hit counter script

كلمة الرئيس سعد الحريري في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري

الجمعة ١٥ شباط ٢٠١٤ - 19:00

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أحيت قوى "14 آذار" الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري تحت شعار "زمن العدالة" في احتفال مركزي أقيم في مجمع البيال- وسط بيروت، بحضور الرئيس فؤاد السنيورة ووزراء ونواب وفاعليات دينية وسياسية واجتماعية وحزبية.

وغصت القاعة بالوفود ووضعت صور شهداء ثورة الارز الذين زاد عددهم باستشهاد الوزير محمد شطح، وتوسطت القاعة منصة رفع فوقها شعار المحكمة الخاصة بلبنان.

الوقائع
بعد النشيد الوطني اللبناني والوقوف دقيقة صمت حداداً على شهداء "ثورة الارز"، استهل الإحتفال بعرض تقرير يسلط الضوء على مواقف فريق 8 آذار المعارضة لإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
ثم كانت كلمة مسجلة للسيدة نازك رفيق الحريري قالت فيها: "أيّها الأحبّة، اليوم يطوي الإستشهاد الكبير عامه التّاسع، واليوم أيضاً، يشهد الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري ونحن معه ولادة فجر العدالة".
وجزمت بـ"أنها العدالة التّي انتظرناها جميعًا؛ العدالة التّي نريدها لا لثأرٍ أو انتقام نريدها لتحمي لبنان من شماله إلى جنوبه أرضًا وشعباً، ونريدها أن تداوي جرح كلّ من فقد عزيزًا في مسيرة الدّفاع عن الوطن، وعن وحدته الوطنيّة وأمنه وسلمه واستقراره، وبـمفهومها ما هي إلا ترجمةٌ للعدالة الإلهية والسماوية وهذا ما نريده ولا شيء غيره".
وتوجهت الحريري الى الرئيس الشهيد بالقول: "يا شهيد الوطن، مرّت تسع سنوات وما زلت حيًّا في كلّ قلبٍ أحبّك، وفي كلّ فكرٍ شاركك الأحلام والرّؤية والأهداف، وفي كلّ قلمٍ وصوتٍ ما زال ينادي بالحقيقة وبالـمبادئ التّي بذلت حياتك من أجلها، بقيت أحلامك نافذة الأمل الـمطلّة على الـمستقبل الجميل الذّي يعود فيه لبنان البلد الرسالة نموذجًا حيًّا لإلتقاء الثّقافات والحضارات وللعيش الـمشترك بين الأديان وبين الإنتماءات الـمختلفة".
واعتبرت أنّ "النّظر إلى لبنان الحاضر قد يوحي باليأس، خصوصا مع تكرار مشاهد العنف واستباحة حياة الأبرياء على امتداد أرضنا، لكن دعونا نتذكّر ما كان الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري ليقول في مثل هذا الوقت. كان ليقف أمامنا بابتسامته الـمعهودة ليبثّ فينا تفاؤله وأمله بالغد وثقته بلبنان وبقدرته على تجاوز التّحدّيات مهما بدت صعبة. ويدعونا لنرى نصف الكأس الـملآن وكيف نجحنا في إقامة السّلام بعد حربٍ دامت ثلاثة عقود بالإرادة والعزيـمة وكيف حقّقنا إنجاز إعادة البناء والتّنمية الشّاملة في كافّة الـمجالات".
وأردفت: "إن أردنا العودة بوطننا إلى درب النهوض الذّي بدأه الرئيس الشهيد رفيق الحريري علينا أن نلتقي جميعًا حول دولةٍ موحّدة دولة القانون والـمؤسّسات والدّيـمقراطيّة، وعلينا أن نضع جانباً كلّ التجاذبات والإصطفافات السّياسيّة وأن نلتزم بقواعد بناء وتدعيم الدّولة الدّيـمقراطيّة بـمفهومها الواسع وبـما تحمله من وعدٍ بإطلاق طاقات الإنسان وقدراته في جوٍّ يوفّر له الفرصة والحريّة".
