لا يزال أهالي بلدة حمّانا يناضلون في سبيل إيقاف تشييد «سدّ القيسماني» في حرم نبع الشاغور، وها هم يطرحون حلاً بديلاً يقضي بالاستعانة بالمياه الشتوية من نهر الشاغور نفسه على كعب الشلّال، حيث تمرّ سنوياً كمية مياه تذهب هدراً الى البحر، قدّرتها وزارة الطاقة نفسها بـ»خمسة ملايين ونصف المليون من الأمتار المكعبة».

بناءً على المراجعة التي تقدّمت بها بلديّة حمّانا، والتي عرضت «الجمهورية»، في تقريرٍ سابق، الأسباب الموجبة لها، أصدر مجلس شورى الدولة قراراً إعدادياً قضى بـ»وقف تنفيذ المرسوم ذي الرقم 8229، المنشور في الجريدة الرسمية في 7/6/2012، المُعلن للمنفعة العامة لأشغال مشروع إنشاء بحيرة القيسماني وسدّها والخزان الرئيس وخط من السدّ الى الخزان».

وبعد أقلّ من أسبوع، أوقف مجلس الإنماء والإعمار كلّ الأعمال المرتبطة بالسدّ، وسط تسارُع الضغوطات السياسية لنقض القرار ومتابعة الأشغال. بالتزامن، واستناداً الى كل الدراسات التي تفيد بعدم قدرة التربة في ضفّتي نهر الشاغور على تحمّل أي سدّ، تَقدَّم أهالي حمانا باقتراح جَرّ مياه نهر الشاغور الشتوية لتخزينها في أعالي كل قرية من المتن الأعلى حسب حاجاتها، في بركٍ عادية من الخرسانة المسلّحة، بدلاً من استخراجها من الأراضي ضمن الحقل المغذّي.

وفي هذا السياق، يقول معدّ الدراسة- الحل البديل، المهندس أنطوان جبر، لـ»الجمهورية» إنّه «إذا أضفنا مياه كلّ أنهر وديان فالوغا، قرنايل، جوار الحوز، كفرسلوان، إلى مياه وادي الشاغور، فبضعة ملايين من الأمتار المكعبة من الماء ستروي في الصيف منطقة المتن الأعلى، شعباً وأرضاً»، مشدّداً على أنّ «هذه الكمية تفوق بكثير ما يمكن أن يقدّمه سدّ القيسماني على حساب المياه الجوفية وحساب حمانا».

ويؤكد جبر أنّ «هذا الحلّ البديل، وخلافاً للسد، لا يخالف القوانين ولا يشكّل خطراً على مياه حمانا أو حياة أهاليها وأملاكهم من جرّاء تعدٍّ جوّي أو الزلازل المستديمة في ضهر البيدر- وتحركات الجبل السنوية عمودياً وأفقياً والتي تهدد مع انهيار الحائط الأمامي للسد، بتدفّق مائيّ عنيف يأخذ ضفتي نهر الشاغور وسكانه الى البحر، كما تهدد بانزلاق أعلى الجبل بكامله، وتحوّله وحولاً تُغرق بلدة حمانا كلها»، داعياً «بإلحاح الى أخذ رأي المجلس الوطني للبحوث العلمية، وإلّا لماذا وجوده المكلف؟ فلتأخذ الدولة برأيه أو فلتُلغِه».

وكان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي قد رعى لقاء في بكركي تناول فيه معضلة سد القيسماني، شارك فيه وفد من بلدية حمّانا بالإضافة الى ممثلي وزارة الطاقة ومجلس الانماء والاعمار. وخلال الاجتماع، انتقد مستشار وزير الطاقة والمياه لقطاع المياه ومشاريع السدود المهندس زياد زخور ما ورد في الدراسة البيئية الجديدة التي أجرَتها الخبيرة المعتمدة في وزارة الطاقة غلوريا كنعان، والتي على أثرها قدّمت البلدية الدعوى لدى مجلس الشورى، معتبراً أنّ حساباتها مغلوطة وأنّ «الكمية الحقيقية الذاهبة الى البحر عن طريق نهر الشاغور لا تُقتصر فقط بمليون ونصف كما تشير دراسة كنعان، بل تفوق خمسة ملايين ونصف من الأمتار المكعبة من المياه». وبناء على طلب أحد أعضاء البلدية، كرّر المستشار هذا التأكيد في حضور الراعي، الذي ألمح، على الأثر، الى «حلّ بديل يحفظ حمّانا والوادي».

وعبر «الجمهورية»، يسأل عضو بلدية حمّانا الدكتور جان أبي يونس: «ما فائدة سدود مكلفة تأخذ المياه من الينابيع تحتها؟» مذكّراً بأنّ «سد القيسماني لا يؤمّن أكثر من ستمئة ألف متر مكعب من الماء أو سبعمئة ألف بعد التبخّر والتعويض الزهيد لحمّانا نتيجة خسارتها مياه الشفة، بينما توزّع الوزارة هذه الكمية الضئيلة «فتافيتاً» على أكثر من عشرين ضيعة أو ثلاثين، ويبقى السدّ كالسيف على عنق حمّانا».

ويتوجّه جبر الى الوزارة بالقول: «كفى «تَمنين» أهالي المتن الأعلى ببناء سد «لا يمثّل حلّاً للمنطقة» بقلّة مياهه، بتهديده حمّانا وواديها، وبمخالفة القوانين المفروض احترامها والمفروض حمايتها من أعلى المسؤولين».

وإذ يلفت إلى أنه «لا يجوز المقارنة بين كلفة «السد - اللّاحَلّ» وأسعار «العرض البديل الذي لا عيب فيه»، يكشف أنّ «البرك الخرسانية تعيش طويلة جداً وهي مكفولة وتتعدّى الـ 40 أو 50 عاماً، فمهما كانت الكلفة الأولية سيُمكن استرجاعها بالتقسيط، مع أرباح مغرية جداً»، مشيراً الى «أهمية قيام هذا المشروع من خلال الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، وبيع أسهم للناس مع أفضلية لأبناء المتن الأعلى».

وفي المحصّلة، وإيماناً منهم بالعيش المشترك، يطالب أهالي حمّانا وزارة الطاقة بالحلّ الذي يُنعش المنطقة، بدلاً من التشبّث بحلٍّ «يُلغي حمّانا» ولا يؤمّن لهم سوى «فتافيت» من المياه، على رغم وجودها مهدورة في النهر».

"الجمهورية – باسكال بطرس"