hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

سمير جعجع: نقاط الضعف والقوة

الإثنين ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 08:24

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أن يترشّح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع إلى انتخابات رئاسة الجمهورية، فهذا حق سياسي مشروع له كما لأي سياسي آخر فكيف إذا كان هذا السياسي له حيثيته الشعبية وكتلة نيابية داخل مجلس النواب. هذا الترشيح ليس مستغرباً ولكن ما نستغربه مواقف الذين استغربوه واستهجنوه وتعجبوا كيف يترشح سمير جعجع وكيف يتجرأ على هذه الخطوة.
من الممكن ان يكون ترشيح جعجع غير متوقع عند كثيرين، ولكن من غير المنطقي ان يكون مرفوضاً من البعض طالما انه يندرج في إطار النظام الديمقراطي والأصول والوسائل السياسية ويحترم قواعد اللعبة والمنافسة المشروعة.
فهذا الرفض المتشدد الذي اظهره البعض يتنافى مع طبيعة ومقتضيات نظامنا الديمقراطي والتوازنات السياسية والطائفية فيه، وحيث لا يحق لأحد ان يمنع احداً من الترشح إلى أي مركز في الدولة اذا كان مستوفياً للشروط القانونية ومستنداً إلى قاعدة سياسية شعبية. ولقد اثبتت التجارب انه كل مرة جرت فيها ممارسة سياسة العزل أو الاقصاء أو التهميش لأي فريق أو طائفة كانت هذه السياسة تؤتي بنتائج عكسية وترتد على اصحابها.
سمير جعجع، شكل خرقاً لعرف وتقليد سياسي " متوارث " بعدم اعلان المرشح والطامح إلى رئاسة الجمهورية عن نيته العلنية وعن برنامجه الانتخابي، أتى ترشيح جعجع مرفقاً ببرنامج رئاسي يحدد رؤيته كمرشح وسياسته وخياراته. وهذا لم يسبق ان حصل في أي استحقاق رئاسي منذ الاستقلال وحتى اليوم. لم يخرق جعجع العرف وانما خرق خطوطاً ومعادلة. فكان هذا الترشح بمثابة اسقاط لحظر سياسي مفروض عليه من جهة واعلان رغبة لديه بالانخراط اكثر في الحياة السياسية وفي معادلة الحكم من ضمن الاصول والقواعد القانونية المتبعة.
يمكن القول ان اعلان جعجع ترشيحه العلني والرسمي في استحقاق 2014 هو أول نقطة قوة في معركته الرئاسية وان هذا الترشيح هو " الورقة الأساسية " التي يمتلكها وقادر معها ومن خلالها ليس فقط ان يدخل " نادي المرشحين الرئاسيين " وانما ان يدخل شريكاً مضارباً في لعبة الرئاسة وكل ما يتصل بها ويتفرع عنها من مفاوضة ومساومة. وان يحجز له مقعداً متقدماً في هذا الاستحقاق، ولو على حساب بعض حلفائه المسيحيين في 14 آذار لا سيما المرشحين منهم. وهذا ما يفسّر صمتهم وحنقهم لأنهم لم يحسبوا حساباً لترشيح جعجع وان يكون منافساً ومزاحماً...
ولتبيان أهمية ما اعطاه هذا الترشيح للدكتور جعجع، يكفي ان نتصور كيف سيكون عليه حاله ووضعه وموقعه ودوره في الاستحقاق الرئاسي لو لم تكن في يده " ورقة الترشيح " التي لم يأخذها من حلفائه وانما فرضها عليهم وانتزعها منهم. سمير جعجع، لو لم يكن مرشحاً، لكان دوره هامشياً في هذا الاستحقاق وكان موقعه يحتسب من ضمن فريق 14 آذار وتحديداً اكثر من ضمن فريق " المستقبل " ولكان حجمه يحتسب بالأصوات الثمانية لكتلته النيابية.