وزادت الحريري: "أيّها الأحبّة، هذا هو فكر الرئيس الشهيد رفيق الحريري وها هي رؤيته وقناعته ونهجه. فدعونا نختار هذا النّهج ونكمل معاً مسيرة قيام دولة القانون والدّيـمقراطيّة والوفاق الوطنيّ والسّلم الأهلي،ونكمل رحلة بناء وطنٍ آمنٍ وزاهرٍ للجميع".
وتابعت: "في هذا اليوم وكما في كلّ حين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لبنان وأهله، وأن يعيد الأمن والطمأنينة والأمل إلى ربوعه".
أضافت: "أيّها الأحبّة، اسمحوا لي في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري والتي تتزامن مع وفاة أخي الحبيب والعزيز على قلبي زياد أن أواسي وأعزّي نفسي وأعرب عن الحزن والأسى لفراقه. كم هو صعبٌ غيابك يا أخي زياد وكم هو عميقٌ الجرح الذّي تركه في نفسي. وقلبي لا يداويه سوى الإعتصام بالصّبر والصّلاة.هذه هي مشيئة الله ودعائي إلى الله عزّ وجل أن يجعل مثواه الجنّة مع الأبرار والصّالحين.والدّعاء إلى الله سبحانه وتعالى لك بالجنّة ولنا بالسّكينة والسّلوان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون".
وختمت الحريري: "الدعاء دائماً بالرّحمة لرفيق عمري الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر شهداء الوطن الأبرار. وإلى لقاءٍ قريب، بإذن الله".

رزق
بدوره، أكد وزير العدل السابق شارل رزق أن الرابع عشر من شباط ليس ذكرى إستشهاد لبنانيّ كبير وحسب، بل هو ذكرى محاولة القضاء على رؤية حملها وشرع في وضعها موضع التنفيذ. فبعد إعادة بناء العاصمة وإصلاح وتطوير البنى التحتية التي دمرتها الحرب، عمل على بناء الدولة بمؤسَّساتها سعياً إلى تأمين استقلالها، ذلك لأنه أدرك أنّ سبب انهيار الدولة اللبنانية ليس الحرب التي اندلعت في العام 1975، بل على العكس إنّ غياب الدولة هو الذي كان سبب الحرب، لأنّ عجزنا عن التوحُّد وإمعاننا في التشرذم الطائفي، واستعانة كلّ فريق بمرجع خارجيّ يستقوي به هو الذي أفقدنا السيادة وأوقعنا تحت الوصاية".
وقال: "بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إستمرّ أعداؤه يحاولون بإصرار القضاء على الرٶية التي حملها، من هنا سعيهم الدٶوب للحؤول دون قيام المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، لأنهم وعوا أنّ مهمتّها لا تقتصر على محاكمة الفاعلين، بل تتعداها إلى إعادة ثقافة العدل الغائبة عن لبنان منذ زمنٍ طويل".
ولفت إلى أنه "صحيح أن قرار المحكمة الدولية الناظرة في اغتيال الرئيس الحريري سيكون غيابياً لعدم تسليم المراجع الأمنية والقضائية اللبنانية المتهمين لأسباب يعلمها الله. لكن لجوء هؤلاء إلى الفرار لن يغيّر في الأمر كثيراً. ٳذ ما يطلبه الناس يفوق الإقتصاص من الأفراد والإنتقام منهم. ما يطلبه الناس هو كشف الحقيقة والحقيقة تحرر من الخوف وبالتالي من الظلم ومن الإستبداد".
وزاد: "لم تكن المحكمة أبداً لتهميش القضاء اللبناني ومنعه من القيام بدوره، فهو مهمَّش أصلاً بدليل عدم قدرته على النظر في الجرائم الكبيرة التي سبقت استشهاد الرئيس الحريري وأتّت بعده. بل قامت المحكمة لتمهيد الطريق أمام القضاء اللبناني ليقوم بدوره مجدّداً ولمواكبة نهضته وإعادة تأهليه ليكون اللبِنَةَ الأولى في بنيان الدولة التي أرادها الحريري".
