hit counter script

- المحامي لوسيان عون

ما يصحّ القول في الرئاسة والرئيس... أمس واليوم وكلّ يوم

الجمعة ١٥ كانون الأول ٢٠١٣ - 06:00

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع



بتاريخ 21 آذار من العام 2011 نشر لي عدد من وسائل الاعلام مقال تحت عنوان: "دفاعاً عن رئاسة وليس عن رئيس فحسب". واليوم ، وبعد انقضاء ما يفوق السنتين والنصف على كتابته ونشره، وطالما أنّ ظروف اليوم لم تختلف عن الامس ، وقد تكرّرت دوافع نشره، أجد ألا ضرر من تذكير اللبنانيّين بما تضمّنه المقال المذكور، علّه يكون لفتة لما رافق ظروفه وحيثيّاته.
فمن واجب دستوريّ شكّل شرياناً أساسيّاً مفصليّاً في الحياة السياسيّة والبنيويّة للبنان ومبعث طاقة للمؤسسات ومحرّكاً رئيساً لها، الى رهينة بيد أبرز المرشحين للرئاسة، أكانوا أحزاباً أم شخصيّات سياسيّة أم قوى سياسيّة، فيتحوّل الامر الى أزمة خانقة جرّت الويلات الاقتصاديّة وشلّت عصب الحياة الاجتماعيّة والتشريعيّة والماليّة، من دون أن يرفّ لاولئك الذين يشاركون بصنعها جفناً، فيصبحوا واضعين العصي في دواليب المجتمع بأسره.
إنّها معركة رئاسة الجمهوريّة التي يفترض أن تجمع لا أن تفرق فلا تشكل سبباً لحرب أهليّة أخرى، رغم اضعاف الرئاسة ونزع بعض الصلاحيات التي كان يتمتع بها رئيس الجمهورية قبل اتفاق الطائف الشهير.
(نص المقال المنشور بتاريخ 21 آذار 2011)
دفاعاً عن رئاسة وليس عن رئيس فحسب
خلقنا رجالاً لا أرجل في خدمة أجساد أو أمجاد.
وولدنا أحراراً لا أغناماً خدمة لمشاريع تسويات وصفقات وسمسرات.
ولدنا في وطنٍ سيّد، حرّ ومستقل تحت سقف دستور وفي ظلّ نظام يتمتع بضوابط.
في اليوم التالي للعام الدراسي الاول الذي يتم خلاله تدريس مادة الحقوق في الكليات العاملة، تتلى على الطلاب القواعد العامة ومقوّمات الدولة السيّدة المستقلة التي تتألف من الشعب والارض والمؤسسات. وضمن تركيبة الاخيرة يحدّد دستورها آليّة تداول السلطات وصلاحيّة المسؤولين فيها ومن بينهم صلاحية رئيس الجمهورية.
وفي لبنان تحديداً، في ظلّ نظامنا الطائفي، وما دام هذا النظام قائماً شئنا أم ابينا، والى حين تعديله أم فرط عقده وتأسيس آخر، تمّ الاجماع على أن يكون منصب رئاسة الجمهورية وفق العرف لماروني، يتمتّع بصلاحيات نصت عليها مواد متعددة من الدستور اللبناني المعدل.
هذا المنصب يتولاه اليوم شخص اسمه العماد ميشال سليمان انتخب لستّ سنوات منذ العام 2008 وتنتهي ولايته في العام 2014.
وعلى هذا الاساس، وانطلاقاً من هذا الواقع وتلك المسلمات والقواعد الدستوريّة، وخلافاً لكلّ ما يحاول البعض إثارته من محاولات انقلابيّة من هنا، وتقصير ولاية الرئيس من هناك، ثمّة حقائق تاريخيّة ودستوريّة ومنطقيّة وسياسيّة، ومنها ما يتعلق بالاستقرار السياسي وبحقوق الطوائف في لبنان، وبالتوازنات المتفق عليها وهي:
أنّ رئيس الجمهورية حكم ورمز اسندت اليه مهمة تطبيق الدستور ورعايته ورعاية الميثاق الوطني والعيش المشترك وله صلاحيات أوسع ممّا نصّ عليها الدستور حصراً كونها جاءت غامضة نسبياً وغير دقيقة لما فيه الكفاية.
