hit counter script

كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان خلال القمة العربية في الكويت

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٤ - 19:24

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السيد الرئيس
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
أيها الإخوة

- يسرنا أن نلتقي اليوم، تحت راية العروبة الجامعة، في رحاب دولة الكويت العزيزة، وبرعاية سمو أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي يجمعنا دوما على مقاصد الخير والعزة. تعتملنا في هذه الظروف المفصلية الدقيقة، هموم وتطلعات وطنية وقومية شاملة، في ضوء التحولات التاريخية التي يشهدها عالمنا العربي، وما يرافقها من شوائب وتحديات. ذلك أن الحراك العربي العام، يبدو منفتحا على آفاق التغيير والتقدم، إلا أنه بات يعاني بوضوح، مخاطر التطرف والتشرذم والاستبداد والإرهاب.

من هنا، فإن مستقبل شعوبنا ودولنا ومجموعتنا بالذات، يبدو متوقفا خلال السنوات المقبلة، على مدى نجاحنا في جبه هذه التحديات. وهذا يعني على الصعيد العملي، مدى نجاحنا أولا، في المساهمة بتغليب قوى الاعتدال على مساحة العالم العربي، في وجه التيارات، التي باتت تجنح نحو التطرف والغلو، مع ما يتطلب ذلك من وعي للمخاطر، ومن عمل تربوي وتنموي دؤوب وهادف، من دون التخلي بطبيعة الحال، عن واجب البحث الدائم عن العدالة، وعن الحق في مقاومة الاحتلال، وفقا لما نصت عليه شرعة الأمم المتحدة.

ويعني كذلك مدى مقدرتنا على اختيار نظمنا السياسية الفضلى، في ضوء ما نشهده من مخاطر انزلاق نحو التشرذم أو الأحادية والظلم. ويقيني أن الأنظمة القائمة على الديموقراطية الحقة، وعلى نهج الحوار والمشورة والتوافق، والملتزمة حرية الرأي والمعتقد، وضمان حقوق جميع المكونات الحضارية لمجتمعاتها، هي الكفيلة بتوفير الاستقرار والتنمية المستدامة لشعوبها. وقد جاء التقدم المحرز في مصر وتونس، في مجال إقرار دساتير عصرية ومحفزة، كعنصر مشجع في هذا الاتجاه.

سيتوقف الأمر ثالثا، على مدى نجاحنا في توحيد الصف العربي على أسس قومية واضحة، وفي تطوير جامعة الدول العربية، وتفعيل آلية العمل العربي المشترك. كذلك سيتوقف على فرص بلورة حل متفاوض عليه، للاشتباك الإقليمي القائم بأوجه مختلفة، على الساحة العربية بالذات، والذي نعاني تداعياته السلبية، مع ما بات يتسبب به من توتر مذهبي ومناخات فتنة. ومثل هذا الحل لا بد من أن يقوم على مبدأ احترام سيادة الدول، والاعتراف المتبادل بمصالحها المشروعة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

ويبقى التحدي الأبرز، مدى قدرتنا على التأثير والضغط، لفرض حل عادل وشامل، لجميع أوجه الصراع العربي- الإسرائيلي، بعيدا من الحلول الثنائية أو الجزئية، استنادا الى قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد، والبنود المتكاملة للمبادرة العربية للسلام، التي تؤكد الحق العربي في الأرض، وفي قيام الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة، وضمان عدم توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، التي لا تسمح أوضاعها الخاصة بمثل هذا التوطين؛ ومنها لبنان، ذلك في وقت ما زالت إسرائيل تتمادى في احتلالها وتعنتها، وسعيها لتهويد الأماكن المقدسة، وممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.

لذا، فإننا نأمل من القيادة الفلسطينية، التي تربطنا بها علاقات ثقة وأخوة، في أن تستمر في موقفها الثابت، والمتجانس مع الموقف العربي العام، وفقا لما عبرت عنه المبادرة العربية للسلام؛ مع علمنا، بصعوبة المرحلة وتعقيداتها. ونأمل كذلك من القمة العربية، في أن تعيد تفعيل أعمال "لجنة المتابعة"، تمكينا لها من مواكبة الجهود الديبلوماسية القائمة، بشكل مؤثر وفاعل، وصون حقوق كل الدول العربية المعنية ومصالحها، بعناصر الحل النهائي للصراع، ومن بينها لبنان.

ويهمني بشكل خاص، في وجه المأساة الإنسانية التي ما زال يعاني منها مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، بالرغم من الجهود التي تبذلها الدول المضيفة في حدود إمكاناتها، أن أوجه عناية القمة، ومن خلالها المجتمع الدولي، إلى ضرورة تعزيز وسائل الدعم المادي لوكالة الأونروا، بصورة تمكنها من تلبية كامل الاحتياجات الحياتية المتزايدة للاجئين الفلسطينيين وذلك في انتظار إيجاد الحل السياسي النهائي لقضيتهم، على قاعدة حقهم الطبيعي في العودة، والاستمرار في تقديم الدعم المالي اللازم لاستكمال اعادة اعمار مخيم نهر البارد.