واسترسل: "فإذا كان القضاء كمؤسّسة يعاني من الوهن، إلا أنّه لا يخلو من الكفاءات الكبيرة بين قضاته، بدليل أنّه جرى تطعيم المحكمة الدولية بعدد منهم اعترافاً بذلك. لكن ماذا يستطيع القاضي أن يفعل إن لم تؤمّن الدولة للمؤسسة القضائية ككلَّ العناية والحماية؟ فجاء افتتاح أعمال المحكمة الدولية ليذكّر جميع اللبنانيين، شعباً وحكاماً وقضاة، بالهيبة والوقار اللَّذَيْن يجب أن تحاط بهما المحاكم والتي لا بدّ لها من أن تعود إلينا يوماً بعودة لبنان رفيق الحريري. وكأنّ قدره أن تكون المؤسسة القضائية التي قامت بسبب استشهاده أوّل ردٍّ على الذين حاولوا وقف مسيرته بعد استشهاده، والبرهان الساطع على أنّ هذه المسيرة لم تتوقف".
أضاف: "يذكّرنا الرئيس الحريري باستشهاده بأنّ لا خيار لنا سوى بناء الدولة التي نذر حياته لها، وهو خيار لا يحتمل التأجيل، ٳذا أردنا أن نحمي لبنان من الإضطرابات الحاصلة حولنا ومن الأنواء العاصفة المحدقة بنا".
وأردف: "لم يبلغ العنف يوماً الدرجة التي بلغها في الشرق الأوسط من سوريا إلى العراق إلى مصر، ناهيك عن المأساةِ التي تعيشها فلسطين منذ عقود، وهو يجتازُ حدودَنا ويتسلَّلُ إلى أحيائِنا، ولا دولةَ تردعُه وتحمي الأرضَ وتثبِّتُ المواطنين فيها، وتمنعهم من الإلتحاقِ بهذا الطرفِ الإقليمي أو ذاك، ومن الإنضمامِ إلى مقاتليه. فهي غائبةٌ وتكتفي بأن تتلقى من بعيد أخبارَ المؤتمراتِ والمفاوضاتِ التي تعقدُ هنا وهناك، وتنتظرُ مكتوفَةَ الأيدي القراراتِ التي سوف تحدّدُ مصيرَها دون استشارتِها".
وتساءل: "كيف يكون غيرَ ذلك والعالمُ يشهُد الخفةَ التي يتعامل بها مجتمعُنا السياسي مع الشأنِ العام، فيماطل شهوراً منتظراً الإشارات الخارجية المألوفة لتأليف حكومةٍ تناتشُ المستوزرون حقائَبها التي وصفوها بالسيادية، غافلين عن كونِ لبنان فقد سيادتَه الوطنيةَ منذ عشراتِ السنين، وعينُهم على المناقصات الجاهزة، وما أدراك ما يترتب عنها في الخفاء بعد التوقيع؟ كيف يكون غير ذلك والوزراء يتبادلون على التلفزيونات الإتهامات بالإختلاس والتعدي على الأملاك العامة، واللبنانيون المذهولون المقهورون يكتفون بالتفرج"؟
وأشار إلى أنه "بعد ستّ سنوات من اليوم يحتفل لبنان بمرور مائة عام على إعلان لبنان الكبير، يوم جُمعت طوائفنا في بوتقة واحدة على أمل أن تنصهر فيها وتبني دولة. كان ذلك عام 1920".
