hit counter script

مقالات مختارة - صلاح تقي الدين

نصاب الثلثين ينسحب على الدورة الثانية

الخميس ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 05:48

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

المستقبل

 لم يكن يدرك نواب الأمة أن حواراً دار «على الواقف« بين نائب «القوات اللبنانية» جورج عدوان ورئيس المجلس النيابي نبيه بري أثناء جلسات مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام، سيتحوّل إلى تفسير لمسألة النصاب تم تسجيله في المحضر واعتماده لتحديد نصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، «لأن أحداً من النواب لم يعترض» كما نقل عن بري.
وفي التفاصيل أن عدوان طلب من بري تحديد موعد لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية فأجابه بري أن اللجنة التي شكّلها من نواب كتلة «التنمية والتحرير» لجوجلة آراء الكتل النيابية الأخرى جاءت بنتيجة إيجابية و»سوف أحدد جلسة قريبة يتأمن لها النصاب الدستوري وهو الثلثان نصاباً واقتراعاً في الدورة الأولى، والثلثان نصاباً والنصف زائد واحد انتخاباً في الدورات التي تلي«، فلم يعترض أي من نواب الأمة الحاضرين لجلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام.

وبعد أيام قليلة، اثار أحد أعضاء هيئة مكتب المجلس مسألة نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية فاستند بري في ردّه إلى عدم اعتراض أي من النواب الذين استمعوا إليه خلال جلسة مناقشة الحكومة وأن هذا الكلام سجّل في محضر الجلسة وأصبح نصاً ملزماً، أي أن برّي فسّر الدستور وعلى النواب أن يقبلوا برأيه وتفسيره.

وقال عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب انطوان زهرا لـ «المستقبل» إن عدم اعتراض أي نائب على تفسير بري لمسألة النصاب «في الدورات التي تلي الدورة الأولى للانتخاب، يجعل من مسألة نصاب الدورة الثانية وما فوق 86 نائباً، وأنه في حال فقدان النصاب في الجلسة الأولى بعد الدورة الأولى للاقتراع، يفترض هذا التفسير أن يكون نصاب الجلسة الثانية التي تجرى فيها دورة ثانية للانتخاب أو أكثر هو 86 نائباً كما في الجلسة الأولى والدورة الأولى».

لكن النائب السابق والخبير الدستوري صلاح حنين يصرّ على أن النصاب القانوني لانعقاد مجلس النواب هو «النصف زائد واحد» وأن انتخاب رئيس الجمهورية في الدورة الأولى يجب أن يحصل بغالبية الثلثين «هو شرط انتخاب وليس شرط حضور».

ويقول حنين لـ «المستقبل» إن المادة 79 من الدستور على سبيل المثال والتي تقول إنه عندما يطرح على المجلس مشروع يتعلق بتعديل الدستور لا يمكنه أن يبحث فيه أو أن يصوت عليه ما لم تلتئم أكثرية مؤلفة من ثلثي الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً ويجب أن يكون التصويت بالغالبية نفسها، «فإن المشرّع في هذه الحالة اشترط نصاب الحضور ونصاب الاقتراع للتعديل، وهو ما لم تنص عليه المادة 49 من الدستور المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، فهي اشترطت نصاب الانتخاب ولم تأت على نصاب الحضور الذي يجب أن لا يقل عن النصف زائد واحد فقط».

ويتناول حنين المادة 44 من الدستور المتعلقة بنزع الثقة من رئيس المجلس والتي تنص «للمجلس ولمرة واحدة، بعد عامين من انتخاب رئيسه ونائب رئيسه وفي أول جلسة يعقدها أن ينزع الثقة من رئيسه أو نائبه بأكثرية الثلثين من مجموع أعضائه بناءً على عريضة يوقعها عشرة نواب على الأقل. وعلى المجلس، في هذه الحالة، أن يعقد على الفور جلسة لملء المركز الشاغر«، ويوضح أن «المجلس لم يشترط نصاباً محدّداً للجلسة لكنه اشترط نصاب الاقتراع وهو الثلثين ومن الطبيعي أنه لنزع الثقة من رئيس المجلس يجب أن يكون عدد الحضور موازياً لثلثي أعضاء المجلس».

ومع دعوة بري إلى عقد جلسة أولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في الثالث والعشرين من الجاري استناداً إلى المادة 73 التي تنصّ على أنه «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس«، يبدو أنه في ظل الاحتمالات الحالية، فإن هذا الموعد لن يكون سوى محاولة أولى من محاولات عديدة سيلجأ إليها بري لانتخاب رئيس عتيد، حيث أنه من غير المتوقع أن يحصل أي من المرشحين، المعلنين على الأقل لغاية اليوم، إلى المنصب الأول في الجمهورية، على أغلبية الثلثين المنصوص عنها في المادة 49 من الدستور التي تنص على أن «ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي» الدورة الأولى، لذا سيلجأ بري إلى رفع الجلسة قبل بدء دورة الاقتراع الثانية التي يجب أن يفوز فيها المرشح بأغلبية النصف زائد واحد، وفي هذا سيناريو ضمني لتطيير الانتخابات الرئاسية.

