hit counter script

رسالة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لمناسبة عيد الميلاد

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٣ - 11:21

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، رسالة الميلاد بعنوان "وعلى الأرض السلام"، قال فيها: "أجمل ما نستهل به هذه الرسالة، التحية الميلادية: ولد المسيح! هللويا! بها نعرب عن أطيب التهاني والتمنيات لجميع أبناء كنيستنا وبناتها وإخواننا وأخواتنا من الكنائس الأخرى والجماعات الكنسية، ومن سائر الطوائف والأديان، وكل مواطن صالح يسعى إلى السلام، في لبنان والشرق الأوسط وبلدان الانتشار، راجين لهم سلام ميلاد الرب وخيور السنة الجديدة 2014".

اضاف الراعي: "في عيد ميلاد ابن الله إنسانا، لفداء الجنس البشري وخلاص العالم، أنشد الملائكة في سماء بيت لحم: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام". مجد في السماء، سلام على الأرض. هذا ما أعلنه الملائكة: يتمجد الله حينما يبني البشر سلامه في ما بينهم. سلامنا عطية من الله الذي نعبده بشخص ابنه يسوع المسيح. ومجده الفائض علينا يدعونا إلى العيش وفق مرضاته، فيفيض سلامه في داخلنا وفي مجتمعاتنا، ويحلو بين الناس، العيش معا. في عيد السلام الشامل كل القلوب، جميعنا مدعوون لنرفع بدورنا، على اختلاف أدياننا ومذاهبنا، نشيد: المجد لله في السماء، بصنع السلام على الأرض، في محيطنا وحيثما حللنا".

وأشار الى ان "المسيح حقق السلام على الأرض بموته وقيامته، فصالح بنفسه جميع الناس مع الله، وهدم جدران العداوة، وخلق في ذاته من المتخاصمين والأعداء شعبا واحدا، وإنسانا واحدا جديدا، وبشرية واحدة جديدة؛ وأضحى هو سلامنا، على ما كتب بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس (راجع أفسس2: 14-16). ثم أهدانا سلامه (راجع يو 14: 27)، لنكون به صانعي سلام، فنصبح كلنا، بالتالي، أبناء وبنات حقيقيين لله، على ما أعلن الرب يسوع في إنجيل التطويبات: "طوبى لصانعي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون"(متى5: 9).

وأكد الراعي ان "السلام هبة من الله، يستودعها كل إنسان وجماعة ومجتمع ودولة ليبنوه. السلام ممكن لأنه عطية من الله. وهو ضروري لكي تتأمن الخيور التي يحتاج إليها الجميع، فيعيشوا في فرح وطمأنينة وكرامة وسعادة.السلام هو حياة شركة مع الله تملأنا حقيقة ومحبة وعدالة وحرية، فيولد فينا السلام ونكتسب ثقافته وننشره في محيطنا. فالحقيقة تولد السلام لأنها تضعنا في نور المسيح الذي يبدد كل كذب ونميمة وتزوير وضلال. والمحبة تصنع السلام لأنها تخدم وتتفانى، تتفهم وتصبر، تغفر وتسامح، وتتجاوز كل إساءة وحقد وغضب وثأر. والعدالة تثمر السلام، لأنها تعطي كل واحد حقه، وتؤمن للجميع النمو الشامل إنسانيا وروحيا، إقتصاديا وثقافيا، وتربي على التضامن وروح المسؤولية بعضنا عن بعض. فلا إهمال ولا ظلم ولا استبداد ولا استكبار. والحرية تنبت السلام، لأنها تحرر من كل أنواع الاستعباد والعبوديات. فهي حرية أبناء الله، أم جميع الحريات العامة التي يتوق إليها كل إنسان وجماعة وشعب".

وقال: "السلام على الأرض" يجب أن يعني جميع البشر على كل أرض. لا يمكن أن ينعم شعب بالسلام، طالما هناك شعوب لا تعرف السلام. في وجه القهر والظلم والحروب المتنقلة من مكان إلى مكان، سلاحنا هو سلام المسيح الذي لا يستثني أحدا، سنمضي به إلى أن يعم سلامه الأرض قاطبة فتؤدي البشرية لله كل المجد، هو الذي تمجد في خلقها وافتدائها وتقديسها".

