hit counter script

مقالات مختارة - صلاح سلام

سلسلة من المزايدات.. وبلا إصلاحات!

الإثنين ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 06:40

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

اللواء

لم تعد المسألة: سلسلة أم لا سلسلة!
المشكلة الأساس ما زالت تدور في حلقات النقاش المتشعب: كيف نموّل الأعباء الجديدة، ونحمي الليرة من الانهيار: عبر فرض ضرائب ورسوم جديدة، لا تفرّق بين الميسور والمقهور.. أم عبر إصلاح مالي وضريبي طال انتظاره، بعدما تمّ تأجيله من مرحلة إلى أخرى..؟!

لا بدّ لهيئة التنسيق أن تدرك جيداً، وبكل وضوح، أن لا اعتراض، ولا معارضة لمبدأ إقرار سلسلة جديدة للرتب والرواتب، سواء من الأكثرية الشعبية، أم من الهيئات الاقتصادية، ولكن ما يثير قلق النّاس، وفي مقدمتهم خبراء المال والاقتصاد، أن يؤدي الإقرار العشوائي للسلسلة، وفي ظل مناخ المزايدات السياسية والانتخابية السائدة في مجلس النواب، إلى مفاعيل عكسية على الجميع، وخاصة على المستفيدين، في حال الوقوع في محاذير التضخم، وتراجع قيمة الليرة تجاه العملات الأجنبية، فضلاً عن انخفاض قدرتها الشرائية.

ومثل هذه التوقعات تبقى واردة بسبب العجز الراهن الذي ترزح تحت ضغطه الخزينة اللبنانية، إلى جانب ضمور حجم الاقتصاد اللبناني، بسبب حالة الركود والكساد المهيمنة على الأسواق التجارية، وتراجع الحركة السياحية إلى أدنى مستوياتها، فضلاً عن مضاعفات الحرب السورية على الوضع اللبناني، واضطرار البلد، شبه المُفلس، إلى استقبال مليون ونصف المليون من النازحين السوريين!

* * *
لا بدّ من الاعتراف بأن الأبحاث المالية الجارية، منذ طرح ملف السلسلة أيام الحكومة الميقاتية، قبل حوالى السنتين، لم تتوصل حتى الآن، إلى تأمين الموارد اللازمة، بشكل واضح وأكيد، والتي تحول دون تفاقم العجز، والدفع بالبلد نحو الإفلاس الشامل!

ورغم كل النقاشات الجدّية التي دارت في اجتماعات اللجان المشتركة في الأسابيع الأخيرة، لم تتوفر الضمانات الضرورية للأرقام المطروحة في خانة «الواردات الجديدة»، الأمر الذي دفع بالزعيم وليد جنبلاط إلى التحذير من مغبة الاندفاع العشوائي نحو إقرار السلسلة، مبدياً تحفظه، بل ومعارضته، في حال لم تكن أرقام الموارد واقعية ومضمونة!

ورغم كل البراعة التي أظهرها وزير المالية الجديد علي حسن خليل في التعاطي مع هذا الملف الشائك، فإن الرجل ما زال متشككاً من الأرقام التي أمامه، لذلك ينصرف إلى متابعة اجتماعات البحث والتمحيص مع كبار معاونيه في الوزارة، ومع مستشاريه من خارج الوزارة، إلى جانب لقاءاته المستمرة، وبعضها غير مُعلن، مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بحثاً عن الصيغة المناسبة لتأمين إقرار السلسلة من دون انعكاسات سلبية ومدمرة على الاستقرار النقدي، وعلى الوضع الاجتماعي لأصحاب الدخل المحدود، أي تجنّب الوقوع في متاهات التضخم والانهيار النقدي
* * *
ثمة من يرى أن الإشكال الأساس يكمن في كون البحث الرسمي مُركّز بمعظمه على اتجاه واحد: كيف نزيد واردات الخزينة؟! في حين أن منطق الأمور، والتجارب المماثلة لهذه الحالة، تفرض أخذ عدّة عوامل بعين الاعتبار، وتركيب توليفة بين الإصلاح الضريبي وإعادة هيكلة نفقات الدولة والتزاماتها المالية من جهة، وبين زيادة بعض الرسوم والضرائب التي لا تطال الطبقات الفقيرة، وذوي الدخل المحدود.

