hit counter script

أخبار محليّة

الراعي خلال رتبة الغسل: نصلي كي يتوقف تزويد المتنازعين بالأسلحة لمصالح سياسية

الخميس ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 19:25

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعد ظهر اليوم، على مذبح الباحة الخارجية للصرح في "كابيلا القيامة"، رتبة الغسل وصمد القربان عاونه فيها لفيف من المطارنة والكهنة بحضور حشد من المؤمنين.

والقى الراعي عظة بعنوان "جعلت لكم قدوة، لكي تصنعوا أنتم كما صنعت أنا"، جاء فيها: "في مثل هذا اليوم، ليلة آلام الرب يسوع وموته، أسس بفيض من حبه سري القربان والكهنوت، لكي من خلال الخبز والخمر، المحولين إلى جسده ودمه، تستمر ذبيحة الفداء على الصليب، ووليمة كلمته وجسده ودمه، لحياة العالم. وأثناء هذا التأسيس، قام عن العشاء وراح يغسل أرجل التلاميذ، كما يفعل العبيد لمواليهم. فكشف أن حياة الإنسان تكتسب قيمتها من الخدمة، وأن الخدمة تنبع من الحب، وتضعنا في مصاف الأشراف. هذه هي ثقافتنا المسيحية، أن نخدم بعضنا بعضا وبحب. لذا أوصانا الرب: "جعلت لكم قدوة، لكي تصنعوا أنتم كما صنعت أنا" (يو13:15).

يسعدنا أن نحتفل معكم، أيها الحاضرون، بعيد خميس الأسرار. ونحيي بنوع خاص ثانوية راهبات العائلة المقدسة المارونيات في ساحل علما، إدارة وهيئة تعليمية وطلابا وأهلا. إن طلابها يحيون هذا الإحتفال، ويمثل اثنا عشر منهم دور تلاميذ الرب، فنقوم برتبة غسل أقدامهم كما صنع يسوع. إنها مناسبة خاصة لهم ولأهلهم ومعلمهم ومربيهم، لكي يقبلوا نعمة المسيح التي تغسل قلوبهم، المرموز إليها بغسل الأرجل، ولكي ينالوا ثقافة المحبة والخدمة المتفانية التي تعطي معنى لحياتهم.

يسوع قدوة لنا في محبته. فقد "أحبنا حتى النهاية" (يو13: 1)، فمات على الصليب فداء عنا، وعن كل إنسان يولد، لكي يصالحنا مع الله ومع بعضنا البعض، ويفيض من جسده المذبوح الغفران لخطايا التائبين. وقام من بين الأموات ليعطينا الحياة الإلهية التي تقدسنا وترفعنا إلى قمم الروح، وليجعلنا في حالة قيامة. فلا نبقى في حالة ضعف أو فشل أو يأس، ولا في حالة الخطيئة والعادات المنحرفة.

وترك لنا سر محبته في سر القربان الذي أسسه ليلة آلامه وموته، جاعلا جسده مأكلا ودمه مشربا للحياة الإلهية فينا، بواسطة الخبز والخمر المحولين في جوهرهما إلى جسده ودمه، ليكونا ذكرى موته على الصليب في ذبيحة القداس، بشكل دائم ومتواصل، ووليمة روحية لغذاء النفوس.

وعبر عن محبته اللامتناهية بتأسيس سر الكهنوت، لكي بالسلطان الكهنوتي المعطى لكهنة العهد الجديد، يقيموا ذبيحته الأسرارية، ويقدموا للمؤمنين والمؤمنات مائدته الروحية، فيتواصل من خلال خدمتهم حضور الرب الخلاصي وسط شعبه، وتتواصل ذبيحة الفداء على الصليب، ووليمة كلمة الإنجيل وجسد المسيح ودمه، لحياة المؤمنين والعالم.

ويسوع قدوة لنا في خدمته الوضيعة، إذ في غمرة سر محبته اللامتناهية، التي بلغت به إلى قبول الموت على الصليب فدى عنا وعن البشر أجمعين، قام وغسل أرجل التلاميذ، كهنة العهد الجديد، متخذا هكذا دور العبد الذي يغسل أرجل أسياده. لقد علمنا بذلك أن الخدمة التي نؤديها لأي إنسان، إنما تضعنا في مصاف الأشراف. ألم يقل يوما: "من أراد أن يكون الأول والكبير فيكم، فليكن خادما للجميع؟" (متى 20: 27).

وفيما كان التلاميذ يتهامسون في أيهم هو الأكبر، قال لهم: "أنا بينكم كالخادم" (لو 22: 27). وعلمنا أن الخدمة لا تقاس بحجمها أو بالشخص المخدوم، بل بالحب الذي يدفع إليها. وبهذه المبادرة، دعانا لنعتمد نهج البساطة والتواضع، على مثاله، إذ قالها مرة بالشكل المباشر: "تعالوا إلي وتعلموا مني، إني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم" (متى 11: 29).