واكد الراعي ان " بناء السلام على أرضنا اللبنانية، بنوع أخص، وعلى أرض هذا المشرق، هو مسؤولية خطيرة تقع علينا نحن أبناءها، لأن الله اختارها ليتجلى عليها بشخص ابنه يسوع المسيح، ومنها دخل في عمق الحياة البشرية وسار معها في تاريخها لأنه عمانوئيل - إلهنا معنا. على هذه الأرض تجسد الله. إنها أرضه، فلا يحق لنا أن نتخلى عنها ونهجرها أو نستعيض عنها لأي سبب كان وتحت أي ظرف. فإن قيمتها الروحية والتاريخية لا تقدر. نشكر الله عليها في كل حين. ونحافظ على قدسيتها. إنها أرض قداسة وقديسين، نرفض أن تتحول إلى أرض الحديد والنار، أرض الحرب والعنف والقتل. إنها أرض الله وأرضنا، لنا فيها مساحة تاريخ من العيش المشترك الحر الكريم، وشهادة تؤدى للمسيح بكبر قل نظيره، في سبيل تفاعل إنساني سليم مع جميع الناس في هذا الشرق (راجع المجمع البطريركي الماروني، النص 23: "الكنيسة المارونية والأرض"، 5)".

وقال: "سلام على الأرض"، سلام مع أرضنا، أرض كل واحد منا. إنها نعمة من الله وبركة، وصلت إلينا وبصمة أجدادنا ووالدينا عليها، فأعطتنا هوية وكيانا. عليها كتبنا تاريخنا بعرق الجبين حينا، وبالوجع والدم أحيانا؛ منها تعلمنا الكرم في العطاء والصدق في التعامل؛ في باطنها غرس كريم من شهودنا وشهدائنا. إنها قدس وطني لنا لن نخونه. أوصيكم باسم الكنيسة، أن يعيش كل واحد منا السلام مع أرضه، فيحافظ عليها ويثمرها ويحرسها، ويتركها إرثا من بعده، فتتواصل خدمتها جيلا بعد جيل. بيعها والمقامرة عليها جرم وخيانة للذات وللهوية وللتاريخ".

اضاف: "نحن، ككنيسة، نرفض أن يبيع أي لبناني أرضه. ونساعده بالمقابل من خلال مؤسساتنا على استثمارها بالطرق التي تؤمن له ولأسرته عيشا كريما. تعمل الكنيسة على إنشاء مشاريع إنمائية في المناطق من أجل تأمين فرص عمل، بالإضافة إلى تلك التي توفرها في مؤسساتها التربوية والاجتماعية والاستشفائية. كما أنها تفسح في المجال لجميع أبنائها باستثمار أراضي أوقافها في مشاريع زراعية وصناعية وسياحية وسواها. أما المتمولون الملاكون الكبار فنطلب منهم أن يحافظوا على أرضهم احتراما لله معطيها، ولهويتنا التاريخية والاجتماعية والسياسية، وأن يستثمروها بمشاريع إنمائية تؤمن فرص عمل للمواطنين، وتسهم في إنعاش الاقتصاد".

وتابع: "يبقى أن نطلب من الدولة اللبنانية أن تضبط، بقوانين ملائمة، عملية بيع أراض لبنانية إلى غير لبنانيين، وأن تحسن الأوضاع الاقتصادية بحيث لا يضطر أحد إلى بيع أرضه. لكن، أيا تكن نصوص القوانين، تبقى دون جدوى ما لم تحكمها شريعة الضمير والوجدان اللبناني التاريخي، هذه وحدها تعطي المعنى والمبرر لكل قانون يوضع لردع المخالفين المقامرين".