وأوضح رزق ان "قرناً مرّ على هذا الإعلان و طوائفنا لا تزال هي هي، لا بل اشتدّ تمسّكنا بها وتعصبّنا لها. أما الدولة فلا تزال أملاً"، خاتماً بالقول: "حمل رفيق الحريري هذا الأمل وشرع في تحقيقه، وهو باستشهاده يدعونا إلى إكمال الطريق. فهل نسمعُ الدُعاء"؟

الحريري
وفي الختام، ألقى الرئيس سعد الحريري كلمة متلفزة جاء فيها: "أيها الإخوة والأخوات، الرفاق والأصدقاء في تيار المستقبل و14 آذار، وشركاء المسيرة المستمرة بإذن الله، أيها الأحبة في كل مكان من لبنان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندما دخلت قبل شهر، الى قاعة المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان، شعرت للمرة الاولى منذ تسع سنوات، ان دوي العدالة في لاهاي، كان أقوى من دوي الانفجار في 14 شباط 2005، وان ابتسامة رفيق الحريري، كانت أمضى من سلاح المجرمين والمتهمين، الذين قرّروا ان يدفنوا أنفسهم في أقبية الهروب. في لاهاي، عَطَّلت ثورة الأرز، مفعول ثلاثة أطنان من المواد المتفجرة، زرعت في قلب بيروت لاقتلاع أمل اللبنانيين بالحرية والسيادة والاستقلال، ووقَّعت دماء وسام عيد ووسام الحسن وكل الشهداء مُطالعة الانتصار على القتلة والمخططين والمحرضين والمتواطئين والمنفذين، وعلى كل من يشارك في إخفاء المتهمين.
في لاهاي انتصرت انتفاضة الاستقلال، وانتصرت إرادتكم، أنتم الذين زحفتم الى بيروت، مطالبين بتحقيق العدالة، حاملين العلم اللبناني وحده، لإنهاء نظام الهيمنة والوصاية، على إرادة الاغتيال السياسي في لبنان والوطن العربي.
في لاهاي، أدركت وأدرك العالم، لماذا طالب اللبنانيون واللبنانيات بهذه المحكمة: متهمون خمسة باغتيال رفيق الحريري في حماية معلنة من حزب مسلَّح، ولا يمكن للدولة اللبنانية أن تسأل عنهم مجرد سؤال. متهم بمحاولة اغتيال بطرس حرب، في حماية حزب مسلح، ولا يمكن للدولة اللبنانية أن تصل إليه لتسجيل شهادته، مجرد شهادته. ومتهمون بتفجيري طرابلس، معروفون بالأسماء ومكان الإقامة، لا يمكن للدولة اللبنانية أن تصل إليهم، مجرد وصول.
وبعد كل ذلك، يسألون لماذا طالب اللبنانيون بالمحكمة الدولية؟ أعادتنا لاهاي الى تفاصيل الجرح العميق. الى الوجع في لحظاته الاولى. نعم، لقد حركت لاهاي فينا أوجاع كل الاغتيالات، من رياض الصلح الى محمد شطح، لكنها لم تحرك فينا، وبحمد الله، أي شعور او رغبة بالثأر والانتقام.
لو أراد رفيق الحريري أو محمد شطح أو بيار الجميل أو وليد عيدو أو رينيه معوض أو المفتي حسن خالد، أو أي من عشرات الشهداء، أن يعلقوا على المحكمة التي أنشئت من أجل لبنان، هل كان يمكن أن يقولوا غير ذلك؟ هل يمكن أن نتصور أنهم سيطلبون الثأر، أو يدعون الى الرد على الاغتيالات السياسية باغتيالات سياسية مضادة، والى حمل السلاح في وجه حملة السلاح والخارجين على الإجماع الوطني؟ وأنتم رفاق وأحبة وجمهور رفيق الحريري، هل تقبلون أن تكونوا على غير الصورة التي أرادها الرئيس الشهيد لوطنه؟
أعلم أيها الأخوة والأخوات، أن فينا من يعتقد، ان هذه اللغة لا تلاقي العواطف المشحونة بمشاعر الظلم والقهر، وان هناك من يؤمن بأن الحديد لا يفلّه في النهاية الا الحديد، وان الطرف الآخر المتهم بجريمة اغتيال الرئيس الحريري وباقي الجرائم، والمسؤول عن تصدع الحياة الوطنية واستدراج البلاد الى الحروبِ الخارجية، هذا الطرف، بات بنظر البعض منكم، طرفاً لا تنفع معه لغة الحوار والجدل السياسي. ولكن، أيها الأخوة والأخوات، في لبنان الذي أراده رفيق الحريري وكل الشهداء، والذي نريده نحن جميعاً لأولادنا، الدولة وحدها هي من تضرب الحديد بالحديد. وإذا كان هناك فريق مسؤول عن تصدع الحياة الوطنية، فلا بد لنا أن نكون نحن مسؤولين عن الوحدة الوطنية. وإذا كان هذا الفريق مسؤولاً عن استدراج البلاد إلى حروب خارجية، فمسؤوليتنا تحييد لبنان. وإذا خالفوا الإجماع الوطني، فيكون علينا أن نزيد التزاماً بقواعد هذا الإجماع في اتفاق الطائف وإعلان بعبدا، وأضيف إليهما وثيقة بكركي الأخيرة، التي نرى فيها خارطة طريق لجميع اللبنانيين، للمسلمين مثل المسيحيين، نحو قيام الدولة، وحصرية السلطة في يد المؤسسات الشرعية.
