hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جوزف الهاشم

إنتخابات رئاسية على ظهور الحمير

الجمعة ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 07:47

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

لفتني مشهدٌ - وأنا أتابع سير الإنتخابات الرئاسية الأفغانية - فيه من الغرابة والظَرْف بقدر ما يحمل من الحكمة والموعظة الحسنة، وهو أنَّ الحكومة لجأَتْ الى استخدام عشرات المئات من الحمير لنقل صناديق الإقتراع الى المناطق الجبلية في أفغانستان، حيث التضاريس الصخرية الوعرة والأودية العميقة القَعْر.

وقيل: إنَّ المدّة التي تستغرقها قوافل الحمير الى أقرب المناطق الإنتخابية الجبلية لا تقلّ عن خمس ساعات ذهاباً وما يعادلها إياباً وهي تحمل الصناديق المعبأة بأوراق أقلام الإقتراع.

وبالرغم من أنّ حركة طالبان قد أَطلَقتْ سيلاً من الوعيد الإرهابي مهدِّدة بإسقاط هذا الإستحقاق، فقد أصرَّتْ الدولة الأفغانية على إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، وجرَتْ العملية الإنتخابية محققةً نسبة عالية من المقترعين في بلد يعتبر أكثر البلدان اضطراباً وملاذاً للحركات الأصولية وجماعات القاعدة.

هذا الإنجاز الديمقراطي كان محطّ إشادات من الولايات المتحدة الأميركية «حيال تطوّر العملية الديمقراطية في أفغانستان». ونوَّهت وزارة الخارجية الروسية «بالجهود الكبيرة لتأمين الإقتراع بنجاح بالرغم من التهديد من أجل التطور الديمقراطي في البلاد». مثلما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن «تهنئته لهذا النجاح الكبير».

هذا في أفغانستان، البلد الحديث العهد بالإستقلال، والمتدرّج في خطى الديمقراطية، ومعظم سكانه من المزارعين وقبائل الرعاة الرحَّل.
بالمقارنة: نتطلع الى الإستحقاق الرئاسي في لبنان، هذا البلد العريق في التاريخ، والمناطق الجبلية فيه ما كانت إلاّ ملاذاً للحرية، وهو الأصيل بالإستقلال منذ أن كان جبل لبنان يتمتع بذاتيَّة محرَّمة على سائر بلدان المنطقة عهد سلطنة الدولة العثمانية وجبروتها.

وماذا إذاً؟ عن الإستحقاق الرئاسي في هذا اللبنان الذي يكتنز أهله إرْثاً ثقافياً حضارياً عزيز النظير، هل يتمثل ديمقراطياً بتلك المناطق الجبلية المعزولة بالتضاريس الوعرة، ويأخذ الحكمة من ناخبين جلّهم من القبائل والرعاة الرحَّل؟

هل نسقط نحن تحت وطأة التهديدات الأصولية، والهيمنة الخارجية، ونتذرع بحرب الترشّح بين سمير جعجع وميشال عون لإعلان الحرب على إلغاء الإستحقاق؟

هذه الفترة التاريخية بالذات لا تتحمّل بعد مزيداً من عبَث الصبيان ومغبّة الإرتهان، بما يعصف بلبنان من مخاطر، وبما يتأجج حوله من مجازر، فإذا نحن أمام جسر زمني يتأرجح بين الأمل والخطر، فإما أنْ نتلمس شاطئ النجاة وإمْا أنْ نضلّ في بحرٍ من الظلمات ولا سبيل الى رأس الرجاء الصالح.

الذين يراهنون على الفراغ الرئاسي الذي استمر عقب ولاية الرئيس إميل لحود نحواً من ثمانية أشهر، نذكّرهم بأنه كان في ذلك الزمان إتفاق الدوحة في قطر، يوم كانت الدوحة روضة عربية وارفة الظلال، بما فيها من اخضرار شجر وأوراق خضراء، أما اليوم فالعالم العربي والخارجي مشغول بذاته، مُنْهَك بأحداثه، مثقلٌ بأعبائه، والدوحة الغنّاء ذابِلَةٌ أوراقها على اصفرار مع فصول الخريف.

نحن نأمل أن تبذل الحكومة اللبنانية قصارى الجهد تيمُّناً بالحكومة الأفغانية لتأمين الإستحقاق الرئاسي في موعده، فإن استعصى عليها الأمر، فلا حيلةَ لنا، إلا أن نرسل صناديق الإقتراع الى النواب على ظهور الحمير.
 

  • شارك الخبر