hit counter script

سليمان من تونس: لتخفف الدساتير الجديدة للدول والشعوب غلو التعصب والتطرف

الجمعة ١٥ شباط ٢٠١٤ - 14:38

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

حيا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان انجاز تونس للعملية الانتقالية من خلال دستور يساهم في انتظام الحياة السياسية في البلاد. وإذ شدد على اهمية رعاية الدولة وضمانها للحريات والحقوق، اعتبر ان "هذا الدستور يرسل اشارات الطمأنة خصوصا لجهة رعاية الدولة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة حياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي، اضافة الى ضمان حقوق المرأة ودعم مكاسبها، والدعوة الى اللامركزية الادارية وانشاء محكمة دستورية".

وشدد سليمان على ان "التجربة اللبنانية تقود الى التنبه لوجوب المحافظة على هذه المحكمة. فلا يجوز الضغط عليها او تقييدها او تسييسها او تعطيل اجتماعاتها، ويجب أن تخفف الدساتير الجديدة للدول والشعوب المتلمسة لخياراتها السياسية الفضلى، في زمن التحولات، غلو التعصب والتطرف، وتكرس ديموقراطيات اكثر انسانية تشرك كل مكونات الدول في ادارة الشأن العام".

كلام سليمان جاء قبل ظهر اليوم في احتفالية الدستور الجديد للجمهورية التونسية التي أقيمت في العاصمة تونس.

وكان رئيس الجمهورية وصل صباح اليوم الى العاصمة التونسية للمشاركة في الاحتفالية، يرافقه وزير المال في حكومة تصريف الاعمال محمد الصفدي والوزير السابق زياد بارود. وقد استقبله على ارض المطار نظيره التونسي محمد المنصف المرزوقي.
وبعد استراحة قصيرة، توجه سليمان والوفد المرافق الى مبنى المجلس الوطني التأسيسي التونسي حيث كان في استقباله رئيسه مصطفى بن جعفر.

الاحتفالية
وبدأت على الفور احتفالية الدستور التونسي الجديد بكلمة افتتاحية للرئيس التونسي المرزوقي ثم لرئيس المجلس الوطني التأسيسي، فكلمة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.

وبعد كلمة هولاند، القى رئيس الجمهورية الكلمة الآتية:

"في هذه المناسبة التاريخية المحفزة، والمنفتحة على آفاق التقدم والسلام، يطيب لي أن أتقدم من تونس العزيزة، دولة وشعبا، بأصدق التهانئ، وقد اجتازت مرحلتها الانتقالية بخطى ثابتة، نحو تجديد مفهومي المواطنة والديموقراطية، متمنيا لها الخير والازدهار والاستقرار، في كنف دستور ضامن للحريات والحقوق، يساهم بانتظام الحياة السياسية في البلاد.

لقد حملتني قراءة دستوركم الجديد إلى بضع خلاصات، أود أن أتشاركها معكم كالآتي:
أولا: لقد تمكنت تونس، في سنوات قليلة، أن تنجز العملية الانتقالية. واللافت أن هذا المسار، قد تميز فعلا باعتماد معايير ديموقراطية، حصنت العملية برمتها. فالدستور الجديد، هو ثمرة مجلس وطني تأسيسي، انتخب بإشراف هيئة مستقلة للانتخابات، وعلى أساس قانون انتخاب اعتمد النظام النسبي، وقد سمح بتظهير تنوع مكونات المجتمع التونسي، اعتمد كذلك سلة من الإصلاحات. ولا شك في أن ما تقدم، ساهم في إضفاء درجة عالية من الصدقية على المسار الانتقالي.

ثانيا: لقد عبر كثيرون، قبل الدستور الجديد وفي معرض مناقشته، عن مخاوف من تراجع "مكتسبات" عدة، بعضها جزء من تاريخ تونس الحضاري، وبعضها الآخر، جزء من انتظارات التونسيين والتونسيات. وقد جاء دستور 2014، ليرسل إشارات الطمأنة والضمان، من خلال تضمينه الأمور الآتية مجتمعة:

1- رعاية الدولة وضمانها للحريات والحقوق، معددا هذه وتلك. هكذا، مثلا، جاء في الفصل 6 أن "الدولة راعية للدين، راعية لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي".