أقول هذا، وأعرف مسبقاً ما قد أواجه من انتقادات. لكن أقول لكم أيضاً: تصوَّروا أن نخرق القانون، ونحمل السلاح ونضعف الدولة ونخرج عن الإجماع الوطني ونفتي في العباد خدمة لمصالح ذاتية، ونخوّن من لا يرى رأينا، ونكفّر من لا يتّبع طائفتنا ومذهبنا، ثم يحارب بعضنا بعضاً.
في الحقيقة، هذا كله سهل. الدمار سهل والقتل سهل والخروج على الدولة سهل. فهل هذا هو لبنان الذي تريدونه؟ لبنان الموت والخراب والخروج على الدولة والقانون والدستور؟
أيها الإخوة والأصدقاء، أيها الرفاق والأحبة في تيار المستقبل، سأكون صريحاً ومباشراً: تيار المستقبل، إما أن يكون، على صورة رفيق الحريري، أو لا يكون. إما ان يكون في مستوى أحلامه، ومسيرته، وكفاحه، وتاريخه القومي والوطني، وإما لن يكون.
نحن من مدرسة، تفتدي الوطن بالأرواح، ولسنا من مدرسة، تفتدي الحزب او الطائفة بالوطن. نحن من مدرسة، دفع ويدفع قياديوها بحياتهم، ثمن حق لبنان واللبنانيين، بالحياة والحرية والكرامة، وثمن وضع مصلحة لبنان أولاً، لا من مدرسة يدفع قياديوها بلبنان واللبنانيين إلى الموت والخوف والمذلة، خدمةً لمصالح خارجية.
شباب وشابات تيار المستقبل، وكل من يمتّ بصلة المحبة والوفاء والشراكة الوطنية الى تيار المستقبل، يدركون هذا الفهم بعمق، وسنتصدّى للتحريض والدعوات المشبوهة لزج اللبنانيين، والطائفة السنّية خصوصاً، في حروب مجنونة لا وظيفة لها سوى استدراج لبنان الى محرقة مذهبية. اما أولئك الذين يتوهمون بوجود بيئة حاضنة للإرهاب في لبنان، ويحاولون أن يلقوا المسؤولية على تيار المستقبل، وعلى المدن والبلدات المعروفة بغالبيتها السنّية، فنؤكد لهم أن أوهامهم مردودة إليهم. فكما يرفض تيار المستقبل ان يكون على صورة حزب الله، فإنّنا نرفض أن نكون على صورة داعش أو النصرة، وأيِ دعوة لإقحام التيار والسّنة في لبنان بالحرب الدائرة بين حزب الله والقاعدة.
هؤلاء جميعهم يمثّلون مفاهيم مدمّـِرة وأدوات لاستنـزاف الدولة، ومشاريع لحروب لا تنتهي بين المسلمين. ونحن معَ الأكثرية الساحقة من أهل السّنة في لبنان، سنواجه هذه المشاريع، واي أمر يسيء لاستقرار البلاد، وقواعد الإجماع الوطني. هذه ثوابتنا، وأي خروج على هذه الثوابت هو اغتيال ثان لرفيق الحريري!
