hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

طاولة مستديرة حول مذكرة بكركي الوطنية في جامعة الروح القدس

الأربعاء ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 17:25

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

نظّم قسم الفلسفة في كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية –مختبر صوفيا في جامعة الروح القدس-الكسليك طاولة مستديرة بعنوان:"مذكرة بكركي الوطنية، لإعادة النظر في ثوابت الدولة اللبنانية: حول الميثاق والدستور"، في قاعة المحاضرات في الجامعة بحضور حشد من الفعاليات الدينية والسياسية والتربوية والاجتماعية...
افتتحت البروفسورة ماري فيّاض، رئيسة قسم الفلسفة ومديرة مختبر صوفيا وأستاذة في فلسفة القانون في جامعة الروح القدس – الكسليك الجلسة متسائلةً في البدء "عمّا يجب ابتكاره أو تجديده أو حتّى تصحيحه على المستويات السياسية والقانونية والاقتصادية والأخلاقية انطلاقًا من ثلاث ثوابت محدّدة بشكلٍ واضحٍ في مذكّرة بكركي الوطنية ومنها حرية المواطنين والمساواة في المشاركة والمحافظة على التعدّدية. هذاالاختبارالطويل لهذهالثوابتمنقبلاللبنانيين،وهو السمةالأولىفيالشرقالأوسط،أي استبدالالوطنيةالدينيةبالوطنيةالسياسية،كان وما زال يصعب تحمّله. ومع ذلك، لن تتمكّن العناصر اللبنانية في الوقت الراهن ولأسبابٍ عديدةٍ من القيام بأي خطوةٍ إلّا وفقًا لهذه الثوابت التي يجب إعادة النظر بها."
وذكّرت "بالفجوةبين’النظاميْن’ اللذين يشكّلان نظام الدستور اللبناني أي نظام ميثاق 1943 الذي ينظّم الحياة السياسية وفقًا لما يمليه التعايش في المجتمع ونظام الدستور الذي ينظّم الحياة السياسية وفق معايير الديمقراطية الشرقية. وبين هذين النظاميْن يندرج حتّى الآن خللٌ بين المجتمعات السياسية حيث تشكّل المكوّنات الأساسية معادلةًمستحيلةًللمفاهيمالمشتركةالأصيلة والتي بواسطة تحقيق مصالحها تصبح من سمات مشروعٍسياسيٍّفعّالٍ لحياةٍمشتركة."
كما سلّطت الضوء على "العناصر المميّزة الإيجابية وعلى الميثاق ونصّ الدستور التي تسمح للمجتمعات السياسية ببناء مساحةٍ يسيرةٍ لمرّةٍ أخرى بهدف’ التسوية المؤقّتة’". فالأمر يتعلّق بالنسبة إليها في الوقت الحالي بضرورةٍ حتميةٍ لا يمكن لأي مجتمعٍ تجاهلها. أمّا بالنسبة إلى الميثاق، فما يميّزه عن جميع الأنظمة العربية المسلمة هو أنّه لا يكرّر عدم المساواة المقدّسة وهيمنة دينٍ محدّد. وفيما يتعلّق بالدستور، يكمن الطابعالمتجدّد للتجربة اللبنانية، بسبب وبفضل التباس نصّ الدستور، في حقيقة أنّ الشعب اللبناني مؤلَّفٌ من أقليّاتٍ لا يمكن لأيٍّ منها إدّعاء أنّها تشكّل أكثريّةً بالنسبة إلى مجموعة السكان. من هنا، لا يمكن تطبيق قانون الأعداد في لبنان مثلما يُطبّق في بلدان الديمقراطية الكلاسيكية. وهكذا، يمكن أن تربح كلّ المجتمعات السياسية المعركة وليس الحرب، طالما أنّ نتائج المباراة ما زالت سلبية.