واكد "ان السلام على أرضنا في لبنان لا يقف عند حدود الحيلولة دون وقوع حرب، بل هو واجب ثقيل على ضمير المسؤولين السياسيين بتأليف حكومة ميثاقية قادرة على تأمين السلام الحقيقي: سلام المصالحة بين الفريقين المتنازعين الذي منه السلام الاجتماعي بين المواطنين بالخروج من قلق معيشتهم ومن الفقر والبطالة والعوز، ويؤمن فرص العمل لأجيالنا الطالعة وأرباب العائلات. سلام الأمن والاستقرار الذي يقتضي ضبط السلاح غير الشرعي، وقمع التعديات على المواطنين بأرواحهم وممتلكاتهم وطمأنينة حياتهم. سلام الحياة السياسية السليمة التي تعيد الحياة إلى المؤسسات الدستورية، وفي طليعتها المجلس النيابي، وإلى الإدارات العامة وتحريك إنتاجها، وتنقيتها من فساد الرشوة والسرقة، وحمايتها من تدخل السياسيين النافذين".

وقال: "السلام على أرضنا في لبنان يفرض على النواب الحضور الإلزامي إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده الدستوري، رئيس يكون على مستوى المرحلة التاريخية المميزة. فالرئيس الجديد المنتخب هو رئيس يتكلل عهده بالاحتفال بالمئوية الأولى لإعلان لبنان الكبير والمستقل. برنامجه واضح هو إعادة لبنان إلى جوهر كيانه باستكمال الدولة المدنية، ذات السلطة المركزية القادرة، مع تحقيق اللامركزية الإدارية الموسعة. برنامجه: سد الثغرات في صلاحيات رئيس الجمهورية، التي ظهرت من التجربة في ممارسة الحكم في إطار الجمهورية الثانية، بعد اتفاق الطائف. برنامجه: العمل الدؤوب على بناء الوحدة الوطنية بالمصالحة بين الفريقين السياسيين المتنازعين، وبصيانة العيش المشترك الميثاقي بين المسيحيين والمسلمين عبر المساواة في الحقوق والواجبات والاحترام المتبادل، والمشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة. برنامجه: إحياء الولاء المطلق للبنان وحياده وتحييده عن المحاور التصادمية الإقليمية والدولية، وعن التبعية لأي بلد في الشرق أو في الغرب. برنامجه: إعادة لبنان إلى موقعه الفاعل وسط الأسرتين العربية والدولية، كوطن التواصل والتلاقي والحوار بين الأديان والثقافات، وكعنصر سلام واستقرار بحكم موقعه الجغرافي على ضفة المتوسط، ونظامه الديموقراطي، ضامن جميع الحريات العامة وحقوق الإنسان الأساسية".


وتابع: "مع الميلاد، أوجه معايدة تضامن وشهادة لأخوينا المطرانين والكهنة المخطوفين، وراهبات القديسة تقلا - معلولا المخطوفات، ولهم أقول: إن الواقع الذي أنتم فيه الآن، مهما كان مهينا، لن يمنع قلوبكم من الامتلاء من فرح الذي أتى "ليحرر المأسورين"؛ أنتم عيدنا وميلادنا، وشهادتكم عضد كبير لكنائسنا في الشرق، لا تخافوا، نحن فخورون بجهادكم. ونناشد الوجدان العربي والإقليمي والدولي، العمل على إطلاق سراحهم".

وختم: "وعليه، نوجه الدعوة مجددا، إلى من لهم اليد الطولى في صنع الحرب الدائرة في بلداننا ولا سيما لبنان وسوريا ومصر والعراق، ليصنعوا السلام العادل والشامل، لأن النار التي يوقدونها اليوم قد يطال لهبها ما ليس في الحسبان.

"المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام"(لو2: 14). دعاؤنا أن يظل النشيد الملائكي نشيدا يرتفع من أرضنا المشرقية. نمجد الله في صنع السلام، ونجد الفرح والسعادة في حياتنا على وجه الأرض، ونشرك فيهما كلَ إنسان. بهذه الأمنيات نجدد للجميع تهانينا الحارة وتمنياتنا الخالصة بالميلاد المجيد والسنة الجديدة 2014.
ولد المسيح هللوليا".
 

  • شارك الخبر