أيها الإخوة والأصدقاء، كلامنا واضح وضوح الشمس وهو ليس معروضاً للتفسير او التأويل او التبرير. نحن نؤكد على ثوابت نلتزم بها وقدّمنا في سبيلها الشهداء. رفيق الحريري وباسل فليحان ووليد عيدو ووسام عيد ووسام الحسن ومحمد شطح لم يستشهدوا ليكون تيار المستقبل ومن خلفه السنّة في لبنان حاضنة لأي تنظيم إرهابي، وهم لم يستشهدوا مع بيار الجميل وسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي وانطوان غانم وهاشم السلمان وكل الشهداء الأحرار، ليسلموا حزب الله حقّ الإمرة في الشؤون الوطنية ويغطوا مشاركته في الحرب السورية.
لقد سبق وتحدثنا الى حزب الله مباشرة وجلسنا معه الى طاولة الحوار لجلسات طويلة، وتوجّهنا اليه بمئات الدعوات لوقف مسلسل اهتراء الدولة، بفعل انتشار السلاح. الحزب لا يريد أن يستمع لأحد، وهو يتعامل مع الدولة بصفتها ساحة لمشروع إقليمي خاص، ويزج بلبنان في حروب لن تعود بغير الخراب.
وبالرغم من ذلك، قلنا ان المصلحة الوطنية لا يجوز أن تبقى أسيرة الأبواب الموصدة، وأعلنتُ من لاهاي، وفي ذروة المتابعة لمحاكمة المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، ان حماية لبنان والاستقرار الوطني أهم منا جميعاً، وان اي كلام عن عزل الطائفة الشيعية هو كلام باطل هدفه اختزال الطائفة بالحزب والسلاح.
أردنا الحكومة خطوة على طريق الاستحقاق الرئاسي، وتتويج عهد الرئيس ميشال سليمان بمبادرة وطنية جامعة، تضاف الى الإنجاز المتمثل بالدعم الكبير، الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للجيش اللبناني.
وهنا، اسمحوا لي بكلمة عن الاستحقاق الرئاسي:
سأكون أكثر وضوحا من الوضوح:
أولاً: نحن نرفض الفراغ في رئاسة الجمهورية. لأن دولة يرأسها الفراغ هي دولة برسم الانهيار، ونحن، لا مشروع لنا سوى الدولة. ونرفض الفراغ في رئاسة الجمهورية، لأننا من مدرسة، تعتبر الرئيس المسيحي الماروني اللبناني، رمزاً للعيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين، التي نعلن تمسكنا به أساساً للبنان.
نعم، نحن تيار المستقبل، نرفض أن يكون منصب الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، لا بل الرئيس المسيحي الوحيد من سواحل الهند إلى شواطئ المغرب، نرفض أن يكون هذا المنصب مرشحاً للفراغ.
ثانياً: إذا كانت وصاية آل الأسد على لبنان قد جعلت رئاسة الجمهورية مناسبةً لتخطّي إرادة المسيحيين في لبنان، وإشعارهم بغبن التمثيل، وإشعار المسلمين معهم بالوصاية التامة، فإننا في تيار المستقبل لن نقبل إلا برئيس يمثل الإرادة الوطنية للمسيحيين ويرفض كل وصاية إلا وصاية الدستور.
أيها الإخوة والأخوات،
لأن لا مشروع لنا، سوى الدولة، أتوجّه الى الحكماء في الطائفة الشيعية وفي المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، الى أبناء ومقلدي الامام موسى الصدر، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والسيد محمد حسين فضل الله، والى السادة العلماء الذين يجاهرون بقول الحق، ويتقدّمون نخبة من الشخصيات والمثقفين وأصحاب الرأي الشجعان، وأتوجه بشكل خاص الى الرئيس نبيه بري، نعم، إلى دولة الرئيس نبيه بري، بكل ما توجبه الأمانة والصدق في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان.
أتوجه اليه بصفته ركناً من أركان الطائفة الشيعية في لبنان، وقيادياً له باع طويل في خوض الأزمات وإنتاج المخارج وترميم الجسور بين اللبنانيين.