ثمّ أشارت البروفسور فيّاض إلى أنّ "مذكّرة بكركي الوطنية هي دعوة للتوقّف عند كلّ ما يمكن أن يكون إيجابيًّا في إعادةالنظرفي ثوابت الدولةاللبنانية. فهذه المذكّرة هي حتمًا جرس إنذارٍ في منطقةٍ وبلدٍ مشوّشيْن ومبتوريْن، جرسٌ يفرض على كافّة العناصر السياسية اللبنانية المتنازعة تغيير مواقفها كليًّا من أجل الوصول إلى الحقيقةوالتفكير في ما يجب أن يقولوه والتصرّف انطلاقًا من اتّفاقٍ متبادلٍ من أجل إنقاذ ما بقيَ من مرونةٍ خاصةٍ للتركيبة الإنسانية اللبنانية المتعلّقة بالصفات الفردية للسكان والتي تؤدّي إلى استمراريته. ومن بين الإجراءات العديدة المتّخذة لهذه المرونة، نذكر ثلاثمن عمليّات المرونة، كلّ منها واضحة ومتزامنة، على أكثر من مستوى: الأولى، إيجابية الذات اللبنانية، الثانية، روح المبادرة والابتكار والثالثة روح النهضة. ولكنمع الأسف،تميل هذهالمرونةإلىالإختفاءبخاصةٍ أنّالصراعبينمجتمعَيْناالإسلامي السنيّ والإسلامي الشيعيّ يفسداليومبلادنا أكثر فأكثر حتّى مجتمعنا الإنسانيّ أو المدنيّ الذي يقاوم الضربات القاسية من قبل الذين يواجهونهوالذي بعد استعادةنهوضه يقول: الشعبالذيتقتلونهبأحسنحالته. ولكنإلىمتىسيبقىالشعبقادرًا على الوقوف والمواجهة؟
ثم كانت كلمة لمديرة الجلسة عميدة كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية البروفسورة هدى نعمة التي لفتت إلى"أن مذكرة بكركي، التي تتشكل من 20 صفحة، تسلّط الضوء على الميثاق الوطني الذي يستند إلى الثوابت والمخاوف والأولويات الوطنية وعلى العيش المشترك والنسيج اللبناني".
واعتبرت "أن نزوح آلاف السوريين إلى لبنان يضعف التوازن الطائفي الهشّ ويصبّ في مصلحة الطائفية والحروب العادلة وغير العادلة التي تشكل الخبز اليومي للبنانيين وسكان المنطقة.ويبدو أنّ التغيرات التي تغذيها الحروب التي اندلعت مع حلول ما يسمّى بالربيع العربي لن توفّر أي دولة عربية. وعلى الرغم من ذلك، تضع مذكرة بكركي مرة أخرى أسس دولة القانون ودولة تتناسب والدستور من أجل إنقاذ البلاد"، متسائلة: هل ستنجح هذه المذكرة في اقناع الجماعات التي تشكّل نسيج لبنان الاجتماعي؟
وتوقّف البروفسور بشارة منسّى عند ثلاث محاور أساسية: الأوّل يتمحور حول اثنتيْن من حالات سوء التفاهم بين التيارات السياسية واثنتيْن من التجاوزات اللتيْن تذكرهما المذكّرة. إنّ حالة سوء التفاهم الأولى هي المصلحة الوطنية التي تترجمها كلّ المجتمعات على طريقتها والحالة الثانية تتعلّق بترجمتنا للديمقراطية التوافقية. أمّا بالنسبة إلى التجاوزات، فالأولى ترتبط بتأجيل أي ولاية في السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والإدارية لتاريخٍ غير محدّدٍ بذريعة عدم التوافق على قانونٍ انتخابيّ. والتجاوز الثاني يتمحور حول مَنحِ مكانة شبه حكومية وعسكرية وديبلوماسية ونظام تعليمي ووزارة صحةٍ للمجتمعات حيث يحلّ المجتمع مكان الدولة من دونالسماحلولادةالنظامالفيدرالي أو المركزية في المناطق. تطرّق البروفسور منسّى فيالمحور الثاني إلى مسألة مصلحة الحيادية الإيجابية وفي المحور الثالث، كان التركيز على السؤال التالي: "بغضّ النظر عن الصراع الفلسطينيّ، إذا كانت الحيادية في لبنان غير موجودة، فما هي الاحتمالات الأخرى التي يمكن توقّعها؟"
وأنهى البروفسور منسّى مداخلته قائلًا إنّ مذّكرة بكركي توقظنا وتفتح أعيننا على الوقائع من أجل تجنّب الأسوأ.
