hit counter script

مقالات مختارة - جان عزيز

في 23 نيسان: عون والآخرون...

السبت ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 08:13

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

يبدو أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يتجه إلى تحديد موعد الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يوم الأربعاء الذي يلي عطلة عيد الفصح. أي في 23 نيسان الجاري. موعد يمثّل نوعاً من الدور الأول التمهيدي للانتخاب النهائي، إذ برغم شكليته، يظل ضرورياً عملياً لإنجاز خطوات عدة، منها تحديد المرشحين الجديين، وتحديد الناخبين الأساسيين، كما تحديد قواعد اللعبة واقعياً، لجهة شروط الترشيح والتأهيل والاقتراع والفوز، وما بعد الفوز أيضاً.

أحد عشر يوماً تفصل مبدئياً عن الموعد المرجح. لا تكفي نظرياً لحصول أي تغيير جذري أو حاسم، على أي من المسارين المقررين لهوية الرئيس المقبل، الداخلي أو الخارجي. علماً أنه ليست مصادفة أن الوقت صار ضيقاً. فالأطراف المعنيون تركوا الوقت يضيق عمداً وقصداً، للضغط على اللاعبين من جهة، كما لإعطاء أنفسهم مهلة أكبر من جهة أخرى، عبر لعبة الفراغ الموقت، لكن المفتوح.
برغم ذلك يظل من المفيد إجراء تمرين لاحتمالات التطورات الممكنة على خطي الحسم في الداخل والخارج.
داخلياً أولاً، يبدو أن كل الترشيحات المطروحة عاجزة عن تحقيق خرق جدي في صندوق الاقتراع الرئاسي. ترشيح سمير جعجع مثلاً، يتحدث عنه أهل القرار الحريري بلهجة تراوح بين الاستهزاء والاستفزاز. بمعزل عن تصاريح بعض أصواتهم غير العارفة ولا المقررة، أو المعدة لمحاولة استيعاب الرجل أو الحد من أضراره والتخفيف من سلبيات الاستحقاق بين الطرفين، كما حصل مع قطوع قانون الانتخاب. بينما «الثلاثي الحريري» القابض على مقاليد العمل السياسي والحكومي والحزبي في بيروت، بالتنسيق مع الرياض بوجهيها، ينظر إلى ترشيح جعجع على أنه إما مزحة وإما سماجة. وفي الحالتين، لا مؤدى جدياً للخطوة في الاستحقاق الرئاسي. ترشيح أقصى طموحه أن يفرض صاحبه ناخباً ضمن فريقه. مع ما لصفة الناخب في هذا الفريق من حقوق عرفية أو متعارف عليها.
الترشيحات الأخرى كلها أقل جدية، بالمنظار الداخلي. لا وجود لأي منها على خارطة الأطراف اللبنانيين. باستثناء ربما جان عبيد، الذي ينظر إليه جميع المحليين بجدية وبحذر. أما الأسماء الأخرى كافة، فتبدو ساقطة في حسابات الداخل. والمؤكد أن موقف ميشال عون الرافض لها، كاف لجعلها كلها غير موجودة. يبقى داخلياً خيار عون نفسه. وهو خيار أكثر من جدي وقابل للخرق وفق آليات الاختيار الداخلي وحده. على قاعدة مرشح الوفاق القوي، لا المرشح التوافقي الضعيف. أي المرشح الذي يَجمع حوله الخصوم بقوته ومشروعه. لا المرشح الذي يجتمع عليه الأضداد، نظراً إلى ضعفه وغياب مشروعه. بما يفسح المجال أمام استمرار مشاريعهم المتناقضة، ويؤدي بالتالي إلى فشله كما فشل الجميع، كما حصل مع ميشال سليمان. هذا العون المرشح يعني عملياً في الداخل اللبناني، أن