hit counter script

مقالات مختارة - علي نون

«وهْم» سوريا و«حقيقة» فيتنام

الأربعاء ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 06:18

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

المستقبل

وحده منطق كالذي يعتمده «حزب الله» يمكن أن يُسوَّق من قِبَل أصحابه باعتباره زبدة الحقيقة برغم كل ما يشير الى العكس.. أي الى أنه زبدة الوهم ونتاج ذهنية مركبّة لا تعرف ولا تستسيغ ولا تقبل إلا ما يناسبها.
ذلك المنطق يدفع كبار قادة «حزب الله» الى اعتبار بشّار الأسد هو «الحل« لنكبة سوريا. وأن أكثرية السوريين تؤيده وأن غالبية أهل السّنة معه، وأن المعارضة ليست البديل لأنها «جُرِّبت وفشلت»!
النكبات الكبرى لا يصنعها القتل الأرعن وحده. ولا شيوع الممارسات الهاتكة لكرامات البشر والأنسنة بكل معانيها فقط.. ولا تصنعها موجات الرعب والإرهاب والمذابح والتشريد وخسارة الأرزاق فقط. بل هي كل ذلك وغيره زائد الغلو في التبليغ والتمويه والبلف والتبرير.. كأن يعتبر الفاشي الايطالي نفسه محرراً لشعوب الشرق من أسر الخرافات والتخلف. وأن يسمّي النازي الألماني حاله «الاشتراكي الديموقراطي» وأن يعتبر الإبادات الجماعية المخزية «تطهيراً عرقياً» وإيقاظاً لأمجاد الماضي الامبراطوري الروماني.. وأن يُسمّي البلاشفة الحرب الأهلية الروسية وفظاعاتها «ثورة عمالية فلاحية». وأن تُسمّي إسرائيل لصوصيتها الكبرى «حرب استقلال».. وأن يُسمّي بشار الأسد ساديته وإجرامه وارتكاباته «تصديّاً تنويريّاً للإرهاب الظلامي التكفيري» وصولاً الى أن يُسمّي الشيخ نعيم قاسم الطاغية الدمشقي «الحل« لسوريا ويحسم ويجزم أنه سيترشح في «الانتخابات»! وأنه «سيفوز فيها لأن غالبية السوريين.. والسّنة معه»!.

واضح أن إيران، بواسطة «حزب الله» وسائر فصائلها المشابهة، قررت تفعيل الانخراط في معركة سوريا باعتبارها على ما أشاعت وأبلغت، معركة «حياة أو موت» بالنسبة إليها والى مشروعها. وهي التي عمّرت على مدى ثلاثة عقود بنياناً من المصالح والامتدادات لا مثيل له، ولا تريد أن تخسره… سوريا هي واسطة العقد في ذلك البنيان. والعمود الأول الحامل لجسرها الاختراقي الممتد من شطّ العرب الى شاطئ المتوسط، وسقوطها سيعني (وهو سيعني!) تحطّم ذلك الجسر وضمور البضاعة السياسية المذهبية التي تمرّ عبره.

التفعيل الميداني يمتد من الريف الدمشق الى أحياء حمص المحاصرة. والرديف البلاغي لذلك يمتد من إعلان قادة طهران احتكارهم «الفضل في صمود سوريا» وصولاً الى إشاعة خبريات استشرافية في بيروت من نوع «انتهاء» مرحلة إسقاط الأسد ثم الوصول الى الجزم بأنه «سيترشح» وينتصر!.

تستفيد تلك الماكينة من مليون و999 ألف مثلبة محلية وإقليمية ودولية «يتمتع» بها الطرف الآخر في المعركة، وفي مقدمها الخبث الأوبامي الطافح، لكنها مع ذلك وبرغم منه لم تستطع (ولن تستطيع) تحويل الأوهام الى حقائق: لم تبدأ ثورة السوريين في نقطة جغرافية واحدة كي تنتهي فيها. ولن تختصر «العصابات التكفيرية» شعب سوريا كي يتم الردح الانتصاري الأخير استناداً الى موقعة أو اثنتين معها. والأهم (في التحليل الأخير!) هو أن أي شيء فوق هذه الأرض لن يعطي بشار الأسد أي شرعية، بل في الواقع، لن يمنع سقوطه الحتمي في ما تبقّى له من سلطات بعد أن أسقطت السنوات الثلاث المنصرمات كل وظائف نظامه الداخلية والخارجية.

أليست قمّة الوهم أن يُقال إن قتل الشعب السوري هو «حفظ لمقاومة إسرائيل»؟ وأليست قمة الحقيقة اعتبار وتوقّع واستشراف، أن تكون سوريا «فيتنام إيران وحزب الله»؟.

  • شارك الخبر