وتحدّث الوزير السابق البروفسور جورج قرم عن الناحية الاقتصادية متسائلًا عن كيفية بناء دولةٍ منتجةٍ على المستوى الاقتصادي. فكانت احتمالات الإجابة عديدة ومنها محاربة المحسوبية السياسية والعمل من أجل المركزية الإدارية ذات التمويل المتوازن والمداخيل الملائمة البعيدة عن الفساد ثمّ محاربة الفقر والبطالة واستحداث فرص عمل للشباب اللبناني تتناسب مع قدراتهم وطموحاتهم والابتعاد عن ’الدولة الحاجزة’ وتشجيع سياسة إعادة الإعمار في كافّة المناطق واستعادة الأخلاقيات الاقتصادية والطلب من الزعماء الدينيين إدانة نهب الموارد الوطنية بالإضافة إلى وضع نظام تحفيز الانتاج الزراعي والصناعي وابتكار نظام تعليميّ لا يدفع الشباب للهجرة إنّما يشجّعهم على البقاء في وطنهم،بالإضافة إلى تسوية الدّين وتحديث الجيش اللبناني وتمويله. وأنهى البروفسور قرم مداخلته قائلًا إنّ الإصلاح الاقتصادي الفعلي وحده يؤدّي إلى عدالةٍ اجتماعيةٍ حقيقية.
ختامًا، كانت مداخلة للأب يوحنا عقيقي بعنوان "قراءة في فلسفة الأخلاق انطلاقًا من المذكّرة الوطنيّة"، طارحًافي مستهلها التساؤلات التالية: ما علاقة السياسة بالأخلاق؟ ومتى كانت السياسة مشروعًا أخلاقيًّا، عندما تكون لعبة المصالح الضيّقة هي محرّكها الأساسيّ، ولا تعرف في الآخر، المواطن الشريك، سوى خصم يجب إقصاؤه حتى الإلغاء (أي لا تريده شريكًا!)؟ وكيف تتوافق الأخلاق مع واقع السياسة، وملح هذه الأخيرة خزعبلات ومؤامرات، تصلّفوكذب؟ صدِمتُ لأنّي لم أستشفّ في العمل السياسي، كالذي نعيشه في عالمنا الحاضر، إرادة بنّاءة لمجتمع بشريّ تسوده العدالة، ويعزّزه السلام؟ كيف تُعزفُ نغمة الأنس وثقافتنا الألفيّةتترنّح على ضرب طبول الحرب، وهدير الدموع، وصراخ اليتامى والأرامل والمشرّدين؟ أين الأخلاق في تغريداتنا السياسيّة والإعلاميّة وهي تصبو، مؤخّرًا، إلى الاستئثار بالفضاء، واحراز السبق الإعلامي، على حساب الهواء الملوّث والأرض المحروقة التي دنّستها تقنيّاتُنا الحربيّة، الأقوى والأحدث، وأغرقتها في دماء أبنائها؟" معتبرًا "أن هذه التساؤلات المشروعة تصب في حتمية العودة إلى الأرضالحاضنة والضامنة لمثل هذه العهود والمواثيق. وكأنّا نقول ما الإرادة الوطنية سوى تعبير لإرادة أموموية، آدمية تتوزع بين الأبناء الأوفياء...وكما تأخذ كل حبّة زرع حفنة تراب تنمو فيها وتكبر، دون إكراه أو قيود، كذلك ينعم اللبنانيون بتعدديتهم وحريتهم ويملأون المكان إلفة وتعايش..."، لافتا إلى أنه "لا مكان هنا للطائفيّة ولا حتى للسياسة بمعناها الضيّق. ولهذا السبب أشارت المذكّرة إلى أن "الحريّة والتعدديّة التي نعم بهما لبنان، لم تأتيا من داخل الطوائف بذاتها، بل من الفكرة التأسيسيّة التي قام عليها المشروع اللبناني" مشروع بناء الوطن..."
وقال: "الحلّ، كما تراه بكركي وتبشّر به، لا يكون إلّا في الوعي العملاني للمشروع الوطني "والعودة إلى جوهر الميثاق"، "والتمسّك بالصيغة"، في سبيل انتاج "دولة عادلة" تخدُمُ الإنسان. وهذا الوعي يتجسّدُ عمليًّا في التحذير من الاستمرار بسياسات خيانيّة للميثاق والوطن. ولهذا السبب ترفعُ الصوتَ وتصرخُباللاءات الواحدة تلوى الأخرى: لا "للتفرّد، لا للتعنّت لا للطمع في السلطة"، لا "لسياسة المحاصصة ودوائر النفوذ"، لا "استغلال للديمقراطيّة التوافقيّة"، لا " لعرقلة تكوين السلطة" لا "لإقحام لبنان في قضايا الجوار" (ص. 14-15)، ولا للاستقواء بالخارج على حساب فئات من الداخل. وتتوّجها ب"لا للشرق ولا للغرب" الميثاقيّتين".
واختتم: "وبموازاة "لا للشرق ولا للغرب" تريد بكركي أن تقول نعم للأرض، نعم للإنسان، نعم للعيش المشترك، نعم للبنان الرسالة. وبدل الجدليّات السياسيّة التقليديّة (عبد – حرّ؛ حاكم – محكوم؛ صديق – عدوّ؛ خاصّ - عام) تتفعّل في روح المذكّرة جدليّة "أريد – لا أريد" وطنًا". 

  • شارك الخبر