والإصلاحات المطلوبة، على سبيل المثال لا الحصر، يجب أن تبدأ بمواقع الهدر والفساد، وتصحيح مساوئ الإدارة الحالية، بما يؤدي إلى ترشيق حجم القطاع العام، وتفعيل إنتاجية العاملين في مرافقه وإداراته المختلفة.

بالنسبة للهدر، تبقى مؤسسة الكهرباء، العنوان الأوّل، حيث تلتهم 2.2 مليار دولار سنوياً، في حال بقيت أسعار الفيول والمشتقات النفطية بحدود المعقول، مع استمرار إهمال اعتماد الغاز لتوفير مئات الملايين من الدولارات. وجاء تلزيم أعمال الجباية الشهرية لشركات القطاع الخاص، ليُفاقم من عجز هذه المؤسسة الهرمة، ويرفع أرقام خسائرها، بسبب حصة هذه الشركات من جبايات المشتركين!

أما الفساد، فهو معشش في معظم الإدارات والدوائر التي تتعاطى بالرسوم والأموال مع المكلف اللبناني، وتفوق الرشاوى التي يتلقاها بعض الموظفين قيمة الرسوم والأموال التي تدخل صناديق الخزينة العامة! ولائحة الإدارات الغارقة في الفساد الوقح والعلني، أكبر من أن يتسع لها هذا المقال!

وأما بالنسبة لترشيق القطاع العام، وتفعيل إنتاجيته، فقد طرحت الفكرة منذ أيام الحكومات الحريرية في أواسط التسعينات ومطالع الألفين، ثم جُدّدت في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ولكن المشاريع بقيت حبراً على ورق، وذهب كل الكلام حولها أدراج الخلافات والمزايدات الرخيصة!

ثمة تقارير إدارية توصي بإمكانية الاستغناء عن أكثر من عشرة آلاف موظف وأجير، يقبضون رواتبهم ولا يحضرون أصلاً إلى مراكز أعمالهم!

وتقارير أخرى في وزارة التربية عن وجود أكثر من ألفي معلم يقبضون رواتبهم بحماية قوى سياسية وحزبية، ولا عمل لهم في الوزارة. وأن ثمة ألوفا آخرين يغيبون عن مدارسهم، بسبب عدم وجود تلاميذ في صفوفهم، ويتقاسمون الدوامات الباقية مع زملائهم.

وهنا تحضرني طرفة مهضومة يرويها الوزير السابق ميشال إده على طريقته المحببة، حيث كان يوماً في زيارة للولايات المتحدة، فيتصل به أحد المغتربين اللبنانيين من دون معرفة سابقة، ليرحّب به ويدعوه لحفل عشاء بحضور أعيان الجالية. فيعتذر الوزير اللبق بحجة ارتباطه ببرنامج رسمي للزيارة، فما كان من المتصل الذي مضى على وجوده في أميركا خمس سنوات وأحواله بـ «اللوج»، كما أبلغ الوزير إده، إلا أنه طلب خدمة قبل أن يُنهي المخابرة: «بترجّاك معالي الوزير معاشي لم يصلني من وزارة التربية منذ خمسة أشهر. أرجو أن تساعدني بمراجعة المعنيين بالأمر!!».

وما يُقال عن وزارة التربية، يمكن قول مثله وأكثر عن وزارات أخرى، تمّ حشوها بجحافل المياومين والمتعاقدين والمؤقتين، في سنوات ما بعد الحرب، وأدت إلى هذا الورم في إدارات القطاع العام، التي تتراجع إنتاجيتها عاماً بعد عام.
* * *
المفارقة المؤلمة أن السلسلة سلكت دروب التهويل والمزايدات، وغابت عنها المعالجات الجادة، والمشاريع الإصلاحية اللازمة!

  • شارك الخبر