحقق الهدف الأهم، الدولة الأكبر ذات البعد العقائدي.

  • شارك الخبر