سمير جعجع " المرشح للرئاسة " ليس مرشحاً عادياً وانما يضاف في خانة المرشحين الاقوياء. ولعل نقطة القوة الأساسية التي يتمتع بها جعجع انه يرتكز إلى تمثيل شعبي وإلى قاعدة قواتية تغطي كل المناطق المسيحية عبر حزب منظم متماسك ومنتشر في كل لبنان من أقصاه إلى أقصاه. ولذلك فان قوته السياسية ليست محلية مرتبطة بمنطقة منحصرة في نطاق محدد ، ويصح فيه القول انه " زعيم مسيحي " ولديه حجمه وقوته في المعادلة.
جعجع لديه الشعبية والمكانة لا سيما في الوسطين المسيحي والسني وهو يقطف ثمار نضاله السياسي منذ العام 2005 الذي شهد بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري انطلاقة ثورة الأرز وخروج جعجع من السجن بالتزامن مع خروج سوريا من لبنان...
فعلى امتداد السنوات التسع الماضية كان دور جعجع في ثورة الأرز وفي تحالف 14 آذار دوراً أساسياً ومحورياً بفعل شعبيته ومواقفه. ولا نبالغ اذا قلنا ان تحالف 14 آذار كان في نواته وأساسه تحالف "القوات – المستقبل " و " جعجع – الحريري " وان سمير جعجع ساهم في ملء الفراغ الذي احدثه انسحاب وليد جنبلاط من 14 آذار ابتداء من العام 2009، وانتماء جعجع إلى فريق 14 آذار وإلى الصف القيادي لهذا الفريق هو نقطة قوة إضافية في معركته الرئاسية لا بل هي النقطة الأهم لأنه من الطبيعي ان يكون مرشح 14 آذار وان يلقى الدعم والتأييد من فريقه لينطلق من قاعدة سياسية ومن كتلة نيابية كبيرة مؤيدة له بحيث لم تعد تفصله، سياسياً، عن رئاسة الجمهورية الا مسافة قصيرة ولم تعد تفصله حسابياً عنها إلا أصوات نيابية قليلة لا تتجاوز أصابع اليدين.
ولكن رغم كل هذه الوضعية ونقاط القوة، فان وصول جعجع إلى سدة الرئاسة وإلى قصر بعبدا يبدو صعباً. ومقابل نقاط القوة هناك نقاط ضعف تتفوق على الأولى وتحد من فرص فوزه بالرئاسة لتصبح فرصاً ضعيفة حتى ليكاد الأمر ان يتطلب معجزة وتغييراً جذرياً في المعطيات وميزان القوى الراهن، وان الوقت الفاصل عن الانتخابات لم يعد يسمح بحدوثه.
مشكلة " الحكيم" أولاً هي مع بعض حلفائه خصوصاً منهم المسيحيين الذين لم تظهر عليهم علامات الارتياح عندما أعلن ترشيحه وانما ساد عند بعض القيادات منهم صمت سياسي مطبق وشعرنا بشيء من الارتباك والرغبة في التريث والترّوي. فالحلفاء المسيحيون يريدونه ويقبلونه ناخباً لا مرشحاً، والحليف المسلم أي تيار المستقبل يريده شريكاً وراءه لا أمامه ومتقدماًً عليه، ويريده جزءاً من معركته ومنخرطاً فيها.
مشكلة سمير جعجع ثانياً هي بسبب ما نسب إليه من أحداث لم يتخلص من أثارها ورواسبها. مشكلته في " ماضيه " الذي يثقل على " حاضره " ويشوش على مستقبله مع ان الكثير مما نُسب إليه ليس مسؤولاً عنه ولا حصل في زمن قيادته للقوات اللبنانية، أما الأمور التي حصلت خلال فترة قيادته لهذه القوات فيعتبرها انصاره ومؤيدوه ملفات سياسية مفبركة من سلطة الوصاية يومها والاجهزة الامنية اللبنانية التي كانت تعمل تحت أمرتها... وهنا وإذا أردنا ان نكون موضوعيين فان جعجع ليس وحده من قاد ميليشيات وخاض الحرب وتورط في تبعاتها بل أغلبية الطبقة السياسية الحاكمة تورطت ايضاً في الحرب وارتكبت أخطاء مثله وظلت لسنوات وعقود متصدرة في الحكم والدولة.