أما في ما يتعلق تحديدا بالأزمة السورية، المتمادية منذ ثلاث سنوات، فقد حاول لبنان في المبدأ والأساس، على تحييد نفسه قدر الإمكان، عن التداعيات السلبية لهذا النزاع. رغم أنه معني في الوقت نفسه، بمجريات الأمور في هذه الدولة الشقيقة والجارة، وبمستقبلها، وطبيعة النظام الذي ستستقر عليه.

من هنا، حرصنا على تغليب منطق التفاوض والحوار، وتشجيع كل جهد ممكن، للتوصل إلى حل سياسي سريع ومتوافق عليه، يعيد لسوريا استقرارها ووحدتها، حل، يوقف المأساة الاكبر انسانيا واخلاقيا وحضاريا منذ الحرب العالمية الثانية، ويسمح بتحرير جميع المخطوفين، وعلى رأسهم المطرانين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم، ويضمن حقوق جميع مكونات شعبها المتجذر في الحضارة، وذلك بعيدا من أي تدخل عسكري خارجي، ومن مخاطر التشرذم والفوضى والتطرف والإرهاب، بما يتوافق مع أهداف مؤتمر جنيف، ومع تطلعات السوريين وطموحاتهم.

السيد الرئيس:
في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، التي باتت تتهدد لبنان منذ اندلاع الأزمة السورية، قام جهد دولي مشكور ومميز، لمساعدتنا في رفع هذه التحديات، فتم إنشاء مجموعة دولية لدعم لبنان، في مناسبة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25 أيلول 2013، صدر بنتيجة مؤتمرها التأسيسي، كذلك بنتيجة اجتماعها التقويمي الأخير في باريس، بتاريخ 5 آذار الجاري، خلاصات متكاملة لدعم استقرار لبنان، واقتصاده الوطني، وقدرات قواته المسلحة، والجهد المبذول، لمواجهة المشكلة المتفاقمة للاجئين السوريين على أراضيه. وهي دعت من هذا المنطلق، الى تحييد لبنان عن التداعيات السلبية للأزمات الإقليمية، خصوصا من طريق العمل على تطبيق "إعلان بعبدا"، الذي أقرته هيئة الحوار الوطني، وتنفيذ كامل مندرجات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما في ذلك قرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي باشرت أعمالها مطلع هذا العام.

كذلك تم إقرار مبدأ تقاسم الأعباء المالية والأعداد، في ما يتعلق بمشكلة اللاجئين السوريين، والتوافق على آليات جديدة لتمويل مشاريع دعم الاقتصاد اللبناني، والترحيب بعزم ايطاليا، عقد مؤتمر دولي، لدعم قدرات القوات المسلحة اللبنانية، والترحيب كذلك بالهبة الاستثنائية، التي قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لشراء أسلحة حديثة للجيش اللبناني، من الدولة الفرنسية الصديقة، بقيمة ثلاثة مليارات دولار أميركي.

ونحن على يقين، أنه لا يمكن الأشقاء العرب، أن يكونوا أقل حرصا على دعم لبنان، من حرص مجموعة الدعم الدولية، التي تتشكل من كل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والأمانة العامة للأمم المتحدة، والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، والمفوضية العليا للاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، والمفوضية السامية للاجئين، مع العلم، أن الاجتماعات المتخصصة اللاحقة لهذه المجموعة، ستكون منفتحة على أكبر عدد ممكن من الدول الصديقة والقادرة.

لذا، يهمني من على هذا المنبر، توجيه نداء ملح إلى الإخوة القادة العرب، للاستمرار بدعم لبنان بالطرق المناسبة، على الصعيدين الثنائي والدولي، خصوصا من خلال الانخراط في الجهد الهادف، لضمان تنفيذ كامل خلاصات مجموعة الدعم الدولية، في مختلف المجالات، ولا سيما منها في المجالات الآتية:

1- تشجيع جميع الأطراف الداخليين والإقليميين، على التزام مبدأ تحييد لبنان قولا وفعلا عن النزاعات الإقليمية، كما أقره "إعلان بعبدا"، وإعادة ترسيخ التوافق الداخلي والإقليمي بهذا الشأن، بالتماهي مع الإجماع الدولي القائم حول هذا الموضوع، والمساعدة في ضبط الأوضاع على طول حدودنا الشرقية، ومنع الأعمال العدائية على طرفي هذه الحدود، ومتابعة العمل على تنفيذ كامل مندرجات القرار 1701، ووضع حد للانتهاكات الإسرائيلية المتمادية للسيادة اللبنانية وتهديداتها المستمرة.

2- التجاوب مع الدعوة التي سيوجهها البنك الدولي، الى المشاركة في تمويل مشاريع الدعم الاقتصادي الخاصة بلبنان، من خلال الصندوق الائتماني الذي أنشئ لهذا الغرض، إضافة إلى طرق الدعم الثنائي الموازية، مع العلم، أن التداعيات السلبية للأزمة السورية على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، بعيدة المدى، وستستوجب سنوات عديدة من المتابعة والاهتمام، بما في ذلك، في المرحلة التي ستلي مرحلة السلام وإعادة الأعمار في سوريا.