كيف سيحصل ذلك؟ وفقاً لمصادر معنية، فإن بري يقوم بواجبه الدستوري بالدعوة إلى عقد جلسة أولى لانتخاب رئيس للجمهورية وسيتأمن نصابها البالغ 86 نائباً (أي ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب)، لكن أياً من المرشحين الجديين المعلنين لغاية اليوم، أي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي يفترض أن يحظى بموافقة فريق «14 آذار» على السير به مرشّحاً للرئاسة، ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون الذي سيتبّنى فريق «8 آذار» ترشيحه، أو النائب روبير غانم الذي أعلن ترشيحه، لن ينال هذه الغالبية. في هذا الوقت، سيكون رئيس جبهة «النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط قد جيّر أصوات كتلته السبعة في الدورة الأولى لصالح مرشّح من نواب كتلته (في كتلته نائبان مارونيان هما هنري حلو وإيلي عون) تفادياً للاحراج في الاصطفاف إلى جانب جعجع أو عون، وبالتالي سيلجأ النواب إلى دورة ثانية للاقتراع، يفوز خلالها من يحصل على النصف زائد واحد من أصوات النواب أي 65 صوتاً.

لكن الإشكالية التي تبرز هنا هي في كيفية احتساب نصاب الدورة الثانية للاقتراع، فإذا كانت كما يقول الرئيس بري هي أيضاً 86 نائباً، فإن عملية تطيير النصاب ستكون سهلة نظرياً وعملياً، إذ بانسحاب نائب واحد أو أكثر يطيّر نصاب الجلسة ويدفع بري عندها إلى إعلان تأجيل الدورة الثانية من الاقتراع إلى جلسة ثانية.

وبغياب سلطة صالحة لتفسير الدستور، فإن الجهة الوحيدة المخوّلة تفسيره هي مجلس النواب ملتئماً، اي أن تنعقد جلسة عامة للمجلس ويكون نصابها القانوني في هذه الحالة النصف زائد واحد من عدد أعضائه، لتفسير هذه الاشكالية التي فرضها الرئيس بري على النواب، وعليهم القبول بها «لأن أحداً لم يعترض».

لكن الوزير والنائب السابق والخبير الدستوري إدمون رزق يقول لـ «المستقبل» إن النصاب العادي في مجلس النواب أو مجلس الوزراء هو النصف زائد واحد إلا إذا وجد نصّ واضح وصريح يحدّد نصاباً معيناً لجلسات معينة، كما هي الحال في مجلس الوزراء بعد الطائف، الذي اشترط حضور ثلثي أعضاء الحكومة لكي تكون الجلسة قانونية. أما في مجلس النواب، فلا نص يوضح مسألة النصاب إلا في حالة تعديل الدستور الذي اشترط أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، وكذلك في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية في الدورة الأولى الذي عليه أن يفوز بغالبية ثلثي أعضاء المجلس.

ويوضح رزق ان نصاب جلسات الحكومة كان قبل اتفاق الطائف «هو النصف زائد واحد» لكن المشترع ارتأى أنه نظراً إلى اعتماد المناصفة في الحكومة والمجلس النيابي ضماناً للشراكة الوطنية، تم تعديل نصاب جلسات الحكومة إلى الثلثين لكي «لا يصار إلى إقرار مراسيم بموجب غالبية المسلمين زائد مسيحي واحد أو العكس أي المسيحيين زائد مسلم واحد، والهدف من ذلك هو المحافظة على الشراكة الوطنية ولضمان الوحدة الوطنية«.

أما بالنسبة الى مجلس النواب، فيعتبر رزق أن المشرّع «لم يشترط نصاباً للاجتماع في المجلس، إنما اشترط في حالة انتخاب رئيس للجمهورية حصول المرشح على ثلثي أعضاء المجلس النيابي في الدورة الأولى، وأن ينتخب بالنصف زائد واحد في الدورات التي تلي»، مشيراً إلى أن سيناريو تطيير النصاب هو «ممارسة غير ديموقراطية ولا أخلاقية ولا وطنية. فحق الغياب ممنوح للنائب في الحالات القصوى، مثل المرض أو السفر أو غيره، أما إذا كان الغياب بهدف التعطيل، وهي ممارسة سجّلت مراراً في الحياة السياسية اللبنانية بعد العام 1992، فهي تعطيل للممارسة الديموقراطية ونوع من التخلّي عن الصفة النيابية تحت طائلة إلغاء الصفة النيابية لصاحبها«.

وعملياً، فإن بري من خلال الدعوة إلى الجلسة لانتخاب الرئيس العتيد، وبتأمين نصاب انعقادها، يكون قد أوصل رسالة مفادها أنه قام بواجبه، وعدم انتخاب رئيس هو بسبب الخلافات السياسية الجذرية القائمة في البلد، والاتجاه إلى الوصول إلى انتخاب رئيس توافقي قادر على الحصول على أصوات الفريقين السياسيين المختلفين، وبالتالي لن يكون بمقدور جعجع أو عون الوصول إلى كرسي بعبدا، وعلى الاتصالات الجارية خلف الكواليس وفي دوائر القرار الاقليمية والدولية أن تؤمن كلمة السر التي سيعود النواب على أساسها للاجتماع مجدّداً في دورة أخرى قبل الخامس والعشرين من أيار موعد انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان، لانتخاب الرئيس العتيد.

  • شارك الخبر