جعجع وحده من بين أمراء الحرب دخل إلى "المعتقل السياسي" وهو يراد له ان يبقى في "معتقل سياسي" من نوع آخر وان يحال بينه وبين حلم الرئاسة حتى لو كان صعباً.
مشكلة جعجع أنه لم يتمكن من الخروج من الاطار الذي وضعوه فيه وهو ساعدهم على ذلك كونه بعيد عن الناس ويفضل الوحدة على الاختلاط وهذه الأمور ساعدت خصومه في التسويق ضده لأبقاء هذه الصورة في عقول شريحة كبيرة من الناس واستعمالها ضده عندما تدعو الحاجة لذلك.
أما نقطة الضعف الأساسية في وضعيته كمرشح إلى الرئاسة أو كـ " مشروع رئيس " فانها تكمن في خصومته مع قسم كبير من المسيحيين ممثلاً " بالتيار الوطني الحر " ومع مكوّن أساسي من الطائفة الشيعية هو "حزب الله" الذي يُعتَبر (أردنا أم لا) قائد هذه الطائفة ومرجعيتها السياسية وممثلها الأول والأقوى... والمسألة هنا لا تتعلق بعلاقة متوترة وغير مستقرة، وانما بعلاقة غير موجودة أساساً. وهذه " اللا علاقة " بين جعجع والقيادة الشيعية رغم العلاقة الشخصية والسياسية الجيدة نسبياً مع الرئيس نبيه بري ولكنها لا ترقى إلى حد علاقة تعاون وتنسيق ولا تكفي لتعويض النقص الشيعي الفادح وهي المشكلة الأساس والعقبة الرئيسية التي تعترض وصوله إلى رئاسة الجمهورية.
ما هو حاصل وقائم بين جعجع والشيعة وتحديداً حزب الله، حاصل وقائم بين عون والسنّة وتحديداً تيار المستقبل. ولكن ما حققه عون في الأشهر الأخيرة من اختراق وتطبيع، في علاقته مع المستقبل والتي انتقلت من خانة الخصومة إلى خانة المهادنة " وأكثر "، لم يحقق مثله جعجع على صعيد احراز اختراق ولو بصورة أولية بسيطة في علاقته مع حزب الله وفتح ثغرة في الجدار السياسي المرتفع بينهما. وربما هنا يكمن الفارق بين عون وجعجع في السباق إلى الرئاسة، في ان عون حقق نقطة سياسية ثمينة في تقاربه مع المستقبل، وفي ان جعجع لم يسعَ إلى كسر حدة العلاقة مع حزب الله لا بل خاض معركته وقدّم نفسه وترشيحه على أساس أنه " مرشح مواجهة " لمشروع حزب الله... ولما كانت انتخابات رئيس الجمهورية تتم على قاعدة التوافق والتفاهم وكانت كل طائفة ممثلة بفريقها الأساسي تمتلك حق الاعتراض والفيتو ولما كانت معركة الرئاسة هي أولاً معركة نصاب قبل ان تكون معركة أصوات فأنه لا يمكن تصور انتخاب رئيس للجمهورية تعترض عليه وترفضه احدى الطائفتين الأساسيتين في المكون اللبناني ( السنة أوالشيعة ).
يبقى السؤال هل يستطيع سمير جعجع ان يحقق اختراقاً ونقلة نوعية في علاقته مع الشيعة ومن باب عين التينة في ربع الساعة الأخيرة لتعلو أسهمه الرئاسية ويبتسم له الحظ ؟
أم ان استحقاق 2014 سيكون محاولة أولى وخطوة على طريق الرئاسة المؤجلة وتجربة غنية بالدروس والعبر تقفل على الماضي وتفتح صفحة جديدة لـ " المستقبل " وعلى كل المستويات ؟
سمير جعجع رئيساً هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
 

  • شارك الخبر