هناك أمور كثيرة يمكن التحدث عنها، سأكتفي اليوم بطرح موضوع المشاركة في الحرب السورية، والفائدة التي يجنيها لبنان، وتجنيها الطائفة الشيعية خصوصاً من هذه المشاركة، هذا الموضوع بات يشكل الخطر الأكبر على الاستقرار الوطني، وعلى أسس الحياة المشتركة بين الطوائف الاسلامية خصوصاً، سواء من خلال المشاركة المباشرة لآلاف المقاتلين من الجنوب والضاحية والبقاع وجبيل في المعارك الى جانب النظام السوري، أو من خلال الارتدادات الداخلية والسورية لتلك المعارك، على السلامة العامة للبنانيين في كل المناطق.
هناك آلاف المقاتلين من حزب الله في سوريا، وهناك العشرات ممن يلتحقون عبر الحدود بتنظيم القاعدة وغيره، وهناك موجة غير مسبوقة من الانتحاريين تتسلّل الى مناطق تواجد حزب الله، وهناك قرى في عكار والبقاع تتعرّض بشكل شبه يومي للقصف
من الداخل السوري، وهناك مواطنون لبنانيون أبرياء يدفعون من أرواحهم وأرزاقهم ثمن التورط في الحرب السورية. والأخطر من كل ذلك، الأبعاد المذهبية المتنامية لانخراط اللبنانيين في هذه الحرب، الاستنزاف الكبير الذي يطال مؤسسة الجيش وسائر القوى الأمنية والعسكرية.
اننا يا دولة الرئيس، لا ننادي بتحييد المواقف السياسية عن الوضع في سوريا، إننا بمثل ما نعطي أنفسنا حق التأييد السياسي والإعلامي للمعارضة، لا نحجب هذا الامر عن مناصري بشار الأسد. ولكننا لن نتوقف عن السعي إلى طريقة لتحييد لبنان عن التورط العسكري في المسألة السورية، وتجنيب اللبنانيين خطر انتقال الحريق السوري إليهم.
ما حصل في الضاحية والهرمل وعكار وطرابلس وعرسال، هو نماذج عن التورط في هذا الحريق. ونحن نفترض أن معاناة الناس ومشاهد السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية التي حصدت عشرات الأبرياء، إضافة الى مئات النعوش التي تعود بجثامين القتلى من ساحات المعارك، وحالات الذعر والقلق التي تطارد المواطنين في كل المناطق، والاصطفاف المذهبي الذي يتعاظم يوماً بعد يوم، والخسائر الكبيرة التي حلّت بالاقتصاد ولقمة العيش، كافية لإعادة النظر في قرارات لم تجلب الى لبنان سوى القتل والدمار.
ومن يقول بغير ذلك يكذب على نفسه وعلى اللبنانيين. هل هذا ما نريده لأولادنا يا دولة الرئيس؟ هل نريد أمهات وآباء يبكون على أولادهم؟ أم يفرحون بشهاداتهم الجامعية؟ هل نريدهم أن يرفعوا أيديهم ليحملوا نعوش أولادهم أم أن يرفعوا رؤوسهم بعلم أولادهم وعملهم وإبداعهم وإنجازاتهم، يرفعون رأسنا جميعا واسم كل لبنان في كل العالم؟
من هنا تبدأ، يا دولة الرئيسْ، خطّة الدفاع عن لبنان وحماية اللبنانيين من خطر التنظيمات الإرهابية. يستحيل مكافحة الإرهاب من خلال تفرد حزب بإعلان الحرب. مواجهة الإرهاب تحتاج، بكل بساطة، الى تكاتف وطني واسع يعيد الاعتبار لإعلان بعبدا، وتحتاج الى جيش قادر على حماية الحدود وإحكام السيطرة على المنافذ والمعابر ذهاباً وإياباً. مواجهة الإرهاب تتطلّب قراراً سريعاً من حزب الله بالخروج من سوريا، والتخلّي عن وهم الحرب الاستباقية والاعتراف بوجود دولة لبنانية هي المسؤولة عن سلامة الحدود والمواطنين. فهل هناك من يسمع، ويتعظ، ويتواضع، ويبادر؟
لن نفقد الرهان على صوت العقل، وعلى الموقف الوطني الشجاع الذي يخرق جدار العناد السياسي. وإذا كان الحوار الوطني يجدي في التوصل الى ذلك، ويساهم في وقف النزف، فنحن لن نتأخر عن المشاركة، وتقديم بارقة أمل الى اللبنانيين بأن بلدنا قادر على انتاج الحلول ودرء الفتنة.