إنني أحيي والديكم وأهلكم، أيها الطلاب الأحباء، فإنهم يتفانون في خدمتكم، لكي تعيشوا بطمأنينة وسعادة. وأعرِب عن امتناني لثانوية العائلة المقدسة المارونيات في ساحل علما، التي تلتقون فيها أشخاصا يخدمون تربيتكم ونموكم وتحقيق ذواتكم وبناء مستقبلكم: من راهبات وإداريين وهيئة تعليمية وموظفين. في كل مرة تدخلون عتبة مدرستكم قولوا في نفوسكم: هنا مدرسة الخدمة المحبة، هنا ثقافة المحبة والخدمة. جميل أن تكسبوا هذه الثقافة الإنسانية والإجتماعية، إلى جانب ثقافتكم العلمية. المحبة والخدمة هما ثقافتنا المسيحية التي نطبع بها حياتنا وزمننا ونشاطاتنا في العائلة والكنيسة، كما في المجتمع والوطن. فواصلوا تهيئتكم لنشر هذه الثقافة، التي يحتاج إليها عالمنا الحاضر حاجة ماسة.

في هذه الليلة المقدسة، ونحن نتذكر محبة المسيح لنا وللعالم، نسمعه يردد بصوت الكاهن: "خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يبذل من أجلكم، واشربوا كأس دمي الذي يراق من أجلكم ومن أجل الكثيرين (مر14: 24؛ لو22: 19؛ 1كو11: 24).

إن الرب يسوع، بهذه الكلمات وبهذا العطاء الذاتي، يحدد وجوده وكيانه بأنه "من أجلنا ومن أجل الكثيرين". "الوجود من أجل" يشكل رسالتنا المسيحية التي نلناها بالمعودية والميرون. فتقتضي منا خروجا دائما من ذاتنا، ومن دائرة الانشغال المحصور بشؤوننا الشخصية، والمنغلق على الآخرين. عمر الشباب يدرب على هذا "الوجود من أجل الآخرين"، لأنه عمر الصداقات، والمبادرات التضامنية، والانفتاح على الآخرين والتعاطف معهم. عليكم أيها الشباب أن تقاوموا كل تفرقة ونزاع وخلاف، وأن ترفضوا كل اصطفاف فئوي، أو اصطباغ بلون معاد للآخر. تذكروا كملة الإنجيل: إن يسوع مات عن الأمة كلها، لكي يجمع في الوحدة أبناء الله المشتتين"(يو11: 52).

قد يعتقد البعض أنهم بالاصطفاف أو بالانحياز إلى تجمع ما، يكسبون حيثية شخصية ونفوذا إجتماعيا. ربما يحصلون على ذلك، لكنهم يخسرون أنفسهم، ويعطلون أبعاد حياتهم الثقافية والاجتماعية. لذلك تجب إعادة النظر في مفهوم الأحزاب عندنا والتجمعات السياسية، إنطلاقا من مفهوم العمل السياسي كفن شريف لخدمة الإنسان والخير العام، ومن مفهوم الحياة العامة في دولة الحق والمؤسسات. ومن الضرورة بمكان أن يظل طلاب المدارس والجامعات بمنأى عن الألوان السياسية والاصطفافات المتعادية، وأن تعطى لهم ثقافة سليمة تختص بالشأن الوطني العام. وقد أصدرنا من البطريركية وثيقتين ملائمتين لمثل هذه الثقافة، وهما "شرعة العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان"، و "المذكرة الوطنية".

في ختام هذا الاحتفال يصمد القربان المقدس في الكنائس، ويواصل المؤمنون والمؤمنات السجود له طيلة الليل، تذكارا لسهر الرب يسوع في الصلاة والألم في بستان الزيتون، وصموده بوجه تجربة التراجع، قبل أن يأتي يهوذا الأسخريوطي ويسلمه للجند. في هذه الصلوات والأسهار، نستذكر بطرس ويعقوب ويوحنا الذين سهروا وصلوا مع يسوع، ولكن بكثير من الخوف والحزن والقلق (راجع متى 26: 36-45). نتعلم في هذه الليلة المقدسة الصمود بوجه محن الحياة وتجاربها بالصلاة والرجاء. فالرب يسوع أوصانا أكثر من مرة في الإنجيل "بالسهر والصلاة"، لأن الكلمة الأخيرة ليست للحزن والموت، بل للفرح والقيامة.

واعتاد المؤمنون والمؤمنات على زيارة سبع كنائس، تكريما لأسرار الخلاص السبعة، التي تفجرت ينابيع حياة إلهية على العالم من المسيح، حمل الفصح المذبوح، الحي والقائم من الموت، الذي شاهده يوحنا الحبيب برؤياه (راجع رؤيا 22: 1-5).

نصلي هذه الليلة المقدسة من أجل أن تفيض محبة المسيح في جميع القلوب، لينعم شعبنا في لبنان بالاستقرار، وبحل جميع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الراهنة، وتنعم شعوب بلدان هذا الشرق ولا سيما في العراق ومصر وسوريا بالطمأنينة والسلام، وتجد طريقها إلى اكتشاف هويتها ورسالتها، عن طريق الحوار والتفاهم والتفاوض، وتتوقف الدول القادرة عن إذكاء نار الحرب وتزويد الأفرقاء المتنازعين بالأسلحة ووسائل القتل والدمار، من اجل مصالحها السياسية الاقتصادية.

أيها المسيح المحتجب في سر القربان، يا سر التقوى، وعلامة الوحدة، ورباط المحبة، إبعث تقوى الله في جميع النفوس، وطد أواصر الوحدة بين جميع الناس والشعوب، واسكب محبتك في جميع القلوب. فنرفع في هذه الليلة المقدسة نشيد المجد والتسبيح للثالوث المجيد، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين". 

  • شارك الخبر