2- إصرار الدستور، في معرض نصه على أن القانون يقرر "الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها"، على أن هذه الضوابط يجب أن تتم "بما لا ينال من جوهرها" أي جوهر الحقوق والحريات. وفي ذلك ضمانة عليا، في النص الدستوري، وهي ترتبط بالجوهر، الذي لا يجوز أن يسقطه أي تشريع تحت عنوان الضبط والتنظيم.

3- ولأن تونس كانت رائدة في تكريس حقوق المرأة-الإنسان، وتحديدا في تشريع الأحوال الشخصية الصادر في العام 1956، فقد ألقى الدستور الجديد على الدولة أن "تضمن حقوق المرأة وتدعم مكاسبها". وكأن الدستور الجديد، يرفع تلك المكتسبات إلى مصاف الحماية الدستورية، حفاظا على ريادة تونس في المجال الجندري، ودرءا لمخاوف التراجع، في التشريع والممارسة، عن مكتسبات المرأة التونسية.

ثالثا: بالترابط مع ما تقدم، فإن ما نص عليه الدستور الجديد، لجهة إنشاء محكمة دستورية، يشكل واحدة من الضمانات الأبرز، في البناء الدستوري الجديد. هذه المحكمة العليا تضبط انسجام التشريع مع الأحكام الدستورية التي تعلوها، تحت طائلة إبطال هذا التشريع إذا ما خالفها. وبذلك، يحصن الدستور الجديد ليكون المرجع الأعلى في حركة التشريع، فلا تأخذ القوانين بيد، ما أعطاه الدستور بيد. والتجربة اللبنانية تقودنا الى التنبه الى وجوب المحافظة على هذه المحكمة. فلا يجوز الضغط عليها او تقييدها او تسييسها او تعطيل اجتماعاتها.

رابعا: إلى جانب الحريات والحقوق، كما وبعض الأحكام ذات الطابع التنظيمي، فقد أحسن الدستور الجديد فتح أبوابا جديدة، تستشرف مستقبل تونس وتحاكيه، فجاء يقول، مثلا، بوجوب أن "تلتزم الدولة دعم اللامركزية واعتمادها بكامل التراب الوطني في إطار وحدة الدولة".

أضاف "وحدة الدولة، كما وحدة الأحكام الدستورية، تحتاج إلى آليات ونظم ومسالك. لكنها تحتاج بصورة أولى إلى مواطنين. وها هي تونس المواطنة، تدخل إلى عالم الديموقراطية غير المستوردة. ديموقراطية الخيارات التي تشبه انتظارات الناس وآمالهم، بحاجة الى قادة ومسؤولين على قدر آمال الناس يترجمون ما ورد في الدستور، كل يوم، من أجل أيام أفضل.
وإذ يقر المجلس الوطني التأسيسي دستورا جديدا لتونس، فهو يضع في جوهره خطا بيانيا يمكن ان يسترشد به العديد من الدول والشعوب المتلمسة لخياراتها السياسية الفضلى، في زمن التحولات بحثا عن الديموقراطية الحقة والحرية والعدالة. هذه الدساتير الجديدة يجب ان تخفف من غلو التعصب والتطرف، ويجب ان تكرس ديموقراطيات اكثر انسانية تشرِك كافة مكونات الدول في ادارة الشأن العام، ديموقراطيات تأخذ في الاعتبار التنوع والتعددية التي تنمو بسرعة مع انتشار العولمة الناتجة عن التطور العلمي المطرد.
ومثل هذه الديموقراطيات لا يمكن ان تحقق كامل مقاصدها من دون الارتضاء بنتائجها ومفاعيلها، خصوصا على صعيد التداول الدوري للسلطة، ومن دون احترام قرارات هيئاتها الناظمة، بعيدا من أساليب العرقلة والتعطيل".

وختم "تحية وتهنئة من القلب لتونس ولشعبها الشقيق، التي نرتبط معها باعتزاز، بوشائج قومية وحضارية متجذرة في التاريخ، والى مزيد من مواعيد الخير والتقدم والوفاق".

وبعد كلمات لعدد من رؤساء الوفود الحاضرة، لبى الجميع دعوة المرزوقي الى مأدبة غداء تكريمية اقيمت للمناسبة في قصر قرطاج. 

  • شارك الخبر