يقتنع الفريق الحريري، وأن يقنعه عون أيضاً، بأن مصالحه في الحفاظ على نظام الطائف وعدم ترك الأمور تذهب إلى نظام جديد في ظل موازين غير مؤاتية، وفي عودة شيء من الاعتدال إلى الساحات اللبنانية كلها، بما يحول دون استمرار قضم «القواعد الشرعية» من قبل الأصوليين، كما عودة التمثيل الأصيل محل البديل إلى كل المواقع الدستورية... كل ذلك وسواه لا يؤمنه إلا عون نفسه. في المقابل تكون الاقتناعات الأخرى حاصلة، كما هو اقتناع الثنائية الشيعية به. أو على طريق التبلور، كما يمكن أن يكون الاقتناع الجنبلاطي. أو يكون الاقتناع كامناً مسكوتاً عنه، إما حرصاً وإما على مضض، كما تبدو بكركي مثلاً وسط مواقفها المتعددة والمتمايزة...
المهم أن هذا المسار متوقف اليوم عند المربع الحريري. كأنه واقع هناك في شيء من التجاذب بين العقل والقلب. يُحكى بحماسة في الجلسات المقفلة، ثم يقارَب ببرودة عند لحظة القرار. وهو ما يجعل المراقب يشخِّص المسألة بين التردد الداخلي وانتظار الحسم الخارجي. هذا إذا ما افترض التشخيص حسن النيات، واستبعد فرضية «البلف».
هنا ينتقل البحث إلى المسار الخارجي. حيث يبدو المشهد أكثر تعقيداً. فبمعزل عن روزنامة الاستحقاقات المتعددة في المنطقة، التي أشرنا إليها من قبل، وقد تقتضي انتظاراً وترقباً قد يطول حتى ما بعد نهاية تموز، تظل أجندات القوى الخارجية متباينة لجهة وظيفة الرئيس اللبناني المقبل. لا تلتقي إلا عند نقطة شكلية واحدة، هي استقرار لبنان. غير أن هذا المفهوم الواحد يبدو مطاطاً غامضاً، بحيث يصير متعدداً بحسب مصالح كل طرف خارجي. واشنطن تريد الاستقرار اللبناني من زاوية احتواء حزب الله، وترك الاستنزاف السوري مستمراً، لكن مضبوطاً، ومن زاوية «التطبيع» الغازي جنوباً، وفق نظرية فريدريك هوف وخرائطه، فيما السعودية تنظر إلى الاستقرار اللبناني من زاوية رفع الدعم عن النظام السوري، واحتواء قسم من النازحين السوريين (ثمة قراءة كبيرة وخطيرة في هذا المجال متداولة خارجياً) وصولاً إلى السير بالموقف العربي في الموضوع الفلسطيني، من قرار الجامعة تبادل الأراضي إلى الإسقاط المقنَّع لحق العودة. أما الاستقرار اللبناني إيرانياً، فمتطابق مع موقف حزب الله. أو هو منبثق منه. وحدوده تراوح بين ضمان بقاء السلاح وضمان صمود بشار الأسد وضمان المواجهة لأي هيمنة مناوئة على لبنان أو على المنطقة.
هكذا تبدو التصورات الخارجية لرئيسنا الجديد متباينة حتى التناقض. وهي لا يمكن أن تتقاطع نظرياً، إلا إذا تقدم الانفتاح الأميركي الإيراني، بحيث يمثل مظلة لتوافق موضعي بين طهران والرياض على إمرار رئيس. آلية تبدو صعبة الإنجاز قبل 23 نيسان، أو حتى قبل 25 أيار. فيما الآلية الداخلية تقبع بين العجز والبطء وبدايات تكوين الثقة. برغم ذلك كله، تظل جلسة الانتخاب الأولى دوراً انتخابياً أول. بعدها يُعرف المرشحون الجديون، وتحدد آجال الدور النهائي، والأهم تكشف أنصبة الفوز والخسارة ودفاتر الشروط للعبة المطروحة، قبل الانتخاب وخصوصاً بعده.

  • شارك الخبر