3- تلبية الدعوة التي ستوجه من الحكومة الإيطالية والأمم المتحدة، إلى الدول القادرة، للمشاركة في مؤتمر روما لدعم الجيش اللبناني، والمساهمة بدعم أعمال هذا المؤتمر وتوفير شروط نجاحه، وذلك في ضوء المهام الوطنية، التي يضطلع بها هذا الجيش، في الدفاع عن السيادة، والمحافظة على الديموقراطية والسلم الأهلي، ومحاربة الإرهاب.

4- العمل على ضمان قيام الدول، التي التزمت تقديم مساهمات مالية في مؤتمري الكويت للدول المانحة، بتسديد كامل التزاماتها. وبما أن هذه المساهمات، تذهب في معظمها الى المنظمات الدولية المعنية بأوضاع اللاجئين، فلا بد من القيام بجهد مواز، من الأشقاء العرب والمجتمع الدولي، لتقديم مساعدات مالية مباشرة للإدارات الحكومية اللبنانية، من أجل مساعدتها في تسديد النفقات الإضافية، التي تتسبب بها الحاجة، لتلبية احتياجات اللاجئين، في مجالات الصحة والاستشفاء والتعليم، وتوفير الطاقة الكهربائية والموارد المائية.

السيد الرئيس:
إن المشكلة المتفاقمة للاجئين السوريين في لبنان، باتت تشكل تهديدا وجوديا، من شأنه أن يزعزع أسس البنيان اللبناني، والحاجة ماسة وملحة، لتكريس جهد عربي استثنائي ومتكامل، لإقناع أكبر عدد ممكن من الدول، لتقاسم أعداد اللاجئين، من منطلق المسؤولية الإنسانية والقانونية الدولية المشتركة، مع العلم أن عدد الدول التي وافقت لغاية الآن، على المشاركة في استقبال لاجئين سوريين على أراضيها، لم يتجاوز العشرين دولة، ومجمل اللاجئين الذين تم استقبالهم في هذه الدول لغاية الآن، لا يتجاوز بضعة آلاف. كذلك يتوجب العمل، على إقناع الأطراف الداخلية والدولية المعنية، بضرورة توسيع أطر إيواء النازحين، في مناطق آمنة داخل الأراضي السورية بالذات؛ وتكثيف الجهود الإقليمية والدولية المبذولة، لإيجاد حل سريع للأزمة السورية، يسمح للاجئين السوريين، بالعودة إلى أرضهم وديارهم بصورة كريمة وآمنة.

ولا بد لي، من أنبه في هذا المجال، إلى أن لبنان، الذي بات يزدحم باللاجئين الوافدين من سوريا، بما يفوق مساحته وقدراته المحدودة، بما في ذلك عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، لم يعد في استطاعته على الصعيد العملي، استيعاب المزيد من هؤلاء اللاجئين على أراضيه، وقد باتوا يشكلون أكثر من 32 في المئة من مجمل عدد سكانه. وقد يستدعي ذلك، البحث في السبل المشروعة الكفيلة بوقف تدفقهم على أراضيه، مع العلم أن إقامة اللاجئين، لا يمكن إلا أن تكون مؤقتة بطبيعتها، وأن مسؤولية استقبالهم وإيوائهم، لا تقع حصرا على الدول المجاورة بحكم واقع الجوار.

السيد الرئيس، أيها الأخوة:
نثمن عزمكم على التضامن الكامل مع لبنان، وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي له، في مختلف الميادين. وتزامنا مع قمتنا اليوم، تحتفل الطوائف اللبنانية كافة بعيد سيدة البشارة، كذلك تبدأ اليوم المهلة الدستورية لانتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية التي نتعهد العمل على انجازها والاحتفال بتداول السلطة في الموعد المحدد التزاما بالدستور اللبناني وتماشيا مع تقاليدنا الديموقراطية.

كما سنستمر في السعي كي يستعيد لبنان وهج رسالته وموقعه ودوره، كمساحة حرية وعيش مشترك، وكمساهم ناشط في كل مشروع نهضوي عربي، وفي الحوار الواجب بين الثقافات والحضارات والديانات.

شكرا سمو الأمير، على استضافتكم هذه القمة في دورتها الخامسة والعشرين، وعلى حسن الوفادة والتنظيم، مقدرين لكم كريم رعايتكم للجالية اللبنانية في الكويت، ومجمل مساهماتكم لتعزيز شروط الاستقرار والتنمية المستدامة في لبنان، متطلعين إلى مزيد من العمل العربي المشترك، لاجتياز هذه المرحلة المفصلية من تاريخنا، وتحقيق ما تصبو إليه شعوبنا من إصلاح واستقرار وعدالة وعزة، وشكرا. 

  • شارك الخبر