وهذا ما حدا بالبعض لاستغلاله، لكن كان من الحكمة أن يقدم المجتمعون في الطائف الذين قاموا بادخال التعديلات الدستورية الاخيرة في العام 1990 على توزيع الرئاسات الثلاث على طوائف ثلاث كبرى مع كل ما أعطي لرئيس الجمهورية من تفويض لتوقيع المراسيم المختلفة، وهذا ما يدفعنا الى مناقشة مدى صلاحيّة من يتولى التوقيع على أيّ مرسوم أم إجراءٍ ما من حيث التدقيق في مدى مخالفته للدستور أم القوانين أم الانظمة المرعيّة. وهنا مكمن الخلاف بين من كان له رأي يفضي الى أنّ رئيس الجمهورية (كاتب) في الدولة اللبنانيّة لا يحقّ له الدخول في مضمون أيّ مرسوم أم قرار صادر، في حين أنّ رأياً آخر يعتبر أنّ ثمّة رابط بين حيثية الموقع وما تم تخصيصه لطائفة ما، مع ما يستوجب الحفاظ عليه معنوياً وسياسياً، خصوصاً وأنّ حفظ التوازنات كمبدأ متعارف ومتوافق عليه كان العنوان العريض لهيكليّة النظام القائم منذ العام 1990 إلا اذا كان من قوى سياسيّة ترغب اليوم في الدخول في تعديل الدستور لفرط عقد هذا التوافق والتأسيس لمثالثة أم مرابعة أم خلافها، خدمة لسياسة معيّنة أم لمآرب معيّنة كذلك.
نحن لم نقل إنّ هذا النظام نموذجي وخلاّق ومثالي، لكنّه كالكوب المشعور، تستقرّ الماء بداخله الى أجلٍ غير مسمّى ويخدم مرحليّاً وهو مؤقت الى حين التوافق بين أطياف المجتمع اللبناني على نظامٍ بديل.
لكن ما لم تُزل الطائفيّة من النصوص كما من النفوس، ثمّة مركز تمّ تكريسه من ضمن السلّة المتفق عليها للطائفة المارونيّة لتكون من نصيب أحد أفرادها عن طريق الانتخاب عن طريق المجلس النيابي.
والى أن يتمّ فصل الدين عن الدولة سيبقى كلّ ماروني مندفع للدفاع عن كرسي الرئاسة كما يندفع الشيعي للدفاع عن كرسي رئاسة مجلس النواب وكذلك السنّي للدفاع عن منصب رئاسة الحكومة.
وفي هذا الصدد، وبمعزل عن الاولوية التراتبية على مستوى الرئاسات والبروتوكول المنظم لها، فإنّ ثمّة مساواة في الجوهر بين المداميك الثلاثة في النظام اللبناني. وعلى هذا الاساس، لا يحقّ لأيّ فرد أم قائد أم مسؤول، مهما علا شأنه، ولأيّ سبب أم تبرير كان، التطاول على مقام رئاسة الجمهوريّة لأنّ هذا المنصب باقٍ ما بقي التوافق بين اللبنانيّين على دستور الامة جمعاء، وأنّ الاشخاص يتناوبون على المناصب لكن ثمّة حرمة خاصّة ومميّزة واستثنائيّة كرّسها الدستور نفسه لرئيس الجمهورية ترتبط قوّتها وفرادتها بالمنصب نفسه، وهو على هذا الاساس منع ملاحقة رئيس الجمهورية الا في حالة الخيانة العظمى. وتنسحب المناعة تلك على الطائفة التي حفظ لها إطار معنوي ليس مرتبطاً بالشخص.
بين الرئاسة والرئيس رابط معنوي، وما دام حافظ الرئيس على المبادىء ولم يفرّط بحقوق المسيحيّين لا يجوز تحويله الى مكسر عصا، بل واجب على كلّ مسيحي ولبناني بشكلٍ عام المحافظة على كرسي الرئاسة وتحصين الرئيس من التطاول عليه لمآرب خاصّة ومعروفة الاهداف لأنّ رئاسة الجمهوريّة باتت منذ العام 1990، تاريخ إقرار الاصلاحات الدستوريّة في الطائف، إحدى الركائز الثلاث التي يستقرّ عليها نظامنا الطائفي، أكنّا من مؤيّديه أم في عداد المعارضين له.
 

  • شارك الخبر