اليوم، وبعد تسع سنوات، تبقى فكرة بسيطة وأساسية، وهي أن رفيق الحريري ومحمد شطح وكل الشهداء، كانوا يستحقون الحياة وليس الموت، الطفل الذي كان ذاهبا إلى مدرسته في حارة حريك كان يستحق الحياة وليس الموت، المؤمن الخارج من المسجد في طرابلس كان يستحق الحياة وليس الموت، والمواطن الخارج من بيته في الهرمل أو صيدا ليؤمن لقمة العيش لعائلته كان يستحق الحياة وليس الموت، والسيدة التي كانت تدرّس أطفالها في عرسال، كانت هي وأولادها يستحقون الحياة وليس الموت.
نعم، السؤال الحقيقي بعد تسع سنوات على اغتيال رفيق الحريري هو ما إذا كان برأينا، لبنان يستحق الحياة وليس الموت...
رفيق الحريري ولد في منتصف القرن العشرين. وأمضى آخر عشرين سنة من القرن العشرين يخطط ويعمل وينجز لإدخال لبنان إلى القرن الحادي والعشرين. واليوم، وبعد تسع سنوات على اغتياله بات اللبنانيون، كل اللبنانيين، رهائن عند جماعات تريد أن تعيد لبنان إلى القرون الوسطى! نحن، ومعنا كل اللبنانيين واللبنانيات، جوابنا أن لبنان يستحق الحياة. كل أم لبنانية تستحق أن يكون همها أن ينجح ابنها أو بنتها في المدرسة، "مش إذا بيرجعو من المدرسة طيبين". كل أب لبناني يستحق أن يكون همه أن يكبر أولاده ويتخرَّجوا من الجامعة ويجدوا عملا ويأسسوا عائلة، وليس أن يتحوَّلوا إلى عاطلين عن العمل في بلد ليس فيه فرص عمل، أو إلى مشاريع لنعوش عائدة من سوريا أو مشاريع هجرة دائمة. وكل لبناني، صغير كان أو كبير، يستحق دورة حياة طبيعية، الابن يدفن فيه أبيه، وليس العكس، والحفيدة تصلّي فيه على جدتها وليس العكس. منذ أيام قليلة، قرأت في مقابلة مع الدكتورْ أنطوان مسرّة، عن الترابط بين العدالة والاعتدال. وفي لغتنا فإن الكلمتين تتحدران من العدل. وبهذا المعنى، زمن العدالة، هو زمن الاعتدال. وأهل العدالة هم أهل الاعتدال. ونحن، نحن أهل الاعتدال. نحن أهل الاعتدال الذين وقفنا ونقف بوجه كل تطرف، مهما كان. وكما شهدتم، فإنه بعد كل شيء انطلقت المحاكمة، وانتصر منطق العدالة، وليس لدي أي شك، ولا في أي لحظة أن منطق الاعتدال سينتصر، منطق الدولة والكرامة والحياة.
نحن معكم، بهذا المنطق، صامدون، صامدون، صامدون، ومعكم ومع كل اللبنانيين، سننتصر بالعلم، بالعمل، بالدولة، بالعدل، بالعدالة، وبالاعتدال.
عشتم، عاشت العدالة وعاش لبنان".
تقارير
وعرض خلال الحفل تقارير مصورة عن رفيق الحريري يوم الاستشهاد وسائر الشهداء وشهادات لعائلات الضحايا بالإضافة إلى تقرير عن دور الرئيس الشهيد رفيق الحريري في التعليم والإعمار وأبرز إنجازاته وصولاً الى استشهاده وبدء ثورة الأرز. 

  • شارك الخبر